الدوحة – بوابة الشرق

الحلقة : 21

ظاهرة الاسلاموفوبيا:

— إن ظاهرة الاسلاموفوبيا ودعمها من قبل الإعلام الغربي، وبعض الساسة الغربيين، والإصرار على تحدي المشاعر الإسلامية تحت مسميات الحريات الفكرية والإعلامية، كذلك ما تفعله وسائل الإعلام وبعض المسؤولين الأمنيين من إيحاءات باتهام المسلمين فور وقوع أي حادث إرهابي.. كل ذلك يساهم في إحداث جوّ متوتر غير طبيعي للمسلمين الذين يعيشون في هذه المناطق.

— إن الغاية من هذا التركيز الشديد على إثارة الرسوم والأفلام المسيئة ونحوهما مما يثير عواطف المسلمين هي تحقيق عدة أهداف وغايات من أهمها دفع المسلمين، وبخاصة الأقلية الإسلامية إلى تصرفات غير قانونية ليقال للعالم ان المسلمين لا يحترمون القوانين، بل يريدون الفوضى والدمار لأوروبا أو للغرب، وحينئذ يتم الضغط الإعلامي والعاطفي على الأقلية للتوجه إلى رد الفعل بأحد الاتجاهين أو كليهما:

أ — إما التفريط في حق الإسلام وذلك بالقبول بالذوبان والانصهار في بوتقة السلوكيات المخالفة للقيم الإسلامي، أو الاستحياء تماماً من الانتماء إلى الإسلام، أو لا سمح الله الخروج منه.

ب — وإما الإفراط من خلال الانتماء إلى الحركات المتطرفة والتفكير في الانتقام.

وكلا الأمرين خطر على الأقلية الإسلامية وعلى الاستقرار لهذه البلاد، وحقوق المواطنة، ومبدأ الحريات.

الموقف الشرعي (التأصيل الشرعي ):

إن التأصيل الشرعي لهذه المسألة بعيداً عن العواطف الجياشة هو ما يأتي:

1 — إن هذه الاساءات والاستهزاءات لا شك أنها محرمة بل إنها من الكبائر الموبقات المخرجة عن الدين بالنسبة للمسلم.

2 — إن هذه الاساءات لن تستطيع أن تنال من المقام المحمود للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد رفع الله ذكره فقال تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) و(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).

3 — إن مثل هذه الاساءات والاستهزاءات والسخرية ليست جديدة بل كانت موجودة وموجهة مباشرة إلى الرسول الحبيب صاحب الخلق العظيم، وكان يصبر، ويعرض عنها صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) حيث تدل الآية الكريمة على ثلاثة أمور أساسية هي بمثابة جواب شاف لكل العصور والأزمان في مثل هذه الحالات:

أ — ان الحل الأساسي الجذري لمشكلة الاساءات هو الصدع، والتعريف بالإسلام وحقيقته ومقاصده، وبأخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، وذلك لأن معظم هذه الاساءات تأتي بسبب الجهل بحقيقته الإسلام ورسوله العظيم.

ب — أن الدخول في الجدل العقيم لا ينفع، لذلك فالجواب عن هؤلاء السفهاء، أو الجاهلين هو الإعراض عنهم، وقد أكد القرآن الكريم ذلك وجعله من صفات عباد الرحمن فقال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) والمراد بالجاهل هنا: من يسب ويشتم.

ج — إن الله تعالى هو الذي يتعامل مع هؤلاء المستهزئين، ويكفي محمداً وأتباعه شرهم، حيث يجازيهم في الدنيا والآخرة بما يستحقون من العذاب الأليم فقال تعالى: (فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) وقال تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) وفي أكثر من آية.

بل إن هذه الاساءات والاستهزاءات قد نالها الأنبياء والمرسلون فقال تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) وقال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).

— إن غير المسلمين غير مكلفين بأداء الفروع عند جمهور العلماء المحققين لأنها لا تصح منهم، ولذلك كان توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يرسله إليهم أن يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى وبرسوله أولاً، ثم إنْ دخلوا الإسلام فيطالبون بالفروع ولا يطالبون بقضاء أي فرض سابق، وبناء على ذلك فإن واجب المسلمين هو دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الإيمان أولاً من خلال وسائل الاقناع والبينات.

— إن المسلمين في البلاد الأوروبية (أو نحوها) هم أقلية مستضعفة، وأن القوة والسلطة والقرار والقانون بأيدي الأكثرية، وأنهم دخلوا هذه البلاد إما للتعليم والدراسة، أو للارتزاق والاكتساب، أو أنهم كانوا مضطهدين في بلادهم، وهم جميعاً لما دخلوا بتأشيرة، أو أخذوا الاقامة، أو الجنسية، قد وقعوا ووافقوا على العقود والمواثيق الخاصة بالدولة التي آوتهم، لذلك يجب الالتزام بكل ما جاء فيها إلاّ ما خالف الشرع، وأن ما خالف الشرع لن يستطيعوا تغييره إلاّ بالحكمة التي تقتضي الأخذ بالأساليب المعتبرة من اللجوء إلى الشعب، أو المحاكم الداخلية أو الاتحادية.

— وفي جميع الأحوال فإن النصوص الشرعية القاطعة تدل على أنه لا يجوز للأقلية المسلمة إلاّ أن تقابل الفكر بالفكر، وأن تواجه التحديات بقوة المنطق والبراهين والسلوك الراقي الذي يقتضي التعامل بالأحسن في جميع الأحوال، وليس بمنطق السلاح والقوة، ولا يجوز التعامل في مثل هذه الأحوال بالقوة والقتل، وبالتالي فجميع الأعمال المسلحة أو المضرة، والمظاهرات التخريبية محرمة شرعاً على الأقلية المسلمة إزاء الاساءة.

واجب الأقلية المسلمة:

وإنما واجب الأقلية المسلمة هو ما يأتي:

1 — الاستفادة من الوسائل المتاحة في الغرب من اللجوء إلى المحاكم الاقليمية والدولية، والاتحاد الأوروبي لاصدار أحكام قضائية ضد من يثير الفتن، باعتبارها تضر بالأمن والسلم، وتمس مقدسات أمة بكاملها.

2 — اللجوء إلى المؤسسات والمنظمات الحقوقية، والانسانية والأهلية لوقوفها ضد الاساءة إلى المقدسات لأي دين من الأديان من خلال الوصول إلى ميثاق أو اتفاقية تقدم إلى الأمم المتحدة حول منع الازدراء بالأديان.

3 — التعبير عن عدم الرضا من خلال مظاهرات سلمية حضارية تظهر فيها سلوكيات المتظاهرين الحضارية.

4 — الصبر الجميل كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ما أصابه من الأذى.

5 — والهجر الجميل لما يقولون كما أمر الله تعالى فقال: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) والهجر الجميل هو ترك ما يقولون والصبر عليه دون إيذاء بالفعل، أو القول أو تجريح المشاعر للخصم، والتعامل معهم بحكمة مع إيمان يشع بالثقة بوعد الله تعالى، وأمل يبعث على العمل.

وقد سئل شيخ الإسلام بن تيمية عن الصبر الجميل، والهجر الجميل والصفح الجميل، فقال: (الهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل: صبر بلا شكوى إلى المخلوق)