أعلن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تشكيل لجنة مؤقتة تضم كل التيارات الإسلامية في مصر لمتابعة سبل التناصح والتعاون بين العاملين في الحقل الإسلامي برئاسة الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ود. حسن الشافعي نائب شيخ الأزهر باعتباره مرجعية علمية عامة لكل المسلمين غير منتمية لفصيل سياسي بعينه.
ودعا الدكتور محيي الدين القره داغي في البيان الختامي لمؤتمر “سمات الخطاب الإسلامي” الذي ألقاه مساء أمس بالقاهرة كافة التيارات الإسلامية إلى الاتفاق على ميثاق شرف يقوم على أساس الحرص على كل ما يحقق وحدة الدين ووحدة الأمة، وترك كل ما يؤدي إلى الاختلاف، والعهد مع الله في إقامة الإخلاص والعدل والالتزام بالموضوعية وعدم التجريح للمخالفين أفرادًا ومؤسسات.
وطالب التيارات الإسلامية بالحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي الوطني، والالتزام بالمنهج السلمي فكرًا وممارسةً، وتوحيد المواقف إزاء القضايا الكبرى والمصيرية للأمة وضرورة توعية الأعضاء والأتباع في كل جماعة بأدب الخلاف والتعامل مع الآخرين، وتجنب التراشق على مستوى الإعلام، أو الانجرار إلى معارك يفتعلها الآخرون ومراعاة الأولويات الشرعية في الخطاب والتطبيق.
وأوضح أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بصدد صياغة وثيقة “دستور” تمثل المبادئ والقيم الإسلامية في علاقة الراعي بالرعية ومعالم الحكم الرشيد.
وطالب المؤتمر الدول الإسلامية بإعادة النظر في اتفاقيتي “السيداو” و”حقوق الطفل”، موضحًا أن نظرة الإسلام للمرأة نظرة إنسانية سامية تقوم على أساس التوازن الكامل وتوزيع الأدوار بدقة بين ركني المجتمع “الرجل والمرأة”، حيث إن الإسلام قد سبق كل القوانين والنظم في منح المرأة كل حقوقها وفق هذا المنهج المتوازن.
كما طالب الدول والمجتمعات الإسلامية بتنقيح قوانين الأسر فيها من كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية والحفاظ على الأسرة، وتماسكها وحمايتها من التفكك، مؤكدًا ضرورة وجود “صندوق إسلامي” لتحقيق هذا الهدف وتبني ميثاقي الأسرة والطفل في الإسلام اللذين صدرا عن اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، لتأخذ طابعًا عالميًّا، وتتم ترجمتهما إلى اللغات العالمية ونشرهما.
ودعا إلى تنقية التراث ومراجعة بعض الخطابات المعاصرة التي تهضم حقوق المرأة الشرعية، مع مراعاة أن سلف الأمة كان لهم اجتهاداتهم وفق سياقاتهم الاجتماعية والتاريخية.
واكد د. القره داغي أن الإسلام يتضمن منظومة متكاملة من المبادئ والقواعد الكلية في تحقيق التعايش السلمي بين المسلمين، وغيرهم من خلال حقوق المواطنة بالكامل والحوار بالأحسن لأنهما الطريق الوحيد لإزالة الخلافات إن وجدت.
وشدد على أن وحدة المسلمين، وخاصة الحركات والجماعات الإسلامية هي الطريق الوحيد للانطلاق نحو الآخر والحوار معه حوارًا مجديًا ومحققًا النتائج المطلوبة، مؤكدًا أن وحدة المسلمين فريضة شرعية وضرورة واقعية، مستنكرًا كل محاولات نزع الوحدة، وإثارة الفتنة بين المسلمين.
ودعا إلى التفرقة بين ما يطلق عليه “حوار الأديان” الذي قد يحمل في طياته نوايا وأجندات استعمارية، وبين “حوار أهل الأديان” والذي يبحث عن أسس مشتركة للتعايش والتعاون والإقرار بالاختلافات القومية والعرقية والدينية كسنة من سنن الله في خلقه، والاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالفين.
وطالب بعدم تعميم الأحكام على الآخرين، وتعزيز سبل الحوار والتعايش معهم في حدود الحرية الدينية، والبعد عن الصراع والتناحر وتعميق فقه المواطنة في دوائر البحث الإسلامية على أساس أن “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”، وتطبيق المساواة في الحقوق والواجبات وفتح آفاق الحوار مع كافة الأطراف السياسية والوصول إلى قناعات مشتركة انطلاقًا من أرضية وطنية يتفق عليها الجميع.
وأكد أهمية التأصيل الشرعي للخطاب الدعوي الإسلامي، ومراعاة الأولويات فيه، ومدارسة سير الأئمة والسلف الصالح وتوظيف مستجدات التكنولوجيا المعاصرة في تطوير وسائل الاتصال الاجتماعي والجماهيري بأنماطها المختلفة.
وأوضح أن الإسلام دين شامل للحياة كلها بما فيها السياسة والاقتصاد، موضحًا أن هذا الشمول لا يعني منع العقل من أداء دوره الاجتهادي في مجالات النصوص الظنية، ومنطقة العفو الواسعة جدًّا، حيث يجمع الفقه الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة ويرحب بكل قديم صالح وبكل جديد نافع.
وأكد ضرورة تحديد المفاهيم والمصطلحات والضوابط في الخطاب الفقهي المعاصر خاصة فيما يتعلق بالفقه السياسي وقضايا الأقليات الإسلامية والتوسط في قضية التمذهب الفقهي بين من يغالي فيجعله واجبًا شرعيًّا، وبين من يهمله أو يرفضه، موضحًا أن القاعدة الفقهية والدعوية تقضي بأنه لا إنكار في المختلف فيه، ولا حكم بالبدعة لرأي قال به عالم ثبت.
وطالب بتوجيه الخطاب الإسلامي إلى قضايا التنمية المستدامة، وإعطاء الأولوية في مصر للقضايا الزراعية والصناعية، والحرص على التفوق التجاري وفي مجال التنمية البشرية، مؤكدًا أن الإسلام يتضمن منظومة متكاملة في مجال الاقتصاد والسياسة وغيرها، تحقق التنمية الشاملة والرقي والازدهار.
ودعا إلى الاهتمام بعلم مقاصد الشريعة، والبحث في أثره على القضايا الفقهية المعاصرة وضوابط إعماله في الاجتهاد الفقهي والأصولي والفكري وإبراز منظومة القيم الإسلامية في الفقه السياسي تدعيمًا لممارسة سياسية راشدة، تواكب تطلعات الجماهير وآمالها نحو حياة سياسية جديدة.
وحمل البيان الختامي توقيع كل من الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والدكتور نصر فريد واصل رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مصر ومفتي الديار المصرية الأسبق، والدكتور حسن الشافعي نائب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والشيخ راشد الغنوشي الأمين العام المساعد للاتحاد، والدكتور عصام البشير الأمين العام المساعد للاتحاد، وأمين المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، والدكتور محمد المختار محمد المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية، والدكتور علي شلبي نائبًا عن مفتي الديار المصرية.