الدوحة – جريدة العرب

الحلقة الثامنة

يرى الدكتور القره داغي أن الفرق بين التطرف والتمسك بالإسلام الوسطي الصحيح يحتاج إلى فهم أمور كثيرة منها: العناية القصوى بتوسيع دائرة الولاء والأخوة الإسلامية لتشمل جميع أهل القبلة مع السعي للتصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، والاهتمام بنشر ثقافة المحبة والقبول بالآخر، وثقافة الجمال والتحضر، ثانيا: الجانب العقابي من خلال العقوبات من الحدود والتعازير المرتبطة بما ينتج عن الانحراف الفكري من التطرف والإرهاب، فقد شرع الله تعالى عقوبتين خطيرتين لمن يدفعه الانحراف الفكري إلى الإرهاب والعنف ضد المجتمع والدولة، هما:

1- عقوبة الحرابة والفساد في الأرض:

لقد شرع الله تعالى لقطع دابر الفساد في الأرض، ولمنع الاعتداء على أمن المجتمع عقوبة تعد على الإطلاق أشد العقوبات إذ يقول تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

ودون الخوض في التفاصيل الفقهية فإن الفقهاء مجمعون على حرمة الحرابة والفساد في الأرض بل من الكبائر الموبقات، موجهة نحو المجتمع، وليست جريمة ذات طابع فردي، ولذلك ليس لأولياء المقتول الحق في عفو المحارب المفسد، وإنما الحق للدولة من قبل القدرة عليهم، ثم اختلفوا هل هذه العقوبات موزعة حسب نوعية الجريمة، فإن قتل فقط يقتل، وإن قتل وأخذ المال عنوة قتل وصلب، وإن أخذ المال قطع فقط، وإن قام بالتخويف والرعب سجن، أم أن الدولة مخيرة حسب المصالح في اختيار أي عقوبة ما دامت الحرابة قد تحققت.

فالحرابة مبناها على الرعب، والإرهاب، وأنها خروج مسلح، أو استعمال للقوة لإحداث الفوضى، وسفك الدماء، والإخلال بالأمن والأمان والقانون، والنظام العام، وأنها عادة تتحقق بخروج مسلحين يقطعون الطريق ويحدثون الفوضى، ويسفكون الدماء، ويهلكون الحرب والنسل ويعتدون على إحدى الكليات المقصودة في الإسلام من الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل والعرض، فقال تعالى في وصفهم: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ).

ويدخل في مفهوم الحرابة عصابات القتل، والخطف، والسطو على البيوت، أو البنوط، وخطف النساء للفجور بهنّ، واغتيال المسؤولين ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن وإتلاف الزرع وقتل المواشي والدواب، ومن يقوم بالتفجيرات بين المدنيين ونحوها من الجرائم التي تحدث الفزع داخل المجتمع.

2- عقوبة الاعتداء على الدولة وأمنها:

هذه العقوبة تسمى في الشريعة بحد البغاة، وهم الذين يخرجون عن الإمام (الدولة الشرعية) خروجاً مسلحاً بتأويل، جاء في بدائع الصنائع: (فالبغاة هم الخوارج، وهم قوم من رأيهم أن كل ذنب كفر، يخرجون على إمام أهل العدل، ويستحلون القتال والدماء والأموال بهذا التأويل، ولهم مَنعة وقوة).

ولكن الراجح هو أن الغلاة أعم من الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وسبي نسائهم، ويكفرون علياً وأصحابه وعثمان وطلحة والزبير، أما البغاة فهم الخارجون خروجاً مسلحاً ضد الدولة بتأويل، مطلقاً، ولذلك قال ابن عابدين: (الظاهر… أن البغاة أعم) وعلى عمومهم جمهور الفقهاء، قال ابن قدامة: (وجملة الأمر أن من اتفق عليه المسلمون وعلى إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته، وأن من خرج عليه يعتبر باغياً وجب قتاله).

والخلاصة: أن هؤلاء البغاة الذين خرجوا على الدولة الشرعية بتأويل يجب بذل كل الجهود لتحقيق المصالحة العادلة، والسعي لاستجابة مطالبهم المشروعة فإن أبَوا ذلك، أو قاموا بأعمال إرهابية وجب قتالهم بالإجماع قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).;