قدم الشيخ القره داغي بحثا بعنوان (حكـم إجـراء العقـود بآلات الاتصـال الحـديثة) في ندوة (الفقه الإسلامي في عالم متغير) في سلطنة عمان يوم السبت الماضي بفندق جراند حياة وبحضور معالي الدكتور عبدالله بن محمد السعيد وزير الشؤون الاجتماعية وبحضور عدد من أصحاب المعالي والسعادة والعلماء والمشايخ. وخلص فيه إلى أن الهاتف ينقل كلام المتعاقدين بدقة، ولا يختلف العقد به إلا من حيث البعد المكاني، وعدم رؤية أحدهما الآخر.
أما عدم الرؤية بين العاقدين فلا يترتب عليه حكم في باب العقود، سوى احتمال التزوير، وتقليد الصوت، ولذلك يقبل كلام من ادعى ذلك، ولكنه يقع عليه عبء الإثبات، وذلك لأن القاعدة الأساسية في العقود، هي : صدور ما يدل على التراضي من الطرفين بصورة واضحة مفهومة، وأن المرجع في ذلك هو العرف كما تدل على ذلك نصوص الفقهاء .
وأما البعد المكاني بين المتعاقدين ـ بالتليفون فتترتب عليه المسائل الخاصة بمجلس التعاقد.
وقد ناقش البحث هذا الموضوع باستفاضة، وآثار ما ذكره الفقهاء واختلفوا فيه من خيار الرجوع، وخيار القبول، وخيار المجلس، وقد رجحنا بهذا الخصوص رأي الجمهور من حيث إن المتحدث بالتليفون الموجب له الحق في الرجوع عن إيجاب قبل قبول الآخر، وأن الموجه إليه لا يشترط عليه أن يسارع إلى القبول فور سماعه، بل له الحق ما داما يتحدثان حول موضوع العقد، ولم يعرضا عنه أو لم يقطعا المحادثة، فإذا قبل فقد تم العقد.
وقد رجحنا قول القائلين بخيار المجلس، لكننا قدرنا المجلس بفترة المحادثة وعدم انقطاع الخط مهما طالت، فإذا قبل الآخر، فقد انعقد العقد، لكنه لكل واحد منهما حق الخيار ما داما لا يزالان يتحدثان، ولم يقطعا المحادثة فإذا أنهيا المحادثة وأغلقا الهاتف فقد انتهى المجلس ولزم العقد، لأنهما في الواقع متفرقان بأبدانهما، ولا وصال بينهما سوى المحادثة، فإذا انتهت انتهى المجلس حقيقة وحكماً، وقد وجدنا لذلك تأصيلاً فقهياً ونصوصاً مساعدة.
وأما التعاقد باللاسلكي، فهو إذا كان مما ينقل الكلام الواضح إلى الآخر فهو مثل الهاتف في جميع الأحكام التي ذكرناها، وكذلك إذا كان ينقل الكلام عن طريق الشفرات الواضحة المفهومة المسموعة للطرفين، حيث يتم العقد إذا فهما الإيجاب والقبول بوضوح.
أما أنه لو نقل الشفرات على شريط مكتوب فرضاً فإنه حينئذ يكون حكمه حكم البرقية ما دامت واضحة مفهومة.
وكذلك يمكن إجراء العقود من خلال الإذاعة، أو التلفزيون، ولاسيما في الإيجابات العامة الموجهة لجمهور كالجعالة (والوعد بالجائزة) وقد عثرنا على نصوص فقهية تؤصل هذه المسألة. لكن الجعالة تحتاج إلى القابل في الأخير.