حوار : أبو بكر الحسن

لايجوز محاكمة الإنسان على فكره و تعاطفه مع الضعفاء والمظلومين

مارأيناه في وسائل التواصل من تداعيات للأزمة تجاوز كل الحدود الشرعية

يفترض على السعودية الشقيقة الكبرى التصدي للخلافات لا أن تكون طرفاً فيها

نصيحتي للشعب القطري : الوحدة والتماسك وتقوية الجبهة الداخلية فقضيتهم عادلة

بعض الشعراء والإعلاميين والفنانين الخليجيين وقعوا في الفجور

الأزمة الخليجية أضرت بشعوب المنطقة وبسمعة بلدانها

الحوار وصفاء القلوب .. هما المخرج من الأزمة الحالية

 

أفتى فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعدم جواز محاصرة شعب مسلم في كل الظروف والأحوال، مؤكداً أن ما يجمع الخليجيين أكثر مما يفرقهم من وحدة الدين وصلة القربى والدم ، كما أفتى بعدم جواز محاكمة خليجيين لمجرد تعاطفهم مع القطريين لأن الأصل في الإسلام الحرية حتى في الكفر .

وقال فضيلته في حوار شامل مع "الشرق" إن حكومة قطر تعاملت مع الإخوان حينما كانوا في حكم مصر كحكومة شرعية منتخبة ، وبرر وقوف قطر مع إخوان مصر بأنه مجرد استجارة وهى معروفة لدى العرب ، بينما أشار إلى اعتبار حماس منظمة إرهابية سقطة من سقطات الدول الأربع المقاطعة لقطر . وأكد فضيلته أن معاقبة قطر تتم بسبب عدم رضاء بعض الدول عن مواقفها من ثورات الشعوب العربية ، فهذه هي الإشكالية الكبرى التي أججت الخلافات وأدت للقطيعة ولاشيء آخر . وتطرق فضيلته إلى المظاهرالسالبة في الفضائيات أو الإعلام الجديد ، للنيل من الخصوم ، كما تحدث عن انعكاسات الأزمة الخليجية السلبية على العمل الخيري، وعلى الدعوة الإسلامية فضلا عن الإضرار بسمعة الإسلام عالمياً . وفيما يلي نص الحوار ..

 

الحصار .. غير جائز شرعاً

ما الحكم الشرعي للإجراءات التي اتخذتها الدول الأربع ضد قطر ، ومن بينها إغلاق الحدود البرية والمجال الجوى وطرد الرعايا القطريين ، وتشتيت الأسر من خلال استدعاء مواطني هذه الدول من قطر ؟

هذا العمل من الناحية الشرعية غير جائز شرعا ، في كل الظروف والأحوال ، وقد ترتب عليه الوقوع في الكبائر ، مثل قطيعة الأرحام ، والله سبحانه وتعالى يقول : " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ " فهذه عقوبة لا يوجد مثلها في القرآن الكريم إلا نادرا ، وترتب على الإجراءات التي اتخذتها الدول المحاصرة ، قطيعة الرحم ، هذه الجريمة البشعة في حق الإنسانية وفى حق القرابة ، أيضا ترتب على القطيعة والحصار معصية أخرى ألا وهى طرد القطريين من داخل المملكة السعودية وإعطائهم مهلة 14 يوما للمغادرة في رمضان ، فكيف يطرد مسلم من الحرمين الشريفين التي هي أرض للمسلمين جميعا ، فهذا الإجراء غير مقبول في نظر الإسلام ، الأمر الثالث الذي ترتب على هذه المسألة طرد الحيوانات والحلال ، للأسف الشديد طردت هذه الحيوانات وتأذت . وفى الحقيقة أن الحصار على قطر أدى إلى التضييق على الجوانب الاقتصادية وزيادة ساعات الطيران بسبب الحظر الجوى ، مما سبب الضرر للناس، والإسلام حرم الضرر فقال : " لاضرر ولاضرار " ولذلك فنحن نطالبهم بالعودة إلى الحق والتصالح ، خصوصا أن ما يجمع دول الخليج أكثر مما يفرقهم فيجمعهم الدين وصلة القربى والجوار وتشابه نظام الحكم، وإذا كانت هناك مشاكل لابد من الجلوس لحلها بالحوار لاسيما أن السعودية تعتبر الشقيقة الكبرى لكل دول مجلس التعاون الخليجي فالمفروض أن تتصدى لحل مثل هذه الخلافات بدلا من أن تكون طرفا فيها.

 

لا يجوز منع التعاطف

قيام بعض دول الحصار بتجريم التعاطف مع قطر ، ومحاكمة رعاياها الذين ينشرون عبارات تعاطف في وسائل التواصل الاجتماعي بالسجن والغرامة ، هل مثل هذه الأحكام تجوز شرعاً ؟

** هذه الأحكام غير جائزة شرعا ، الأصل في الإسلام الحرية حتى في الكفر " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ "، " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ "، ولا يجوز منع التعاطف لأن هذا أمر يأتي من عند الله سبحانه وتعالى ، ويأتي من طبيعة الإنسان ، كأن يتعاطف المرء مع قريبه أو مع الضعفاء ، والتعاطف مع المظلومين أمر مطلوب شرعا وليس جائزا فقط.

ونحن نستغرب اعتقال الكثير من العلماء والدعاة ، لأنه لا يجوز محاكمة الإنسان على فكره ، أو تعاطفه ، كما لا يجوز محاكمة الإنسان على دعائه ، أو صمته ، هذه الأمور متفق عليها إسلامياً ودولياً ، وبصراحة فان الخصومة الشديدة ليست من الإسلام ، ورسولنا الكريم جعل الفجور في الخصومة من علامات النفاق الأربع وهى : " إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر " ، وهذا الفجور وقع فيه بعض الإعلاميين وبعض الفنانين ، وتجاوزوا كل الحدود ، حتى فاقوا فجور الجاهليين في الخصومة .

 

الإخوان المسلمون مستجيرون

تضمنت مطالب دول الحصار طرد الإخوان المسلمين من قطر باعتبارهم إرهابيين ، هل هناك ضوابط شرعية لاتهام شخص أو جماعة ما بالإرهاب ؟؟ وهل الإرهاب رديف للكفر ؟؟

الاستجارة عرف عربي منذ الجاهلية ، وقبول الاستجارة حتى من الظالم أمر معروف في تاريخ العرب ، الإخوان المسلمون حركة عالمية فكرية معروفة ، لم تستطع أميركا ولا الغرب أن تثبت أن الإخوان المسلمين إرهابيون ، وبالنسبة لقطر هؤلاء مستجيرون ، ومعروف أن الإخوان كانوا منتخبين من الشعب المصري ، ونالوا أغلبية أصوات الشعب المصري ، فهل أغلبية الشعب المصري هم إرهابيون ؟ لأنهم أيدوا وانتخبوا الإخوان ؟ وللحقيقة فان قطر حينما دعمت مصر دعمت حكومة منتخبة من الشعب وبالتالي فان هدفها دعم الشعب المصري وليس الإخوان . والحقيقة أن معاقبة قطر تتم بسبب عدم رضاء بعض الدول عن مواقفها من ثورات الشعوب العربية ، فهذه هي الإشكالية الكبرى التي أججت الخلافات وأدت للقطيعة ولا شئ آخر.

 

" حماس " مقاومة شرعية

كيف تنظرون إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي يصنفها الغرب وبعض دول المنطقة ضمن المنظمات الإرهابية ؟

أغرب شيئ حدث في هذه القطيعة أن دول الحصار والمقاطعة الأربع اعتبرت حماس إرهابية ، وحماس قانونيا – حتى لو صنفتها دول إرهابية – هي مقاومة شرعية هي والجهاد وبقية الفصائل ضد الاحتلال وهى مقبولة في قوانين الأمم المتحدة والعالم أجمع ، فدعوى أن حماس إرهابية غير صحيحة، وفى اعتقادي أن وصف المقاومة بالإرهاب مؤذٍ لعالمنا العربي والإسلامي ولكل المقاومة الشريفة ، فإذا كنا نرفض المقاومة ونصفها بالإرهاب فكيف سنحرر القدس الشريف والأراضي الفلسطينية المحتلة .؟ فالادعاءات التي ترمى حماس بالإرهاب لم تكن موفقة وما كان لها أن تصدر عن الدول الأربع، والمملكة بوجه خاص نظرا لمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية.

 

منعت السعودية تفويج الحجاج القطريين عن طريق الخطوط القطرية ، وعند مطالبة الدوحة باستثناء الحجاج من الحصار الجوى اعتبرت المملكة هذه الدعوة بمثابة تسييس للحج ، ماتعليقكم على تهمة " تسييس الحج " وهل يوجد مثيل لهذه الدعوى على امتداد التاريخ الإسلامي ؟

على امتداد تاريخنا الإسلامي ، فان الحج كان متاحا لجميع أهل القبلة دون استثناء ، ومنع الحج في فترة سيطرت القرامطة على الحجاز وماعدا ذلك لم يحدث منع للحج في تاريخنا الإسلامي . ونحن استغربنا حقيقة منع الخطوط القطرية من تفويج الحجاج القطريين ، صحيح أن المملكة عرضت إرسال طائرات لتفويج الحجاج القطريين ، والقيام بهذا الواجب لكن في ظل القطيعة القائمة هذا الأمر لم يكن مقبولا ، وكان المفروض أن تتاح الفرصة للقطريين برا أو بحرا أو جوا ، وتترك لهم حرية اختيار الناقل الذي يريدونه سواء الخطوط السعودية أو القطرية أو أي وسيلة نقل أخرى ، مثل بقية السنوات الماضية ، كان المفروض شرعا وعرفا وتاريخيا ومسؤولية على المملكة إتاحة فرصة الاختيار لإخوانهم القطريين لكن للأسف الشديد هذا لم يحدث لذلك فان هذا الأمر غير مقبول شرعا.

 

حروب جاهلية

أفرزت الأزمة الخليجية الراهنة الكثير من المظاهر السالبة في الفضائيات أو الإعلام الجديد ، والبعض خاض في الأعراض وفى الشتم للنيل من الخصوم ، كيف تنظر إلى مثل هذه الظواهر الدخيلة على المجتمعات المسلمة ؟ ماهو الحكم الشرعي لمن اجترح شيئا من هذه الآثام ؟

كتبت عن هذه الظاهرة وقلت إن هذه الأشياء ذكرتنا بأيام الجاهلية وحروبها ، وذكرتنا بسوق عكاظ حيث كان يتبارى الشعراء وكل واحد منهم ينتقص من قبيلة الآخر وأدى ذلك إلى إضعاف وتمزيق العرب ، بصراحة ما رأيناه في وسائل التواصل الاجتماعي من تداعيات الأزمة الخليجية تجاوز كل الحدود الشرعية والاجتماعية والقبلية ، ما تركوا شيئا ، ولا أدرى ماذا يريد هؤلاء ؟ وبوجه عام فان من يستخدم وسائل التواصل هذه يتحمل وزر إساءته، فالكلمة مسؤولية والشعر مسؤولية يقول الله تعالى " وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ " ويقول جل من قائل : " وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ " فآثار فعلهم وتصرفاتهم خطيرة على نفسية الشعوب ، فاتقوا الله في الرحم أيها الساسة ، وأيها الإعلاميون.

 

العمل الخيري

أطراف في الأزمة الخليجية كالوا الاتهامات والتصنيفات لشخصيات علمية ومؤسسات خيرية دون بينة أو برهان ، كيف تنظرون إلى تأثير ذلك على العمل الخيري والدعوى على المستويين الإقليمي والعالمي؟

** استغربنا أن تتهم جمعية قطر الخيرية بهذه التهم الشنيعة ولها أكثر من 100 ألف يتيم حول العالم ترعاهم رعاية كاملة ، كذلك مؤسستا عيد الخيرية و"راف" فلهما قريب من أعداد الأيتام الذين ترعاهم جمعية قطر ، فضلا عن المشروعات الخيرية الأخرى ، وبالتأكيد فان التضييق على هذه المؤسسات الخيرية مسؤولية كبيرة ، ويوم القيامة فان هؤلاء الفقراء والأيتام الذين يستفيدون من بر هذه المؤسسات الخيرية سوف يكونون خصما لكل من تسبب في التضييق على المؤسسات الخيرية . وبالتأكيد فان مثل هذه الدعاوى أثرت على مؤسسات العمل الخيري القطرية ، ولن تستطيع القيام بدورها كما في السابق ، فبعضها أغلق أبوابه والبعض الآخر قلص نشاطه واكتفى بالعمل في الداخل .

 

الأزمة أضرت بسمعة الإسلام

ألا تعتقدون أن الأزمة الخليجية وما أفرزته من قطيعة واتهامات متبادلة بدعم الإرهاب يمكن أن تضر بسمعة الإسلام عالميا؟

** أضرت بسمعة الإسلام والعرب ومنطقة الخليج بوجه خاص ، وقد سمعنا من بعض السياسيين والمفكرين من غير العالم الإسلامي تخوف وعدم ثقة في التعامل مع العرب مستقبلا، لما رأوا من خصوماتهم ، وهذه الأزمة أضرت كثيرا بشعوب المنطقة وبسمعة بلدانها وليس هناك رابح في هذه الأزمة والجميع خاسرون .

 

هل يزعج فضيلتك الزج بكم في أتون هذه الأزمة ، حيث تتعمد بعض فضائيات دول الحصار نشر صور لكم ولفضيلة الشيخ القرضاوي ضمن تقارير تتحدث عن الإرهاب ورموزه ؟

بالتأكيد يزعجنا هذا الأمر ولكن نفوض أمرنا لله سبحانه وتعالى ، إنني لم أصدر تصريحاتي وفتاواي إلا بناء على أن هذا يمثل الحق وسأظل مع الحق مهما كان ، ونحن ماضون على العهد لأننا نسير مع الحق إن شاء الله أينما كان ، ونسير مع المنهج الوسطى والاعتدال وكل عمرنا صرفناه ونصرفه في خدمة الإسلام العدل الوسطى الذي أراده الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة ولا يهمنا ماعدا ذلك مادام الله سبحانه وتعالى راض عنا.

 

صفاء القلوب هو المخرج

أخيراً ، ما المخرج في نظركم من هذه الفتن التي تحيط بالعالم الإسلامي ؟

 

المخرج هو صفاء القلوب ، نحن مشكلتنا بصراحة عدم صفاء القلوب ، وأننا نسمع لغيرنا ، ولا نعود لشعوبنا ، والمشاورة معدومة بين الساسة والعلماء ، فالأمة مفككة ، ومن يرتبط بالرسميين من العلماء في معظم الأحيان يميلون مع الحكام يمينا ويسارا وشرقا وغربا وهذا غير صحيح ، فواجب العلماء النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وللأسف فان بعض العلماء جعلوا الدين لعبة في سبيل إرضاء الحكام وهذا لايجوز ، ونصيحتي إلى الشعب القطري الأصيل المزيد من الوحدة والتلاحم والتماسك وتقوية الجبهة الداخلية (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ، وسد الطريق على كل من تسول له نفسه اختراق هذه الوحدة من خلال الإيمان بأن قضيتهم عادلة، وأن الآخرين يريدون الظلم والمساس بسيادة هذا البلد العزيز، والتوعية بوجوب الحفاظ على الأمانات والوفاء بالعقود والوفاء لذوى الفضل، وقطع دابر الشيطان ووساوسه، وأنا متفائل ومتيقن بأن الحق ينتصر وأن الظلم يندحر والخيانة ستنهار.