عمرو الاشموني –  النهار الكويتية
   
تتنافس العديد من الدول على اخذ موقع الاسبقية لها في احتلال مكانة مركز المالية والصيرفة الاسلامية في العالم، ايماناً بالدور المهم والمستقبل الزاخر الي ينتظر هذا القطاع الاستثماري الناشئ والذي بدأ فترة تحوله الكبرى عقب تفاقم الازمة المالية العالمية وما احدثته من خسائر لاقتصاديات الدول المتقدمة.

واتفق الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أ. د. علي محيي الدين القره داغي، على ان مستقبل الصيرفة المتفقة مع الشريعة الاسلامية مشرق، لما يحمله من مميزات ستجعله خلال العقد المقبل الأكثر انتشاراً بين اسواق العالم اجمع سواء على المستويين الاقليمي او العالمي.

وفي هذا الصدد قال لـ «النهار» ان توجه العالم الغربي غير الاسلامي الى الصيرفة الاسلامية يعود الى تداعيات الازمة المالية العالمية ما تسبب في تغيير الالية الاقتصادية والمالي منذ 2008، مضيفاً ان المحللين الاقتصاديين أجمعوا على ان سبب الازمة يعود الى طبيعة النظام الرأسمالي من خلال الاختيارات والتوسع في دائرة بيع الديون والائتمان وعدم الاعتماد على الاقتصاد العيني، ما دفع المفكرين الى الاجتهاد في البحث عن سبل المعالجة.

وكان الخيار الافضل في الاقتصاد الاسلامي الذي لا يقوم على الائتمان بل على الاقتصاد العيني، والجانب المشجع في ذلك ان البنوك الاسلامية لم تتأثر بشكل ملحوظ من الازمة ما أضاف ميزة تفضيلية، لاسيما وان العقلية الاجنبية قائمة على الديموقراطية حتى في الاقتصاد وتدعو الى التعدد، على عكس النظام الشيوعي الذي لا يقبل بالرأي الاخر.

وأشار الى ان الصيرفة الاسلامية مجال خصب للاستفادة منها، خصوصاً في ظل توافر السيولة في العالم العربي والخليج، ما يشجع المستثمر على ان يحاول الاستحواذ على نصيب من الكعكة، ولكن المشكلة اصبحت الان ان تلك السيولة هاجرت الى الخارج.

وبسؤاله في سبب هجرة اموال الصيرفة الاسلامية الى اوروبا، قال : «نلوم انفسنا على عدم قدرتنا استثمار السيولة المحلية داخل وطننا العربي، فأصبحت الاموال تهاجر كما تهاجر العقول العربية، وهو امر طبيعي تدعمة توجهات وسياسات الدول التي تستثمر 90 % من صناديقها السيادية في الدول الاجنبية».

وأكد ان العالم الغربي نجح في استثمار الاوضاع السياسية المتردية في المنطقة شرق الاوسطية لجذب الاقتصاد، وليس لديه مانع من خلق المشاكل في بلداننا لتهاجر اموالنا اليهم. مشدداً على ان السبب في هجرة الاموال ليس لقدرتهم على تطبيق الشريعة في البنوك الغربية أكثر من الدول العربية، بل لوجود الاطمئنان والامان والاستقرار السياسي والاجتماعي في الغرب، كما ان تلك الدول تتمتع بسلسلة كبيرة من اللوائح لتنظيم المال بخبرة لاكثر من 400 سنة، كما ان هناك بنية تحتية لحماية الاموال. وكما قال المثل فان «مغنية الحي لا تطرب».

المعسرين

ومن ناحية أخرى، وفيما يتعلق بالمديونيات التي تتعرض لها الشركات وكيفية مساهمة القطاع الصيرفي الاسلامي فيها، قال إن ترابط المديونيات بوصفها عقبة أمام انظار المعسرين هي مشكلة حقيقية لا يمكن حلها إلاّ على مستوى بلد بأكمله ومن قبل السلطات النقدية والتنفيذية التي تستطيع أن تفرض الانظار على الجميع، كما تستطيع اللجوء لخيارات أخرى.

وأشار الى إن الدولة تتحمل المسؤولية في هذا الشأن وإن كانت الشركات من القطاع الخاص، ولذلك يجب عليها التحرك لحماية هذه الشركات من الانهيار او الافلاس، أو الاضعاف من البداية بالرقابة والتشريعات، وفي النهاية بالدعم والمعونات، لأن آثار انهيارها ستكون على الجميع، على الدولة، والاقتصاد، والأفراد، وقد رأينا كيف تدخلت الحكومة الأميركية في شأن الشركات وحمتْ الشركات المؤثرة عن الإفلاس مثل شركة جنرال موترز مع أن النظام الرأسمالي يجعل الدولة بعيدة عن التدخل، حتى ان أميركا ضخت مئات المليارات من الدولارات في هذه الشركات في البنوك والبورصات حتى لا تنهار.

لذلك أرى أن يكون للدولة دور إيجابي في حماية الشركات والبنوك التي لها تأثير على الاقتصاد والمجتمع. ويدل على ذلك ما شرع من تحصيص مصرف مستقل للغارمين ضمن المصارف الثمانية للزكاة، وهم المدينون الذين لا يقدرون على أداء ديونهم، وبالاضافة إلى ذلك فإن الدولة الاسلامية تقع على عاتقها مسؤولية الديون ما دامت قادرة على أدائها، حيث لن تترك المدينين المعذورين غير القادرين دون رعاية وعناية ما دام بيت المال قادرا على ذلك، وفيه من أموال الفيئ ونحوه.