الدكتور القره داغي:

 في فتاويه حول الانتخابات، يجب على المسلمين المشاركة في الانتخابات الحرة النزيهة.

صوت المسلم شهادة وأمانة يجب أن يُعطى لمن يستحقه ديناً وخلقاً وخدمة للشعب.

يجب اختيار من هو أهل للولاية، ويحمل مشروعاً ناجحاً لخدمة شعبه وأمته، ولا يجوز اختيار من ليس أهلاً لحمل الأمانة.

منح الصوت لمن ليس أهلاً للولاية خيانة وتضييع للحقوق.

هذه خلاصة آراء فضيلة العلامة الدكتور: علي القره داغي في جميع الانتخابات.

أولاً: أن موقف الإسلام من الانتخابات كالآتي:

  1. الانتخابات هي وسيلة من وسائل التعبير عن آراء الأمة، أو الشعب حول القضايا السياسية، وهي وسيلة معتبرة بغاياتها ونتائجها، وبالتالي فحكمها معتبر بمآلاتها، فوسيلة الواجب واجبة ووسيلة الحرام محرمة.

وقد صرح علماؤنا أن الوسائل تأخذ حكم غاياتها من حيث المبدأ.

واليوم أصبحت الانتخابات وسيلة لاختيار رئيس، أو أعضاء برلمان.

  1. وبما أن اختيار الشخص الصالح مطلوب شرعاً فإن المشاركة في اختياره واجب أيضاً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهناك أدلة أخرى على ذلك.
  2. وبالإضافة إلى ذلك فإن صوت المسلم أمانة وشهادة، لذلك لا يجوز كتمانه وحجبه، لقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[1].
  3. وبما أن صوت المسلم أمانة فيجب أن يُعطى لمن يستحقه، وأنه أهل لهذا المنصب، لذلك يجب أن يعطى للمسلم الملتزم بالأخلاق الخادم لشعبه ووطنه البعيد عن الظلم والفساد والفسق والفجور، وإلا يكون صاحبه آثماً؛ لأنه يتعاون على توصيل من ليس أهلاً للولاية إلى الولاية، وهذه خيانة حسب قول الرسول صلى الله عليه وسلم، في بيان علامات الساعة، واضطراب الأمور:" إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ"[2]، ولذلك يجب شرعاً اختيار الشخص المؤهل لأداء الأمانة المنوط بها، إن كانت رئاسة الدولة فيجب اختيار القوي الأمين المخلص المتخصص، صاحب الخبرة أو العلم، ولا يجوز  اختيار الشخص الفاسد الظالم الفاسق، الطامع، ولا اختيار الشخص الضعيف حتى ولو كان متديناً، فالأمر كما قال سيدنا يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[3] ، فقوله:" حفيظ" يراد به الأمانة والإخلاص، والعدالة والمساواة، وعدم التفريط في الحقوق والواجبات، وقدرة الحفاظ على متطلبات الولاية، وعلى أموال الشعب بمنتهى الشفافية، وقوله" عليم" يراد به العلم الشامل بالموضوع والخبرة، أو الاستعانة بأهل التخصص في جميع مجالاته، بحيث يكون قادراً على النهوض بأعباء الولاية.

فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم، لأبي ذر الغفاري عندما طلب الولاية:" يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا"[4]، مع أن أبا ذر كان من خيار الصحابة وكبارهم.

  1. وبما أن صوت المسلم في الانتخابات شهادة فيجب توافر شروطها من العلم بصلاحية الشخص لتلك الولاية المطلوبة، وبالتالي يجب ما يأتي:
  • علم الناخب بالشخص المنتخب من حيث دينه، وأخلاقه، وأعماله، وصلاحيته لتلك الولاية، وابتعاده عن الفساد المالي والإداري، والظلم والطغيان والاستبداد، حيث ورد في الحديث" إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ"[5].
  • أن الشهادة يجب أن تؤدى، قال تعالى: { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[6]، وهذا يدل على أن الإدلاء بالصوت لمن يستحقه وقت الحاجة واجب شرعي؛ لأنه إذا لم يعط له من الأصوات ما ينجح به لفاز غيره من أهل الفساد والظلم والفجور، ومن المعلوم أن الإدلاء بالأصوات لمن يستحقها من المصلحين النافعين هو من باب التعاون على البر والتقوى، وهذا واجب شرعي، وكذلك فإن إعطاء الصوت للفاسدين هو تعاون على الإثم والعدوان، وهو محرم بالإجماع؛ لقوه تعالى:{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[7].

ومن جانب آخر فإن فتح أبواب الخير، والمساهمة في توصيل أهل الصلاح والعدل والرشاد إلى الولايات واجب شرعي تضافرت عليه أدلة شرعية كثيرة.

وبالمقابل فإن سدَّ الذرائع إلى الفساد وغلق أبواب الشرور، ومنع الوسائل المؤدية إلى الظلم والطغيان من أهم الواجبات الإسلامية لأدلة كثيرة.

ثانياً: ولكن إذا كانت الانتخابات غير نزيهة، وفيها التزوير، فحينئذ يجب فضح المزورين، كما أنه يجوز الامتناع عن التصويت، بل إن الامتناع الجماعي عن التصويت ـــ إن أمكن ـــ واجب شرعي.

ثالثاً: وبناءً على ما سبق، فإن اختيار من هو أهل لحمل الأمانة في الولاية واجب شرعي، وواجب وطني، حتى ولو اختلف معه في بعض الأمور، فالعبرة بالمصالح الكلية العامة الشاملة، ولا يجوز شرعاً اختيار من ليس أهلاً للولاية؛ سواء كانت ولاية عامة أو خاصة؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان، وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع.

وفي هذا المجال يطبق أيضاً فقه الموازنات، ورعاية درجات المصالح والمفاسد، حيث يتحمل الضرر الأخف لدرء الضرر

الأكبر، ويتبقى ما فيه مصلحة كبرى، حتى ولو وجدت فيه مفسدة صغرى.

وفق الله تعالى شعوبنا المسلمة إلى اختيار الأصلح الأنفع المخلص الحافظ الأمين، فالأمة تحيا وتنهض وتتطور وتتقدم بالقيادة الناجحة الرائدة، وتنهار وتتخلف وتتمزق وتضعف بالقيادة الفاسدة.

هذا والله أعلم

                                                                                                                                        كتبه الفقير إلى ربه

                                                                                                                                            أ.د. علي محيي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 


[1] سورة البقرة، الآية 283

[2] رواه البخاري في صحيحه برقم 59

[3] سورة يوسف، الآية 55

[4] رواه مسلم في صحيحه برقم 1825

[5] رواه الحاكم وصححه في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية، وابن عدي، والبيهقي، والحديث وإن كان فيه مقال لكن معناه صحيح، حيث هو داخل في قوله تعالى:{ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، سورة الزخرف، الآية 86، حيث اشترط شرطين: أن تكون الشهادة بالحق وليست بالباطل، وأن تكون قائمة على العلم الظاهر.

[6] سورة البقرة، الآية 283

[7] سورة المائدة، الآية 2