استنكر فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشدة ما يتعرّض له السوريون من قتل وذل على مرأى ومسمع من العالم، مطالبًا الدول العربية والإسلامية بمساندة الشعب السوري وإمداده بالغذاء تفعيلاً لمبادئ الأخوة الإسلامية التي توجب على المسلم نصرة أخيه ضد الباغي عليه.
وقال خلال خطبته للجمعة أمس: إذا طبقنا مبدأ عظيمًا أو جزئية من إسلامنا العظيم، وهو مبدأ الأخوة الإيمانية “إنما المؤمنون إخوة”، التي أكّدها القرآن وطبقتها السنة النبوية الشريفة من خلال مؤاخاة المهاجرين والأنصار حيث لم تكن التربية على منهاج السنة النبوية تستغرق وقتًا طويلاً، فقد أرسل مصعب بن عمير وبعض الصحابة بسنة أو سنتين قبل الهجرة فقام بتهيئة الأجواء وغيّر النفوس من الأنانية والجاهلية والعصبية إلى الأخوة الإيمانية فيكون بلال الحبشي رأسًا من الرؤوس وصهيب الرومي رأسًا من الرؤوس ثم يتآخى الجميع، الأنصار مع المهاجرين ويريد الأنصاري أن يقدّم كل ما عنده لأخيه المهاجر “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”.
وأضاف: نستحضر هذه الصورة الجميلة العظيمة إلى واقعنا الحالي، حتى يعلم الناس كيف كان المسلمون جسدًا واحدًا، وكيف كان شكل المؤاخاة الإيمانية بينهم، والله يعلم أن قلوبنا تتقطع حينما نرى جميعًا ما يحدث في سوريا، فسوريا أهل الكرم والفضل ونفوسهم طيّبة، هؤلاء الآن مشردون ولا يجدون مأوى، ويطاردهم الشبيحة والقوات، ونرى في وسائل الإعلام كيف تتم عمليات التعذيب والقتل، أفلا يرى المسلمون والحكام هذه الصور حتى يندفعوا دفعة واحدة لنجدة هذا الشعب؟ وأين دورنا؟ وأين الأخوة؟ أين “ويؤثرون على أنفسهم”؟
وتابع: سوريا تحتاج اليوم إلى إغاثتنا وإلى أموالنا ومواردنا، ويحتاج هؤلاء المقهورون والمجاهدون إلى دعائنا وتضرعاتنا، ويحتاجون إلى أن نحسّ بمأساتهم، وأخاف أن يحاسبنا الله على تقصيرنا مهما فعلنا، فحتى الآن لم نفعل الكثير.
وتساءل الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: أمعقول مع كثرة مواردنا وهناك شعب جائع يذلّ في المخيمات؟ ألا ينبغي علينا أن نتجاوز الزكوات من الأموال؟ ألا يجب أن يتجاوز عطاؤنا ذلك وأن نؤثر بأكثر من نصف وثلث وعشر وجزء من أموالنا؟
وانتقل فضيلته إلى قضيتي فلسطين والعراق فقال: ما يحاوله العدو الصهيوني من القضاء والسيطرة على معظم أراضي القدس الشريف والضفة والعالم غافل، وما يحدث في عراقنا الحبيب من قبل المطالبين بحقوقهم ممن لا يريدون أكثر من العدل والمساواة.
وتعليقًا على ما يحدث في مصرتساءل فضيلته: كيف يُضيّق على مصر حتى تدفع إلى القرض من صندوق النقد، ولا يساندها في محنتها سوى قطر وتركيا؟
وكان فضيلته قد بدأ خطبته بقوله: إن النصوص العظيمة من الكتاب والسنة مهما كانت مركزة على مسألة التغيير، فإن هذه العقيدة وتلك النصوص تبقيان في إطار النظرية والأقوال وربما في مجال العقيدة واليقين، ولكنها تحتاج أبدًا إلى حركة وعمل وتطبيق، والتطبيق هو الأثر الحقيقي لتلك العقيدة الصحيحة، والسلوكيات الجديدة في كل مجالات الحياة، العبادة والأعمال، وفي نطاق الإبداع والعلوم والفنون، في كل هذه الأمور التي تحتاج إلى عمل وتطبيق.
وأكّد أن التغيير لا يكون مؤثرًا تأثيرًا عظيمًا إلا إذا تحول إلى ثقافة داخلية يحسّ الإنسان من خلالها بضرورة التغيير، ويحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة إذا لم تكن محققة للتغيير الإيجابي، حتى يغيّر هذه الصفة، وحتى يغيّر ذلك الطبع، ويصبح فعلاً داخلاً في سنن الله تعالى فيما تحققه سنة التغيير من التقدّم والرقي والتحضر، ومن تحقيق الأخلاق والقيم السامية.. بهذه السلوكيات تصبح الأمة خير أمة أخرجت للناس، “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”، فهذه الشهادة ليست قائمة على الاسم، وإنما هي قائمة على الوصف والتحقيق، وحرف اللام في كلمة “للناس” للمنفعة، أي لمنفعة الناس وخدمهتم حين تصبحون قدوة لهم.
وأشار إلى أن ديننا يشتمل على نصوص كثيرة في كل مجالات التغيير بحيث لا نحتاج فيها لا إلى منهج آخر، ولا إلى قول حكيم آخر، وإنما تكفينا آيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه هي المرحلة الأولى، أما المرحلة الأساسية، والمرحلة الحقيقية للتغيير، هي أن تتحوّل هذه النصوص إلى حقائق، لأن لكل شيء حقيقة، وحقيقة الإيمان أن يكون هذا الإيمان مؤثرًا في كل ما تفعله.
وعرض فضيلته للهدي القرآني في ذلك بقوله يأمر الله سبحانه وتعالى ويطلب من الذين آمنوا أن يؤمنوا كما في سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)، وحينما تطلق كلمة آمنوا وهي فعل متعدٍ، أو فعل يحتاج الى متعلق من غيره، يراد منها العموم الشرعي، أي يا أيها الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، آمنوا بالله ورسوله.. فيكون المراد من الآية أن لفظ الإيمان الأول يُراد به التصديق القلبي والقول باللسان، أي يا أيها الذين آمنتم بقلوبكم واعترفتم بألسنتكم بالله ورسوله، آمنوا أي فعّلوا وحرّكوا إيمانكم، واجعلوا إيمانكم محرّككم كما تؤمنون به، فما قيمة الإيمان إذا لم يكن محرّكًا، وما قيمته إذا لم يكن مؤثرًا في النفوس، دافعًا للخير، مانعًا عن الشرور والسيئات.
وانتقد فضيلته كون الإيمان مجرّد قول يُقال، أو مجرد عقيدة يعتقدها الإنسان، موصيًا المسلمين بقوله: حينما تتصرفون اذكروا أن الله يراكم وأنه هو الذي يعلم بكل أسراركم وبكل ما في قلوبكم، فإذا كان إيمانك حقًا بأن الله قد كتب لك رزقك، وكتب لك أجلك، وكتب لك كل شيء أساسي في حياتك وأنت في بطن أمك، فكيف تخاف! بل تأخذ بالأسباب لأن الله أمرك بذلك، وبالتالي لا ترتكب المنكرات، وهكذا الإيمان بالرسول ومحبته في اتباعه وسنته، وإلا فما قيمة هذه المحبة إذا لم تتحوّل إلى واقع؟