وعلى الرغم من حداثة التجربة وتطبيقاتها فإن بعض الفقهاء يرون أن «السَلمَ» رغم قدمه في الإسلام وقبله، وأنه عقد شرعي لا غبار عليه، إلا أن استخدام عقد السلم في البنوك بات شبيها جدا بـ«عقد التورق» الذي أصبح صوريا أكثر منه حقيقيا، مما جعل مجمع الفقه الإسلامي الدولي يحرم التورق المنظم الذي يعتمد على الصورية.


ويخشى كثير من المراقبين والمهتمين بالمصرفية الإسلامية أن يتطور السلم المنظم الذي يطبق في بعض البنوك وينتشر في البنوك الأخرى في كثير من الدول، الأمر الذي قد يتضرر منه العملاء ويكون حال عقد السلم كحال عقد التورق الذي أغرقت البنوك منه.

من جانبه قال الدكتور علي محيي الدين القره داغي، أستاذ الشريعة الإسلامية وأحد الفقهاء المعروفين في المصرفية الإسلامية، إن السلم عقد مشروع كان قديما وموجودا قبل الإسلام في عصور الجاهلية، وهذا دليل على أن هذا العقد كان يغطي حاجيات المجتمع بشكل جيد. فلما جاء الإسلام نظم هذا العقد وجعله عقدا منضبطا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم”
 

وأضاف القره داغي – بحسب صحيفة الشرق الأوسط – أن السلم في السابق لم يكن منضبطا بضوابط الكيل والوزن وكذلك بالأجل، وضبطه الإسلام بذلك وعدم استغلال حاجة الآخرين، وأن هذه القيود العملية والأخلاقية أدخلها الإسلام على هذا العقد القديم.
 

أما حقيقة السلم فهو عبارة عن بيع شيء غير موجود في الوقت الحاضر لكنه سيوجد في المستقبل، ويوصف بمواصفات دقيقة نافية للجهالة والغرر، بمعنى «هو بيع أو عقد واقع على شيء موصوف بالذمة وصفا دقيقا يزيل الجهالة والإساءة.


وتابع القره داغي أن السلم كان يحقق مقاصد الفريقين المتعاقدين، وكان يسمى في معظم الأحيان «بيع المحاويج» لأن الناس حينما يحتاجون إلى السيولة لإدارة مزارعهم أو تجارتهم أو مصانعهم كانوا يلتجئون إلى أصحاب المال، «كأن يكون لديك مزرعة وليست لديك سيولة كافية فإنك تذهب لصاحب المال وتبيعه الثمار بمبلغ كذا والتسليم في التاريخ الفلاني، وبالتالي أخذت السيولة لإدارة مزرعتك، وأنا استفدت شراء البضاعة بثمن أقل بعد فترة معينة».. هذا هو أصل السلم، وبعض العلماء يعتبرونه استثناء، والحقيقة هو عقد أصيل وليس استثناء، وهو ما عليه الإجماع من الفقهاء وهو محل إجماع بين جميع الفقهاء.


ويبين أستاذ الشريعة الإسلامية أن السلم نوعان، الأول السلم  العادي ، والسلم الموازي، والآخر السلم المنظم الشبيه بالتورق المنظم، موضحا أن السلم الموازي هو أن يأتي العميل سواء كان مزارعا أو صاحب مصنع ويطلب بيع منتجه أو بعضه للبنك ويحدد تاريخا معينا للدفع، على أن يقوم البنك بالتعاقد مع جهة أخرى لبيعه الإنتاج المحدد بتاريخه، ويكون ذلك من خلال عقد بين الطرفين. وفي عرف السلم فإن البنك هو المسلم والعميل المسلم إليه أي البائع، والمنتج هو المسلم فيه، والمبلغ هو مسلم به.


وأفاد القره داغي بأن المطلوب في عقد السلم أن العميل يسلم البضاعة إلى البنك يسلم البضاعة في الوقت المعلوم لتاجر آخر، بمعنى أن يكون استفاد العميل من سيولة والبنك استفاد من التمويل والتاجر الآخر استفاد من البضاعة.


وقال القره داغي إن المشكلة الحقيقية في هذا العقد هي «السلم المنظم» الذي تتم كل إجراءاته عن طريق العميل وبين البنك فقط، بحيث يكون البنك وكيلا عن العميل في كل هذه الإجراءات وأن يكون السلم في السع والمعادن الدولية ، وليس في السلع والبضائع والمصانع والمزارع داخل العالم الإسلامي  من خلال توكيل العميل للبنك لكل الإجراءات. وحذر القره داغي من أن يكون السلم المنظم شبيها بالتورق المنظم المحرم، خاصة أن السلم المنظم لا يتم إلا عن طريق السلع الدولية ولا يتم فيه قبض السلع حقيقة وإنما يتم فقط عن طريق مجرد الأوراق والتوقيع، وهذا هو المصيبة بعينها.


وتابع أن الإسلام مع التنظيم في كل شيء، ولكن التنظيم الذي يؤدي إلى الحيلة لا يجوز، لأنه من الواضح أن العقود التي تتم في السلم المنظم إنما هي صورية في حقيقتها تؤدي إلى التحايل على الشريعة وخداع الناس، فهي منظمة تنظيما صوريا فقط، مؤكدا أن الادعاء بأن الشرع ليس مع التنظيم خطأ لأن التنظيم في الأصل هو سبب للإباحة، ولكن المشكلة تكون في التحايل والاستخدام الصوري للسلم.


وفيما يتعلق بالسرعة التي يتطلبها الحصول على تمويل عن طريق السلم، أكد علي القره داغي أن ذلك يتم عن طريق السلم الموازي أو عن طريق السلم والاستصناع، وأن الهدف ليس التحايل في المسميات بحجة السرعة وغيرها، لأن الشروط واضحة في السلم.


وشدد القره داغي على أهمية أن تكون البضاعة في السلم بضاعة حقيقية ويتم فيها التسليم، وإلا يؤدي ذلك لبيع الدين بالدين أو بقلب الدين، وهذه أشياء كلها محرمة، واصفا استخدام السلم المنظم بالكارثة وبالعودة إلى إشكالية السلع والأسواق الدولية.