العرب – الدوحة
في مقالته التي يقوم فيها بتأصيل العمل الإنساني يرى الدكتور علي محيي الدين القره داغي أن التعاون مقصد شريف من مقاصد الإسلام وحاجة فطرية تقوم عليها الحياة كلها؛ لذا جاءت آيات كثيرة وأحاديث شريفة تحثّ على التعاون، يقول القره داغي: وإذا تدبرنا الآيات القرآنية المباركة، والأحاديث النبوية الشرفة، والسيرة العطرة لتوصلنا بسهولة إلى أن التعاون مقصد شريف من مقاصد الشريعة، ومبدأ عظيم من المبادئ التي أرساها الإسلام، فهذا الكون كله بسمائه وأرضه، وما فيهما من مخلوقات قائم كله على مبدأ الشراكة والزوجية والشفعية التي هي قمة التعاون، ومرحلة متقدمة منه، فقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) وقال تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)..
ثم أكد القرآن الكريم قاعدة الزوجية التي هي الشراكة في الأصل والخلقة لتتحقق الشراكة والتعاون في التعامل والتعمير فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء)، ولذلك جاء آخر الآية آمرا بالوفاء بحقوق هذه الأرحام والقرابة الإنسانية التي تشمل جميع بني آدم فقال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) فهذه الأرحام هي أرحام الإنسانية التي يجب رعايتها من حيث التعاون والتراحم والتكافل والعدل، وعدم المظالم.
ولأهمية هذه الشراكة بين الذكر والأنثى والتعاون الإنساني في هذا الكون أولى الإسلام عنايته القصوى بها لينطلق منها إلى سائر أنواع التعاون المطلوب بين بني الإنسان، حيث كلما ازداد التعاون ازداد العطاء وقلّت المشاكل والتحديات، لذلك أمر الله تعالى به أمراً مطلقاً شاملاً فقال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).
إن رسالة الإنسان الذي كلفه الله تعالى بتحقيقها (التعمير والاستخلاف) لا يمكن أن تؤدى على الوجه الأكمل إلاّ عن طريق التعاون والشراكة، فلا يمكن للفرد الواحد مهما بلغت رتبته أن يحقق هذه الرسالة، أو جزءاً منها إلاّ من خلال التعاون، فهذا ذو القرنين العظيم الذي ملك المشرق والمغرب قال عند بنائه السدّ: (مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً)، وقد أشارت سورة العصر إلى أن الخروج من الخسارة في الدنيا والآخرة لن يتحقق إلاّ بالإيمان والعمل الصالح والتعاون المشترك على حماية الحقوق وحفظها وتنميتها، وعلى الصبر، بل إن سيدنا موسى عليه السلام يؤكد على أن أداء الذكر والتسبيح، ومهمة رسالة النبوة على الوجه الأكمل لن يتحقق دون التعاون بين أكثر من واحد فقال: (اجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا) فالأزر هو القوة والمنعة والظهر والعون والمساعدة، ومنه قوله تعالى: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ ) من (وَزَر) بفتح الزاي وهو الحبل المنيع كما قال تعالى: (كَلَّا لَا وَزَرَ) أي لا عاصم، أو من (أزر) بمعنى المعين القوي والظهر المساند المساعد.
وأكثر من ذلك فقد علّمنا الله تعالى في السورة التي نقرؤها في صلواتنا أن نناجي ربنا بصيغة الجمع ونطلب بها منه العون فقال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (حياة بني آدم وعيشهم في الدنيا لا تتم إلاّ بمعاونة بعضهم لبعض في الأقوال – أخبارها وغير أخبارها – وفي الأعمال أيضاً).
وأكثر من ذلك فإن الله تعالى بيّن بأن نصر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كان بسب تأييد الله له، وتأييد المؤمنين الصادقين فقال تعالى: (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن بأن ذلك سنة الله تعالى مع جميع أنبيائه ورسله.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يعتبر قيام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر؟ فأجاب رحمه الله: وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله، وأن لا تتنافر مع بعضها وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداها الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع من أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم).;