ألقى فضيلة أ. د. علي القره داغي – نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث – كلمة أمام المجلس في اجتماع دورته الخامسة والعشرين ، المنعقد حالياً في العاصمة التركية إسطنبول في الفترة من 6 : 10 أكتوبر 2015م ، كما ألقى الشيخ القره داغي كذلك كلمة العلامة الإمام أ. د. يوسف القرضاوي بالنيابة بعد اعتذار الإمام عن عدم الحضور بسبب الإجهاد .

وجاءت الكلمتان على النحو التالي :

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب السماحة والسعادة والفضيلة إخواني وأخواتي الكرام، يشرفني ويسعدني أن أحييكم باسمي وباسم سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث حفظه الله وباسم إخوانه في المجلس، أن أحييكم بتحية من عند الله مباركة طيبة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

فكان الشيخ العلامة حريصا على الحضور ولكنه بسبب الإحساس بشيء من الإجهاد اعتذر عن عدم الحضور ومرسلا رسالة موجزة نافعة أقرؤها في أخر كلمتي .

أصحاب السماحة إخواني الكرام لي في هذا المقام رسائل مهمة.

أولها رسالة الشكر، لأنه لا يشكر الله من لم يشكر الناس، رسالة شكر باسمكم جميعاً لهذا البلد العزيز تركيا رئيسا وحكومة وشعبا على مواقفهم المشرفة، وعلى ترتيب حسن الاستقبال والحفاوة البالغة للعلماء داعين الله تعالى بتضرع أن يحفظ هذا البلد العزيز من الفتن الداخلية والخارجية، وأن يزيدها توفيقا وسدادا وإرشادا، والشكر موصول إلى حضراتكم الأعضاء والخبراء والمرافقين والضيوف على تحملكم عناء السفر داعين الله تعالى أن يجزيكم عنا خير الجزاء على ما بذلتم وأنفقتم من جهد ومال. وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ –التوبة- 121.

ولا يسعنا في هذا المقام أيضا إلا أن نقدم الشكر الجزيل لجمعية آل مكتوم الخيرية ولكل من ساهم في تمويل المجلس.

الرسالة الثانية هي رسالة المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، حيث أنشئ هذا المجلس المبارك في شهر ذي القعدة عام 1417هـ الموافق لشهر مارس آذار 1997م بدعوة من قبل اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا فجزى الله القائمين عليها في السابق واللاحق.

وجاء إنشاء هذا المجلس استجابة للحاجة الملحة للأقلية الإسلامية بأوروبا التي كثرت أسئلتها ونوازلها ومستجداتها ولم تعد الفتاوى الفردية قادرة على حلها ما استدعى وجود مجلس يضم كبار العلماء خارج وداخل أوروبا ومن لهم العناية القصوى بشأن الأقليات، ويعرفون أحوالهم، ويسيرون على المنهج الوسط المعتدل في فتاواهم، فكان هذا المجلس الموقر الذي وضع لنفسه تحقيق الأهداف الآتية: من أهمها.

1- إيجاد التقارب بين علماء الساحة الأوروبية وتوحيد آرائهم حول القضايا المهمة مع الاستعانة بكبار العلماء خارج أوروبا والاستفادة من فقههم، وتجاربهم.

2- إصدار فتاوى جماعية تسد حاجة المسلمين في أوروبا وتحل مشكلاتهم، وتنظم تفاعلهم مع المجتمعات الأوربية، في ضوء أحكام الشريعة ومقاصدها.

3- إصدار البحوث والدراسات الشرعية، التي تعالج الأمور المستجدة على الساحة الأوروبية مما يحقق مقاصد الشرع ومصالح الخلق.

4- ترشيد المسلمين في أوروبا عامة وشباب الصحوة خاصة، وذلك عن طريق نشر المفاهيم الإسلامية الأصيلة والفتاوى الشرعية القويمة.

وقد اتخذ المجلس لنفسه مجموعة من الوسائل من أهمها:

– تشكيل لجان متخصصة من بين أعضاء المجلس ذات مهمة مؤقتة أو دائمة، ويعهد إليها القيام بالأعمال التي تساهم في تحقيق أغراض المجلس.

– الاعتماد على المراجع الفقهية الموثوق بها، وخصوصا تلك التي تستدل على الأدلة الصحيحة.

– الاستفادة من الفتاوى والبحوث الصادرة عن المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية الأخرى.

– بذل المساعي الحثيثة لدى الجهات الرسمية بالدول الأوروبية للاعتراف بالمجلس رسميا، والرجوع إليه لمعرفة أحكام الشريعة الإسلامية.

– إقامة دورات شرعية لتأهيل العلماء والدعاة.

– عقد ندوات لدراسة بعض الموضوعات الفقهية.

– إصدار نشرات وفتاوى دورية وغير دورية وترجمة الفتاوى والبحوث والدراسات إلى اللغات الأوروبية.

– إصدار مجلة باسم المجلس تصدر فيها مختارات من الفتاوى والبحوث والدراسات التي يناقشها المجلس أو التي تحقق أهدافه.

والمجلس عندما يصدر فتوى وضع لنفسه منهجية تكمن في الاعتماد على:

1- مصادر التشريع المتفق عليها بين جمهور الأمة، وهي: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس.

2- مصادر التشريع المختلف فيها كالاستحسان والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والاستصحاب، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا، وذلك بشروطها وضوابطها المعروفة عند أهل العلم، ولاسيما إذا كان الأخذ بها من مصلحة الأمة.

كما ترتكز منهجيته على:

– اعتبار المذاهب الأربعة وغيرها من مذاهب أهل العلم ثروة فقهية عظيمة، ويختار منها ما صح دليله وظهرت مصلحته.

– مراعاة الاستدلال الصحيح في الفتوى، والعزو إلى المصادر المعتمدة، ومعرفة الواقع ومراعاة التيسير.

– وجوب مراعاة مقاصد الشرع، ومقاصد المكلفين، وتحقيق المناط، وفقه التنزيل، وفقه المآلات، وسد الذرائع وفتحها حسب النوعية.

وقد اعتاد المجلس أن يصدر الفتاوى والقرارات باسم المجلس في الدورات العادية أو الطارئة بإجماع الحاضرين إن أمكن، أو ب (أغلبيتهم المطلقة)، ويحق للمخالف أو المتوقف من الأعضاء إثبات مخالفته، حسب الأصول المعمول بها في المجامع الفقهية.

وينص (النظام الأساسي) على انه لا يحق لرئيس المجلس ولا لعضو من أعضائه إصدار الفتاوى باسم المجلس ما لم يكن موافقا عليها من قبل المجلس نفسه، ولكل منهم أن يفتي بصفته الشخصية، من غير أن يذيل فتواه بصفة عضوية المجلس، أو ان يكتب على أوراق المجلس الرسمية.

والمجلس اتخذ لنفسه سياسة في قبول الأعضاء أدخلت في دستوره حيث نص دستور المجلس على أنه يجب أن تجتمع في العضو الشروط التالية:

1- أن يكون محصل على مؤهل شرعي جامعي، أو ممن لزم مجالس العلماء وتخرج على أيديهم، وله معرفة باللغة العربية.

2- أن يكون معروفا بحسن السيرة والالتزام بأحكام الإسلام وآدابه.

3- أن يكون مقيما على الساحة الأوروبية.

4- أن يكون جامعا بين فقه الشرع ومعرفة الواقع.

5- أن توافق عليه الأغلبية المطلقة من الأعضاء.

كما نص على أنه يحق لأعضاء المجلس اختيار بعض العلماء لعضوية المجلس من خارج الساحة الأوروبية ممن تجتمع فيهم شروط العضوية السابقة ما عدا الشرط الثالث، إذا وافقت عليهم الأغلبية المطلقة للأعضاء، على ألا يتجاوز عددهم (ربع) أعضاء المجلس.

ويراعى في اختيار الأعضاء تمثيل الدول الأوروبية التي للمسلمين فيها وجود ظاهر، كما يراعى تمثيل المدارس الفقهية المختلفة. ويعتمد في الترشيح لعضوية المجلس تزكية ثلاثة من أهل العلم الثقات المعروفين.

وكان المجلس يجتمع في بداياته إلى عدة سنوات مرتين في العام بسبب تزاحم الأعمال، ولكن خلال السنوات الأخيرة يكتفي باجتماع واحد حيث ينص (النظام الأساسي) للمجلس على اجتماع دوري سنوي تعقده هيئته العامة. تتم فيه مناقشة الأبحاث المقدمة إليه في الموضوعات المختلفة التي تمس إليها حاجة الأقلية المسلمة في أوروبا، مع تولي الإجابة عما يرد عليه من استفتاءات تتطلب الجواب الجماعي.

ويجيز (النظام الأساسي) للمجلس الاستعانة بأهل الخبرة، ودعوتهم لحضور دورة الانعقاد التي يعرض فيها ما يتعلق باختصاصاتهم من غير أن يكون لهم حقوق التصويت.

اللجان الفرعية التابعة للمجلس:

نظرا لتباعد انعقاد المجلس الدوري للمجلس، وانشغاله في اجتماعاته بمناقشة القضايا الأكثر أهمية، ورغبة منه في تلبية حاجة عموم المسلمين في أوروبا والتعجيل بإجابة استفتاءاتهم، فقد اعتمد في دورته الثانية تأسيس لجنتين فرعيتين للفتوى: إحداهما في فرنسا والأخرى في بريطانيا، باشرتا عملهما منذ ذلك الحين، كما انشأ المجلس لجنة للبحوث والدراسات تتولى إصدار مجلة المجلس، كما تهتم بالبحوث والدراسات التي تعين المجلس على إصدار قراراته وفتاويه، كما أنشأ لجنة للحوار بفرنسا.

=========================================

وأما الرسالة الثالثة والخاتمة بالمسك فهي قراءة رسالة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله رئيس المجلس.

كلمة افتتاح الدورة الخامسة والعشرين للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

بقلم رئيس المجلس فضيلة الشيخ/ يوسف القرضاوي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وخاتم النبيين، سيدنا محمد الرسول الأمين، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدين.

فهذه كلمتي إلى إخواني العلماء والفقهاء والدعاة في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث. في دورته الخامسة والعشرين، المنعقدة في إسطنبول بجمهورية تركيا الحبيبة.

أتقدم بتحيتكم جميعا بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(وبعد)

كنت أود أن أكون بينكم في هذه الدورة المباركة .. أسعد بلقياكم، وأتبادل معكم المناقشات والآراء حول قضايا هذه الدورة، والتي خصصت للحديث عن فقه العيش المشترك في أوروبا تأصيلا وتنزيلا، وهو موضوع من الأهمية بمكان في هذا التوقيت وهذه القضايا مما استفيد من مناقشاتها وأبحاثها، المقيمون في بلاد الغرب خاصة، والمسلمون عامة.

غير أنني أشعر ببعض الإجهاد، مما لم أتمكن معه من تحمل عناء السفر، فالمرء يصح ويمرض، ويقوى ويضعف، ويقدر ويعجز، وهذه سنة الله في خلقه، وهذا حال كل مخلوق في هذه الحياة.

ومع تغيبي عنكم فإني أرى في كل منكم عالما كبير الشأن، عظيم القدر لاتعوزه القدرة على تخطي الصعاب، وتحمل الأعباء، وأرى أن كل منكم جدير بحمل هذه الأمانة التي حملها الله إياكم فرفع بها شأنكم. (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة المجادلة الآية11.وأخذ عليها ميثاقكم (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) آل عمران الآية87. وأرشد الخلق على سؤالكم فيما اشكل عليكم (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)سورة النحل الآية 43.

وقد أرسلت إليكم بحثي حول ( فقه العيش المشترك … المواطنة نموذجاً)

فالحديث حول موضوع المواطنة والاندماج بالنسبة للأقليات المسلمة في الغرب وغيرها، من الأمور ذات الأهمية الكبرى، نظرا لما يدور حول هذه القضية الحتمية من التباسات، وما يثار من تساؤلات، وما تتعارض به الإجابات، لتعارض الاجتهادات، واختلاف الدلالات.

ولي حول هذا الموضوع كتابات عدة منها الوطن والمواطنة، والحرية الدينية والتعددية في نظر الإسلام، ومكانة حرية الاعتقاد والفكر والتعبير في الإسلام، وفقه الأقليات المسلمة، وغير ذلك من بحوث ومؤلفات، وقد أعددت ها من قبل، فلا بأس أن ننهل منها بعض ما يناسب المقام.

أسال الله تعالى أن يجعل يومكم خيرا من أمسكم وغدكم خيرا من يومكم وأن يوفقكم الله تعالى لما يحب ويرضى .

يوسف القرضاوي

رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث