لا شك أن استثمار أموال الوقف يؤدي إلى الحفاظ على أموال الوقف حتى لا تأكلها النفقات والمصاريف ، ويساهم في تحقيق أهداف الوقف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ، والتنموية ، فما اكثر مصائب هذه الأمة في هذا العصر ، وما أكثر حاجياتها إلى الأموال لتحسين أحوالها الاجتماعية المتخلفة من خلال استثمار الأموال عن طريق التسويق والتصنيع والإنتاج .


 


 إضافة إلى ذلك فإن الوقف الذي يراد له الاستمرار ، ومن مقاصده التأبيد لا يمكن أن يتحقق ذلك إلاّ من خلال الاستثمارات الناجحة ، وإلاّ فالمصاريف والنفقات والصيانة قد تقضي على أصل الوقف إن لم تعالج عن طريق الاستثمار المجدي النافع ، لذلك ينبغي أن تهتم إدارة الوقف ( أو الناظر ) بهذا الجانب اهتماماً كبيراً وتخصص جزءاً جيداً من ريع الوقف للاستثمار إضافة إلى استثمار بقية أموالها السائلة .


 


ونحن في هذا البحث نذكر أهم الطرق القديمة للاستثمار مع الطرق المعاصرة بقدر الإمكان وهي :


 


الطريقة الأُولى ـ الإجارة : وقد ذكر الفقهاء عدة أنواع من الإجارة في باب الوقف : 


 


أولاً : الإجارة :


 


 وهي كانت أهمها وأكثرها شيوعاً ، بل كاد الفقهاء  أن يربطوا بينها وبين جواز بعض أنواع الوقف ، فقد علل الفقهاء الذين منعوا وقف الدراهم والدنانير بأنه لا يجوز إجارتهما ، ولا يمكن الانتفاع بهما إلاّ بالإتلاف ، وعلل الذين أجازوا وقفهما بأنه يجوز إجارتهما ، قال ابن قدامة : ( وما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدنانير والدراهم … لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم … وقيل : في الدراهم والدنانير يصح وقفه على قول من أجاز إجارته ، وأما الحليّ فيصح وقفه للبس والعارية…. )(1) .


 


ولذلك لمّا أفتى محمد بن عبدالله الأنصاري ( صاحب زفر ) بجواز وقف الدراهم والدنانير والمكيل والموزون استغرب الفقهاء فسألوه : ماذا يفعل بوقف هذه الأشياء والوقف تحبيس الأصل والانتفاع بالمنفعة ، فأين منفعتها ؟ فقال : تدفعون الدراهم والدنانير للمضاربة ثم تتصدقون بربحهما ، وتتصدقون بالربح(2) ، وذكر بعض الفقهاء أن منفعة الدراهم والدنانير في الوقف هي أن تقرض للفقراء ، ثم تقضي منهم ، ثم تدفع لآخرين(4) .


 


وإجارة الموقوف والانتفاع بإجارته محل اتفاق بين الفقهاء ، ولكنهم اختلفوا في بعض التفاصيل من حيث مدة الإجارة وأجر المثل .


 


أ.مدة الإجارة : يرى الحنفية أن تكون مدة الإجارة من الوقف لا تزيد عن سنة في الدار ، وثلاث سنوات في الأرض الزراعية وأن الفتوى عندهم على إبطال الإجارة الطويلة من حيث الزمن وذلك لإمكان أن يتضرر الوقف بطول الزمن ، بل قد يؤدي إلى إبطال الوقف ، إلاّ إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرته سنين مقبلة وحينئذٍ يجب أن تكون في عقود مترادفة متكررة كلّ سنة ، جاء في الفتاوى الهندية : ( إذا أجر الواقف أكثر من سنة لا يجوز ، وإن لم يشترط فالمختار أن يقضي بالجواز في الضياع في ثلاث سنين إلاّ إذا كانت المصلحة في عدم الجواز ، وفي غير الضياع يقضي بعدم الجواز إذا زاد على السنة الواحدة إلاّ إذا كانت المصلحة في الجواز ، وهذا شيء يختلف باختلاف المواضع والزمان كذا في السراجية وهو المختار للفتوى )(4) .


 


 هذا إذا لم يكن الواقف قد اشترط مدة محددة فإن كان قد اشترط أن لا يؤجرها المتولي أكثر من سنة فيجب الالتـزام بهذا الشرط ولا يجوز مخالفته إلاّ بحكم القاضي ، لكن قاضيخان أفتى بجواز مخالفة هذا الشرط إذا كانت أنفع للفقراء والمستحقين ، ولا يحتاج إلى المرافعة إلى القاضي(5)  .


 


 ويتفق المالكية مع الحنفية في وجوب النظر إلى ما هو الأصلح للوقف من حيث المدة لكنهم وسعوا دائرة مدة الإجارة ، وفرقوا بين ما إذا كان الوقف على معينين ، وناظر الوقف من الموقوف عليهم ، والموقوف داراً والمستأجر ليس ممن ترجع إليه الدار فلا يجوز لهذا الناظر أن يؤجر الدار لأكثر من سنة ، وإن كانت أرضاً زراعية فلا يجوز له أن يؤجرها لأكثر من ثلاث سنوات ، وعلة ذلك أن الإجارة تتفسخ بموته ، وأجاز جماعة من فقهائهم تأجير العقار الموقوف فترة طويلة إذا لم يكن على معينين(6) .


 


ب.المدة الطويلة مقابل الإصلاح :


 


 أما إذا كان الوقف خرباً وتعذرت ، أو تعسرت إعادته من غلته ، أو من كرائه فقد أفتى جماعة من علماء المالكية منهم القاضي ابن باديس والناظر اللقاني ، والأجهوري وأتباعه بتأجيره مدة طويلة لمن يعمره بالبناء ، ويكون البناء ملكاً للباني ويدفع نظير الأرض حكراً ( مبلغاً ) يدفع للمستحقين ، ويسمى هذا التصرف خلواً(7)  ، وجاء في شرح الخرشي أن القاضي ابن باديس قد أفتى بكرائها السنين الكثيرة ، كيف تيسر ، واشترط إصلاحها من كرائها(8) ، قال العدوي : أي أكثر من أربعين عاماً(9) ، وجاء قريب من هذه الأحكام في المذهب الحنفي(10) .


 


 ولم يتطرق الشافعية والحنابلة ـ حسب علمي ـ إلى مسألة طول المدة في إجارة الوقف ، لأنهم تركوا ذلك لأحكام الإجارة .


 


ج.أجر المثل في الإجارة :


 


 اشترط جماعة من الفقهاء ـ منهم الحنفية والمالكية والشافعية ـ أن يكون تأجير الموقوف بما لا يقل عن أجر المثل ، فلا يجوز تأجيره بغبن فاحش ، وأما الغبن اليسير ” وهو ما يتغابن الناس فيه ، أو لا يعدونه غبناً ” ، فلا يؤثر فإذا أجر بأقل من أجر المثل ، فللقيّم على الوقف الفسخ ، ولو زاد الأجرة بعد العقد إلى أجر المثل يجدد العقد بالأجرة الزائدة ، قال ابن عابدين : ( والظاهر أن قبول المستأجر الزيادة يكفي عن تجديد العقد ، وأن المستأجر الأول أولى من غيره إذا قبل الزيادة )(11)  . 


 


جاء في الفتاوى الهندية : ( ولا تجوز إجارة الوقف إلاّ بأجر المثل كذا في محيط السرخسي ، ولكن العبرة في ذلك ببداية العقد فقد نصوا على أنه لو استأجر رجل أرض وقف ثلاث سنين بأجرة المثل ، فلما دخلت السنة الثانية كثرت الرغبات وازدادت أجرة الأرض فليس للمتولى أن ينـتقص الإجارة لنقصان أجر المثل )(12) .


 


وقد اختار متأخرو الحنفية أنه لو قام المتولى بتأجير الوقف بأقل من أجر المثل فسكنها المستأجر كان عليه أجر المثل بالغاً ما بلغ وعلى ضوء ذلك يعدل العقد وإن لم يرض به المستأجر(13) .


 


ويظهر من ذلك أن العقد الذي تمّ بأقل من أجر المثل إما هو باطل ، أو غير لازم بحيث يفسخه القاضي أو القيّم ، أو يعدله إلى أجر المثل ، أو يـبطل .


 


 وقد استفتى الشيخ عليش المالكي في أرض موقوفة طرح الناس فيها أتربة وأقذاراً حتى صارت تلاًّ لا ينتفع به في الحال ، فأجرها نائب القاضي تسعة وتسعين سنة لمن ينقل منها ما فيها من التربة والأقذار ويبنيها خاناً ، كل ستة بأربعة أرطال زيت لا غير ، وأزال المكتري ما فيها وأصلحها فحصلت الرغبة فيها بزائد عن تلك الأجرة ، فهل تفسخ الإجارة ويصير النفع للوقف؟ فأجاب : ( نعم يفسخ إن وجد حين عقد الإجارة من يستأجرها بزائد عما ذكر ، أما إن لم يوجد حين العقد من يستأجرها بزائد عما ذكر فلا تفسخ )(14) .


 


 ونصّ الشافعية على عدم صحة الوقف إذا أجره الناظر بأقل من أجرة المثل لكنه إذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة ، أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد على الأصح ، قال النووي: ( لأن العقد جرى بالغبطة في وقته فأشبه ما لو باع الولي مال الطفل ثم ارتفعت القيمة بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة ، والثاني ـ أي الرأي الثاني للشافعية ـ ينفسخ العقد ، لأنه بان وقوعه بخلاف الغبطة في المستقبل ، والثالث : إن كانت الإجارة سنة فما دونها لم يتأثر العقد ، وإن كانت أكثر فالزيادة مردودة وبه قطع أبو الفرج الزازفي الأمالي )(15) .


 


 وذهب الحنابلة إلى صحة عقد الإجارة مع كون الأجرة أقل من أجر المثل ولكن الناظر يضمن النقص أي يضمن الفارق بين أجر المثل ، والأجر المتفق عليه في العقد قياساً على الوكيل ، لأن الإجارة عقد لازم لا يفسخ بذلك(16) .


 


 والذي يظهر لنا رجحانه هو رأي الجمهور حيث فيه الحماية الكافية لمصالح الوقف ، ولخصوصيته ، وأن كون القيم يتحمل الفرق قد يؤدي إلى زهد الناس عن التولية لأن ذلك يضرّ به وقد لا يكون متعمداً فيه ، ولذلك فاعتبار العقد مفسوخاً حتى يتم جبر النقص فيه من قبل المستأجر هو أعدل الأمور والله أعلم .


 


د.عدم لزوم عقد الإجارة في حالتي زيادة المدة ، وعدم أجر المثل :


 


 مع أن عقد الإجارة عقد لازم عند جميع الفقهاء(17)  ولكنه في باب الوقف يعتبر غير لازم في حالة ما إذا كانت مدة الإجارة طويلة أو كانت الأجرة أقل من أجر المثل ، وهذه خصوصية أخرى للوقف فبخصوص الإجارة الطويلة نصّ الفقهاء وبالأخص الحنفية والمالكية أن القيم أو القاضي ـ حسب تفصيل ـ يستطيع فسخ الإجارة ، إن كانت المصلحة في ذلك ، أو يعدل العقد إلى إجارة قصيرة أو إلى عقود جارات مترادفة ، أو يبطل العقد ، فقد ذكر ابن عابدين أن أبا جعفر يقول بإبطال الإجارة الطويلة ولو بعقود ، لكن ابن عابدين خصصه بعدم الحاجة(18) ، وعند الشافعية على الأصح لا يصح العقد إذا كان الأجر أقل من أجر المثل ـ كما سبق ـ(19) .


 


هـ.المزايدة والزيادة في إجارة الوقف :


 


إذا أجر الوقف بمبلغ ، ثم جاء آخر فزاد عليه بعد تمام العقد ، فهل يجوز فسخ العقد السابق والاعتماد على الزيادة ؟


 


للإجابة عن ذلك نقول : أن فيه تفصيلاً على ضوء ما يأتي :



أ ـ أجّره أولاً بمبلغ أقل من أجر المثل ثم جاء آخر فعلى القول بالفسخ يفسخ العقد ، ثم يعطى لمن يزيد ، وعلى القول بصحة العقد مع عدم لزومه يخيّر المستأجر الأول بين الفسخ ، أو الزيادة إلى ما يدفعه الآخر ، فإن قبل بها فهو أولى ما دام الآخر لم يزد عليه فإن زاد عليه الأجر فحينئذٍ يتـزيدان ، ويكون العقار لمن يدفع أكثر ويكون عقد الإجارة منحلاً .


ب. أجّره أولاً بأجر المثل ثم جاء آخر فزاد لم تفسخ الأُولى كما هو الحال فيما لو كان تأجير الوقف لثلاث سنوات ، وتغير أجر المثل في السنة الثانية ـ مثلاً ـ بحيث ازداد لم يفسخ العقد(20) . وقد ذكر في شرح الرسالة أن ابن عبدالسلام ذهب إلى أن عقد إجارة الوقف إن لم يكن فيه غبن بل كان فيه غبطة فلا يفسخ بالمزايدة ، وإن كان فيه غبن تقبل الزيادة فيه ، ثم ذكر أن أهل تونس استمروا سنيين كثيرة على أن يكري ربع الحبس على قبول الزيادة فيه ، ويجعلونه منحلاً من جهة المكري ومنعقداً من جهة المكتري وهو قول منصوص عليه في المذهب(21) .


 


 


 


ثانياً : الإجارة بأُجرتين :


 


 ابتكر الفقهاء هذه الطريقة لعلاج مشكلة حدثت للعقارات الموقوفة في استنبول عام 1020هـ عندما نشبت حرائق كبيرة التهمت معظم العقارات الوقفية أو شوهت مناظرها ، ولم يكن لدى إدارة النظارة الوقفية أموال لتعمير تلك العقارات فاقترح العلماء أن يتم عقد الإجارة تحت إشراف القاضي الشرعي على العقار المتدهور بأجرتين : أجرة كبيرة معجلة تقارب قيمته فيتسلمها الناظر ويعمر به العقار الموقوف ، وأجرة سنوية مؤجلة ضئيلة يتجدد العقد كل سنة ، ومن الطبيعي أن هذا العقد طويل الأجل يلاحظ فيه أن المستأجر يسترد كل مبالغه من خلال الزمن الطويل(22) .


 


 فهذه الصيغة التمويلية تعالج مشكلة عدم جواز بيع العقار فتحقق نفس الغرض المنشود من البيع من خلال الأجرة الكبيرة المعجلة ، كما أنها تحقق منافع للمستأجر في البقاء فترة طويلة في العقار المؤجر سواء كان منـزلاً أو دكاناً أو حانوتاً ، أو نحو ذلك ، كما أن وجود الأجرة يحمى العقار الموقوف من ادعاء المستأجر أنه قد تملكه بالشراء مثلاً ، كما أن ما بني على هذه الأرض الموقوفة يظل ملكاً للوقف دون المستأجر .


 


 


ثالثاً : الحكر ، أو حق القرار :


 


 الحِكر ـ بكسر الحاء وسكون الكاف ـ العقار المحبوس ، وجمعه أحكار ، وبفتحهما : كل ما احتكر(23) .


 


وفي اصطلاح الفقهاء يطلق على ثلاثة معان :




  1. العقار المحتكر نفسه ، فيقال : هذا حكر فلان .



  2. الإجارة الطويلة على العقار .



  3. الأجرة المقررة على عقار محبوس في الإجارة الطويلة ونحوها(24) ، قال الشيخ عليش : ( من استولى على الخلو يكون عليه لجهة الوقف يسمى عندنا بمصر حكراً لئلا يذهب الوقف باطلاً )(25) .


 


والحكر في باب الوقف وسيلة اهتدى إليها الفقهاء لعلاج مشكلة تتعلق بالأراضي والعقارات الموقوفة التي لا تستطيع إدارة الوقف ( أو الناظر ) أن تقوم بالبناء عليها ، أو زراعتها ، أو أنها مبنية لكن ريعها قليل إذا قسنا بحالة هدم بنيانها ، ثم البناء عليها ، ففي هذه الحالة أجاز الفقهاء الحكر ، وحق القرار وهو عقد يتم بمقتضاه إجارة أرض للمحتكر لمدة طويلة ، وإعطاؤه حق القرار فيها ليبني ، أو يغرس مع إعطائه حق الاستمرار فيها ما دام يدفع أجرة المثل بالنسبة للأرض التي تسلمها دون ملاحظة البناء والغراس(26)  .


 


  وهذا النوع قريب من الإجارة بأجرتين التي ذكرناها من حيث طول المدة ، ومن حيث تسلم نوعين من الأجرة : أجرة كبيرة معجلة قريبة من قيمة الأرض ، وأجرة ضئيلة سنوية أو شهرية ، لكنه مختلف عنها من حيث إن البناء والغراس في الحكر ملك للمحتكر ( المستأجر ) لأنه أنشأهما بماله الخاص وفي الإجارة بأجرتين ملك للوقف ، لأن إدارة الواقف ( أو الناظر ) قد صرفت الأجرة الكبيرة المقدمة في التعمير ، والبناء أو الغراس .


 


 ويسميه بعض الفقهاء بالاحتكار ، والاستحكار ، والإحكار ، قال ابن عابدين : ( الاحتكار إجارة يقصد بها منع الغير ، واستبقاء الانتفاع بالأرض )(27)  ، وفي الفتاوى الخيرية :       ( الاستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض للبناء ، أو الغرس أو لأحدهما ، ويكون في الدار والحانوت أيضاً )(28) .


 


 ويسميه المالكية خلواً في حين أن الخلو عند الحنفية وغيرهم ممن قالوا به أعمّ من الحكر ، لأنه يكون في كل إجارة اكتتب المستأجر من خلال أعماله وتجارته وشهرته ، أو أهمية الموقع حقاً خاصاً به ، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الرابعة عام 1408هـ أجاز فيه بدل الخلو بشروط وضوابط(29)  .


 


مدى شمولية الحكر للوقف وغيره :


 


 وقد ارتبط اسم الحكر بالوقف سواء كان وقفاً عاماً وهو الشايع ، أو خاصاً ، ولكنه مع ذلك قد يكون الحكر في العقارات المملوكة ملكية خاصة حيث جاء في تـنقيح الفتاوى الحامدية أن : (الاحتكار هو الأرض المقررة للاحتكار وهي أعم من أن تكون ملكاً أو وقفاً )(30) ولكن حديثنا هنا حول الحكر في الأوقاف فقط .


 


 اعلى الصفحة


 


حكم الحكر في الأوقاف :


 


اختلف الفقهاء في حكر الوقف على ثلاثة مذاهب :


 


أ. ذهب جمهور الفقهاء(31) إلى أنه جائز حتى ولو اشترط الواقف منعه إذا توافرت الشروط الآتية :




  1. أن يكون الوقف قد تخرّب وتعطّل الانتفاع به .



  2. أن لا يكون لدى إدارة الوقف ( أو الناظر ) أموال يعمّر بها .



  3. أن لا يوجد من يقرض الوقف المقدار المحتاج إليه .


 


واشترط الحنفية أيضاً أن لا يمكن استبدال الوقف بعقار ذي ريع(32) ، إذا توافرت هذه الشروط جاز الحكر في الوقف .


 


ب. ذهب جماعة من الفقهاء منهم الحنابلة ، وجمهور الشافعية ، إلى أنه جائز مطلقاً (33) .


 


ج. ذهب بعض الشافعية ـ منهم الأذرعي والزركشي ـ إلى أنه غير جائز مطلقاً (34) .


 


والذي نراه راجحاً هو الرأي الأول ، لأنه قيّد الحكر بتحقيق مصالح الوقف ، وأن لا يوجد سبيل أفضل من الحكر ، وحينئذٍ فالحكر بلا شك أفضل من أن يبقى الوقف خرباً أو معطلاً .


 


 


مدة الحكر :


 


 من المعلوم أن عقد الحكر يتضمن مدة محددة للحكر وإن كانت طويلة ، ولكن جرى العرف ـ كما يقول العدوي ـ بمصر أن الأحكار مستمرة للأبد ، وإن عُيّن فيها وقت الإجارة مدة لكنهم لا يقصدون خصوص تلك المدة ، والعرف عندنا ـ أي في مصر ـ كالشرط فمن احتكر أرضاً مدة ومضت فله أن يبقى وليس للمتولي آمر الوقف إخراجه(35) .


 


 وقد ذكر الحنفية أيضاً أنه يثبت للمحتكر حق القرار إذا وضع بناءه في الأرض ويستمر ما دام أس بنائه قائماً فيها ، فلا يكلف برفع بنائه ، ولا بقلع غراسه ما دام يدفع أجرة المثل المقررة على ساحة الأرض المحتكرة(36) .


 


ولكن الفقهاء لم يغفلوا من أمرين :       


 



الأمر الأول : أنه يجوز اشتراط إخراج المحتكر بعد المدة المتفق عليها ؛ لأن المشروط المتفق عليه مقدم على العرف السائد .


 


الأمر الثاني : أن لا يترتب على بقاء المحتكر بأجرة المثل ضرر على الوقف ، فإن كان فيه ضرر بأن يخاف منه الاستيلاء على الوقف ، أو أن يكون فيه تعسف بالوقف في استعمال هذا الحق فإنه يجوز أن يرفع الأمر إلى القاضي فيفسخه(37)  .


 


 


التحكير بغبن فاحش :


ما ذكرناه في اجر المثل فيما يخص الإجارة ينطبق على التحكير بغبن فاحش تماماً .


 


 


انتهاء الحكر :


 إذا خرب البناء الذي بناه المحتكر في أرض الوقف وزال عنها بالكلية ينقضي حق المحتكر في القرار فيها إذا انـتهت مدة الإجارة ، وكذلك الحكم إذا فنيت الأشجار التي غرسها في الأرض الزراعية الموقوفة(38) .


 


 


رابعاً : المرصــد :


 


 وهو الاتفاق بين إدارة الوقف ( أو الناظر ) وبين المستأجر أن يقوم بإصلاح الأرض وعمارتها وتكون نفقاتها ديناً مرصداً على الوقف يأخذه المستأجر من الناتج ، ثم يعطى للوقف بعد ذلك الأجرة المتفق عليها(39) .


 


 وهذا إنما يكون عندما تكون الأرض خربة لا توجد غلة لإصلاحها ، ولا يرغب أحد في استئجارها مدة طويلة يؤخذ منه أجرة معجلة لإصلاحها ، وحينئذٍ