وإذا كان الزحام قد وصل إلى مرحلة تهديد الناس فعلاً في حياتهم وأعضائهم وصحتهم فإن الزحام اليوم في منى تعتبر من أهم أنواع المشقة التي ترفع الحرج وتجلب التيسير والتسهيل والتخفيف .


 


 فقد اتفق الفقهاء على أن من أهم مبادئ الإسلام العظيمة التيسير ورفع الحرج ، وأن من أهم قواعده الكلية أن المشقة تجلب التيسير[1] ، أخذاً من نصوص كثيرة من ا لكتاب والسنة ، وإجماع الأمة ، منها قوله تعالى : (وما جعل عليكم في الدين من حرج)[2] وقوله تعالى :(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج)[3] وقوله تعالى : (يريد الله بكم العسر ولا يريد بكم العسر)[4] .


 


 والأحاديث الصحيحة متضافرة في تأكيد هذا المبدأ العظيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)[5] وحينما بعث معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى اليمن وصاهما بجوامع الكلم فقال لهما : (يسرا ولا تعسرا ، وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا)[6] وقال الحافظان النووي وابن حجر لو اقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على (يسروا) أو (يسرا) لصدق على من يصدق على مرة واحدة وعسر كثيراً ، فقال : (ولا تعسروا) لنفي التعسير في جميع الأحوال[7] وقال أيضاً : (بعثت بالحنيفية السمحة)[8] وقال أيضاً : (إن دين الله يسر ـ ثلاثاً ـ )[9] وقال أيضاً : (إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره )[10] وقال : (إن احب الدين على الله الحنيفية السمحة)[11] ولما سئل صلى الله عليه وسلم : أي الأديان أحب إلى الله ؟ قال الحنيفية السمحة)[12] وقال : (إنكم أمة أريد بكم اليسر)[13] .


 


 وقد ترجم البخاري : باب الدين يسر ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أحب الدين على الله الحنيفية السمحة) ثم روى بسنده عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلاّ غلبه فسددوا وقاربوا ، وأبشروا)[14] .


 


 قال الحافظ ابن حجر : (أي دين الإسلام ذو يسر ، أو سمي الدين يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله ، لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم ) ثم قال : (والمعني : لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلاّ عجز وانقطع فيغلب ، قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة ، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع ، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة ، فإنه من الأمور المحمودة ، بل منع الافراط المؤدي إلى الملال ، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل…وفي حديث محجن بن الأدرع عند احمد : (إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة ، وخير دينكم اليسرة) وقد يستفاد من هذه الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية ، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع ، كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضى به استعماله إلى حصول الضرر ،..)[15] . 


 


 وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم مهمة الأمة وبالأخص مهمة علمائها فقال : ( فإنما بعثتم ميّسرين ولم تبعثوا معسّرين)[16] .


 


 ولقد كان منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخذ بالأيسر والأسهل على الناس ما لم يكن إثماً فقد روى الشيخان بسندهما عن عائشة رضي الله عنها قالت : (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)[17] .


 


 وبناءً على هذه النصوص العظيمة استنبط الفقهاء منها هذه القاعدة القاضية بأن المشقة تجلب التيسير ، وخرّجوا عليها جميع رخص الشرع وتخفيفاته[18].


 


 وقد ذكر الإمام عزالدين أنواعاً من أسباب التخفيف في العبادات وغيرها ، ذكر منها السفر ، والمرض ، والعسر وعموم البلوى ، وأطال النفس في الأخير فذكر له تطبيقات كثيرة في كل مجالات الفقه ، ثم ذكر ضبط المشاق مستبعداً منها المشقة التي لا تنفك عنها العبادة غالباً مثل مشقة الصوم والحج ، وموضحاً بأن المشاق المقتضية للتخفيف هي المشقة التي تنفك عنها العبادات غالباً وهي على مراتب :



 


الأولى : مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء فهذه مشقة موجبة للتخفيف والترخيص قطعاً ، لأن حفظ النفوس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة ، أو عبادات يفوت بها أمثالها .


 


الثانية : مشقة خفيفة لا وقع لها ، كأدنى وجع في اصبع أو أدنى صداع في الرأس ، أو سوء مزاج فهذه لا أثر لها ، ولا التفات إليها ، لأن تحصيل العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها .


 


الثالثة : متوسطة بين هاتين المرتبتين ، فما دنا من المرتبة العليا أوجب التخفيف ، أو من الدنيا لم يوجبه كحمى خفيفة .


 


 ثم ذكر أن اصل وجوب الحج على الشخص يسقط بخوفه على نفسه ، أو أعضائه ، أو ماله ، وأما محظوراته فتباح بأعذار خفيفة فقال : (فالأعذار في إباحة محظوراته خفيفة ؛ إذ يجوز لبس المخيط فيه بالتأذي بالحرّ والبرد ، ويجوز حلق الرأس فيه بالتأذي من المرض والقمل ، وكذلك الطيب والدهن وقلم الأظفار)[19] .  


 


 وذكر أن تخفيفات الشرع ستة أنواع منها تخفيف إسقاط ، كإسقاط الجمعة والحج ، والعمرة والجهاد بالأعذار [20].  


 


 ومما ترتبط بهذه القاعدة : قاعدة أخرى وهي : (إذا ضاق الأمر اتسع) أصلّها الإمام الشافعي حيث أجاب بها في ثلاثة مواضع :


 



أحدها : فيما إذا فقدت المرأة وليها في سفر ، فولت أمرها رجلاً يجوز ، قال يونس بن عبدالأعلى : فقلت له : كيف هذا؟ قال : إذا ضاق الأمر اتسع ، (مع أن مذهب الإمام الشافعي كما هو معروف لا يجيز ولاية المرأة على نفسها في النكاح) .


 


الثاني : في أواني الخزف المعمولة بالسرجين؟ أيجوز الوضوء منها؟ فقال الشافعي : ( إذا ضاق الأمر اتسع) .


 


الثالث : حول الذباب الذي جلس على الغائط ثم يقع على الثوب ، حيث قال : إذا ضاق الأمر اتسع[21] .


 


 


 وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضرورة الأخذ بآراء بقية الفقهاء حتى ولو لم تكن راجحة في نظر الفقيه نفسه ، وهذا ما ندعو إليه بخصوص المبيت بمزدلفة وبمنى ، ورمي الجمرات في الأيام الأربعة .  


 


 وبناء على ما سبق فإن الذي يظهر رجحانه هو أن الزحام من أهم أنواع المشقة الموجبة للتخفيف ، حيث ترتب عليه فعلاً القتل والإيذاء والأمراض ، وأصبح ذلك متكرراً في كل عام وإن كانت بعض الأعوام أخف ، ويكفي للتخفيف مجرد الخوف من هلاك النفس ، فما ظنكم بالموت المتحقق الناتج عن ا لزحام في منى كل عام .


 


 فنحن هنا لا ندعو إلى التخفيف في الرمي والمبيت مطلقاً ، وإنما ندعو إلى الأخذ بأيسر الآراء ، وأن يعطى هذا الحق لولي أمر المسلمين ليأخذ بأيسر الآراء وأوسعها . 


 


 ثم إن دعوتنا هذه إلى التخفيف ليست بشأن الأركان والفرائض ، وإنما بشان الواجبات التي فيها الخلاف حتى في وجوبها لدى جماعة من كبار الفقهاء ـ كما سبق ـ ومما يؤكد ذلك قواعد كلية أخرى ، ومبادئ عامة أخرى مثل قاعدة : (الضرر يزال) المعتمدة على الحديث الثابت الوارد بلفظ (لا ضرر ولا ضرار)[22] حيث يجب على ولي أمر المسلمين وكل من يستطيع أن يكون مؤثراً أن يسعى جاهداً لدفع الأضرار الناتجة عن ا لزحام بمنى بكل الوسائل المتاحة فقهياً وفنياً ، وإدارياً وتنظيمياً ، بحيث لو أن المشكلة تحل بالتوسع في الأخذ بالآراء الفقهية لوجب عليه ذلك .


 


 كما انه لا يقال إن في ذلك دعوة لترك الأفضل والأحوط ، لأن هذا هو شأن الفرد نفسه ، ولكن بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر بالآخرين ، أو قتل البعض ،أو إيذاء كما يحدث اليوم أيام الذروة في منى ، فلو أخذت الدولة بأوسع الآراء تطبيقاً للقاعدة (إذا ضاق الأمر اتسع) يبقى أما الآخرين سعة في أن يؤدوا مناسك حجهم في أوقات مناسبة حسب الآراء المتعددة التي ذكرناها ، فقد أدخلت المملكة كثيراً من القيود من حيث العدد المخصص لكل دولة ، ومن حيث عدد الحجات فهل يقال : عن المملكة أنها تمنع الناس من أداء الحج؟ أبداً بل إنها تنظم عملية الحج حسبما يحقق المصالح وبدرأ المفاسد .والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل .



 


الأدلة العامة المعتبرة على هذا التيسير :


 


 ذكرنا في البحث أدلة الفقهاء في كل المسائل التي ذكرناها ، وهنا نلخص الأدلة العامة على هذا التيسير الذي ذكرناه بخصوص المبيت في المزدلفة ، او في منى ، والرمي لجمرة العقبة من بعد منتصف الليل ، وللجمرات من بعد الفجر في أيام التشريق الثلاثة ، وللتوسع في دائرة أوقات الرمي لتشمل وقت الرمي لكل يوم من الفجر إلى الفجر ، ليلاً ونهاراً .


 


يدل على ذلك ما يأتي :


 



أ ـ النصوص التي ذكرناها في السابق .


 


ب ـ عدم حصر أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج في الوجوب ـ كما سبق ـ .


 


ج ـ القياس ، أي قياس الرمي في يوم النحر ، أو بقية الأيام على الوقوف بعرفة ، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم مع انه قد وقف في زمان مخصوص ، ومكان خاص ، ومع ذلك فزمن عرفة يشمل نهار يوم عرفة إلى فجر ليلة العيد ، والقياس في العبادات (الشعائر) صحيح عمل به جمهور الفقهاء ، يقول الجصاص (ت370هـ) : (لا خلاف بين الصدر الأول والتابعين وأتباعهم في إجازة الاجتهاد والقياس على النظائر في أحكام الحوادث..) ثم ذكر جملة من الأقيسة في باب العبادات والشعائر وغيرها ، ومنها ما فعله الصحابة من أقيسة واجتهادات في أبواب الطهارة والتيمم ، والصلاة ، والصوم ، والحج[23]، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قاس دين الله (الحج ،والصوم) على دين الآدمي ، حيث حينما قالت المرأة الخثعمية : (أن أبي أدركته فريضة الله في الحج وهو شيخ كبير لا يستمسك على الراحلة ، أفأحج عنه؟ فقال : (أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه ، أكان يجزئ؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحق)[24]  وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : (إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، فقال أرأيت لو كان عليها دين ، أكنت تقضينه ؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحق بالقضاء)[25] وقد ورد في مثل ذلك أحاديث كثيرة أخرى منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر عندما قال : قبلت وأنا صائم ! قال : (أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت لا بأس به ، قال: ففيم إذاً )[26] قال الجصاص : (فقايسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورده إلى نظيره…)[27] ثم ذكر جملة من الأقيسة في العبادات لدى الفقهاء[28] .


 


 ذكر ابن النجار الحنبلي أمثلة للقياس في باب العقيدة والعبادات للصحابة الكرام ، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)[29] وقلت أنا : (ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة) ثم قال ابن النجار : (وشرط حكم الأصل : كونه شرعياً)[30].


 


د ـ مبدأ التيسير ورفع الحرج الذي رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً ، وفي منى بشكل خاص حيث ما سئل عن شيء يخص أحكام الحج في منى إلا قال : (افعل ولا حرج ) كما سبق .


 


هـ ـ قاعدة : المشقة تجلب التيسير ـ كما سبق ـ .


 


و ـ قاعدة درء المفسدة ، وتحقيق المصلحة ، حيث يموت بسبب الزحام كل عام عشرات ، بل مئات من الحجاج ، وبالتالي تترتب على ذلك مفسدة من اعظم المفاسد ، وهي قتل النفس ، وتلف المال ، وهذه المفسدة العظيمة تدرأ إذا أخذنا برأي هؤلاء الفقهاء في التوسع في دائرة وقت الرمي لتشمل من بعد منتصف الليل يوم النحر إلى فجر اليوم الثاني بالنسبة لجمرة العقبة ، ولتشمل من بعد الفجر من أيام التشريق الثلاثة إلى فجر اليوم الثاني بالنسبة لليومين الأول والثاني ، وإلى غروب الشمس بالنسبة لليوم الثالث .


 



 ومن المعلوم أن درء المفاسد من اعظم مقاصد الشريعة ، يقول العز بن عبدالسلام : (وقد أمر الله تعالى بإقامة مصالح متجانسة ، وزجر عن مفاسد متماثلة…والمصالح المحضة قليلة ، وكذلك المفاسد المحضة ، والأكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد)[31] وإنما العبرة بالغالب الأكثر تطبيقاً لقولة تعالى في الخمر : (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )[32] ولذلك حرمهما ويقول العز : (والضابط أنه مهما ظهرت المصلحة الخلية عن المفاسد يسعى لتحصيلها ، ومها ظهرت المفاسد الخلية عن المصالح يسعى لدرئها)[33] .


 


 وقد ذكر العلامة العز بن عبدالسلام حالة اجتماع المصالح الأخروية وتعذر تحصيلها حصلنا الأصلح ، فالأصلح ، لقوله تعالى : (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)[34] .


 


 فإذا استوت مع تعذر الجمع تخيرنا ، وقد يقرع ..ثم ذكر أمثلة من التشريعات قامت على ذلك منها تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلوات ، لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة[35] ثم أكد في الأخير ضرورة درء المفسدة الأعظم من المصلحة حيث قال : (فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ، ولا يبالى بفوات المصلحة)[36] . 


 


 وقد صرح ابن القيم بأن مبنى الشريعة الإسلامية على المصالح ودرء المفاسد حيث يقول : ( فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها ،وهي نوره الذي ابصر به المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون ، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل ، فهي قرة العيون ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ؛ فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة ، وكل خير الوجود فإنما هو مستفاد منها ، وحاصل بها ، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها)[37] .


 


 وقصدي من هذا العرض أن هذه المفاسد الناجمة من الزحام بسبب الرمي في أوقات مخصوصة تكون دافعاً لترجيح رأي فقهي معتبر وإن كان مخالفاً لرأي جمهور الفقهاء ، ولا سيما أن وقت أداء الرمي موسع ، وأنه لو ترك الرمي كله ولم يؤد إلاّ في اليوم الأخير فلا يترتب عليه إثم ولا دم عند كثير من الفقهاء منهم الحنابلة ، قال ابن قدامه : (إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده ، أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة ، ولا شيء عليه….وبذلك قال الشافعي وأبو ثور…)[38].


 


 يقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله : (فأنت إذا وازنت بين استدلال صاحب الرسالة ـ يعني رسالة الشيخ عبدالله بن زيد ـ واستدلال الجمهور رأيتها متقاربة ، إن لم نقل : تكاد ترجح ، أما بحث صاحب الرسالة واستدلاله بجواز الرمي قبل الزوال وفي الليل فهو بحث علمي ، ومثله ودونه وأكثر منه يبحث فيه أهل العلم ، ولا يعد شذوذاً ومنكراً)[39] .


 


 ثم أضاف دليلين آخرين فقال : (ويمكن الاستدلال عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كثرت عليه الأسئلة ممن سأل عن التقديم والتأخير والترتيب : (افعل ولا حرج) وأحسن من هذا الاستدلال بحديث ابن عباس المذكور حيث قال له رجل : رميت بعدما أمسيت ، قال : (افعل ولا حرج).


 


 ووجه ذلك أنه يحتمل أن قوله : (بعد ما أمسيت) أي بعد الزوال لأنه يسمى مساءً ، ويحتمل أن يكون بعد ما استحكم المساء وغابت الشمس فيكون فيه دلالة على جوازه بالليل ، ودلالة أيضاً على جوازه قبل الزوال ، لأن سؤاله عن جواز الرخصة في الرمي بعد المساء ، كالمقرر عندهم جوازه في جميع اليوم ، بل ظاهر حال المسائل تدل على أن الرمي قبل الزوال هو الذي بخاطره ، وإنما أشكل عليه الرمي بعد الزوال فذلك سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم .


 


 وصاحب الرسالة لم يتعرض في استدلاله بهذه اللفظة المذكورة في الحديث وهي قوله : (بعد ما أمسيت) ، كما انه لم يتعرض بالاستدلال بدليل آخر ، وهو أن أيام التشريق كلها لياليها ونهارها أيام أكل وشرب وذكر الله ، وكلها أوقات ذبح ..وكلها يتعلق بها على القول المختار طواف الحج وسعيه في حق غير المعذور…فكذلك الرمي[40].       


 اعلى الصفحة
 





  1. الأشباه والنظائر للسيوطي ص 160




  2. سورة الحج / الآية 78




  3. سورة المائدة  / الآية 6




  4. سورة البقرة الآية 185




  5. الحديث رواه البخاري في صحيحه ، كتاب العلم ـ مع فتح الباري ـ (1/163) ومسلم كتاب الجهاد          (3/1358) وأحمد (3/131 ، 209)




  6. صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ كتاب الجهاد (6/162) ومسلم (3/1359)




  7. فتح الباري (1/163)




  8. رواه أحمد في المسند (5/266، 6/116 ،223) ويراجع : كشف الخفا (1/251)




  9. رواه أحمد في مسنده (5/69) وبلفظ (إن هذا الدين يسر)




  10. مسند أحمد (4/338، 5/32)




  11. رواه الطبراني في الأوسط ، انظر السيوطي في الأشباه ص 161




  12. رواه البخاري في الدب المفرد عن ابن عباس ،انظر كشف الخفاء (1/52ـ 53) والمقاصد الحسنة ص 185




  13. مسند أحمد (5/32)




  14. صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، فتح الباري (1/93)




  15. فتح  الباري (1/94 – 95)




  16. رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الوضوء / فتح الباري (1/323) وأحمد (2/239 ـ 282)




  17. صحيح البخاريـ مع الفتح ـ كتاب  الأدب  (10/524) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا) وكان يحب التخفيف والتيسر على الناس ، ومسلم كتاب الفضائل (4/1813) وأحمد                      (6/281،262،232،223،209،191،189،182،162،130،114،85)




  18. الأشباه والنظائر للسيوطي ط.دار الكتاب العربي ص 162




  19. قواعد الأحكام للعز بن عبدالسلام ، ط.مؤسسة الريان بالقاهرة ص( 192 – 195) والأشباه والنظائر للسيوطي ص (168 – 169)




  20. قواعد الأحكام ص 192 ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 170




  21.  الأشباه والنظائر ص 172




  22. رواه مالك في الموطأ ص 464 وأحمد (1/313 ، 5/527) وابن ماجه ، كتاب الأحكام (2/784)




  23. الفصول في الأصول للجصاص ، تحقيق د.عجيل جاسم النشمي ط.أوقاف الكويت عام 1414هـ (4/23-48)




  24. الحديث بهذا اللفظ رواه النسائي (5/117) وأحمد في مسنده (4/5) والترمذي (3/269) والحديث بأصله رواه البخاري في صحيحه مع فتح الباري (3/378)




  25. صحيح مسلم ، كتاب الصوم (2/804)




  26. الحديث رواه أبو داود في سننه،عون المعبود(7/11)وأحمد(1/215) والحاكم (1/431) وقال:صحيح على شرط الشيخين .




  27. الفصول (4/49)




  28. المصدر السابق (4/130)




  29. صحيح البخاري (2/69) وصحيح مسلم (1/94) ويراجع:شرح الكوكب المنير،تحقيق د.محمد الزحيلي، ود.نزيه حماد ط.جامعة أم القرى عام 1408هـ (4/10)




  30. شرح الكوكب المنير (4/17)




  31. قواعد الأحكام ط.مؤسسة الريان بالقاهرة (1/6،14)




  32. سورة البقرة/ الآية (219)




  33. قواعد الأحكام (1/47)




  34. سورة الزمر/ الآية (18)




  35. قواعد الأحكام (3/455)




  36. المصدر السابق




  37. إعلام الموقعين عن رب العالمين ج3 ص 3




  38. المغني (3/455)