الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

وبعد

  فإن المؤسسات المالية الإسلامية ( المصارف والتأمين التكافلي وشركات الاستثمار والتمويل )  قد خطت خطوات جادة ، بل قفزات جيدة نحو شمولية الأدوات وتنوع الصيغ ، وكثرة الآليات التي تلبي حاجيات الأفراد والمجتمعات والدول الإسلامية ، فلم يعد هناك عذر ( لو كان هناك عذر ) لعدم الإقدام على أسلمة المؤسسات المالية بحجة عدم وجود الصيغ المناسبة للتمويل والاستثمار والتنمية .

  وتأتي هذه الندوة : ( مستقبل العمل المصرفي الإسلامي ) في هذا الاطار الجيد ، بل نحو تأطير هذه الآليات وتطويرها بناءً على أن ما تم تحقيقه ـ مهما بلغ ـ فهو لا يزال في بداية الطريق الطويل ، بل إن من سنن الله تعالى أن من لم يزاول التقدم ويستمر عليه فإنه يتأخر أو أنه قد تأخر فعلاً بمجرد توقفه عند أية نهاية ، فالنشاط البشري ليس له نهاية ، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم إذ يقول : (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ )  حيث لم يقل ( أو يتوقف ) لأن التوقف هو داخل في التأخر ، فمن توقف فقد سبق بالآخرين الذين لا يتوقفون ، وبالتالي فقد تأخر .

  ونحن هنا نتحدث عن مستقبل المصارف الإسلامية في ظل ما يعتبر صعوبات شرعية لتطوير وابتكار المنتجات المالية الإسلامية ، والأزمة المالية العالمية ، حيث نتناول هذه الصعوبات ، وأنواعها ، والبدائل الممكنة لها ، ولكن الأهم من ذلك هو أن البحث سيركز على اظهار أن ما يسمى بالتحديات هي مجرد صعوبات تظهر في البداية فقط ، أما لدى التعيق والتحقيق فإنه لا يمكن أن تقف الشريعة أو تطبيقها عائقاً أمام التطور والابتكار ، لأن الشريعة في حقيقتها خير كله ، ورحمة كلها ، وعدل كلها ومصلحة كلها ، وأينما تكن المصالح الحقيقية فثمة شرع الله ، وأينما كانت الشريعة فثمة المصالح والمنافع الدنيوية والاخروية (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ )  ولذلك كان توجيه القرآن للمؤمن أن يكون شعاره طلب خيري الدنيا والآخرة فقال تعالى : (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )  .

  وسوف أتحدث بإذن الله تعالى عن هذه الصعوبات مع الحلول لننتهي في الأخير إلى بيان أهم الصعوبات أمام تطوير وابتكار المنتجات المالية الاسلامية ، وهي عدم تطبيق الشريعة ومبادئها ومقاصدها بصورة كاملة ، وعدم التزام بعض هذه المنتجات بقواعد الشريعة الغراء .  

 ونختم بحثنا هذا ببيان مقاصد الشريعة في هذه الصعوبات ، والحديث عن مستقبل المصارف الإسلامية في ظل هذه الصعوبات ، والأزمة المالية المعاصرة .

   والله تعالى أسأل أن يكسو عملنا ثوب الاخلاص ، وأن يلهمنا الصواب ، ويعصمنا من الزلل والخلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .

 

التعريف بالعنوان :

أ ـ الصعوبات ، جمع صعوبة ، وهي لغة يقصد بها : الشدة والصلابة   .

  والمقصود بالصعوبات التي تواجه المؤسسات المالية الاسلامية في سبيل تطبيقها لأحكام الشريعة الاسلامية الغراء في ظل عالم يسوده الربا ، والمنتجات الربوية التي ملأت العالم ، وتسوق لها وسائل الاعلام والمؤسسات المالية الرأسمالية العملاقة .

  ومما لا شك فيه أن الأدلة الشرعية تدل على وجود صعوبات في تطبيق الشريعة ، والالتزام الكامل بها ، فالتكليف هو :  التزام ما فيه كلفة ومشقة ، ولكنها مشقة محتملة في سبيل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة  ، وخصوصاً في العصور المتأخرة ، وبالأخص في عصرنا الحاضر.

ب ـ المنتجات المالية الاسلامية :

  المقصود بالمنتجات المالية الاسلامية هي الصيغ والعقود والآليات المالية التي تلتزم بأحكام الشريعة الاسلامية ، وتضاهي في إمكانية تطبيقها ومرونتها المنتجات المالية ، ولكنها تمتاز بالمبادئ ، والمميزات الخاصة بالاقتصاد الاسلامي ، من الملكية ، والمشاركة ، وأن الغرم بالغنم والخراج بالضمان .

  وهذه المنتجات تبدأ بالعقود ، وتنتهي بالصكوك الاسلامية التي في حقيقتها منظومة تقوم على أساس عقد من العقود المالية المشروعة .