الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وخاتم الرسل والنبيين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

وبعد :

 

 فإن الله تعالى ـ حسب رؤية الاسلام ـ قد حدد دور الانسان منذ أن خلقه بيده ونفخ فيه من ورحه ، وهو تعمير الكون تعميراً شاملاً ، وصناعة الحياة حياة طيبة مباركة يستمر فيها الانسان سعيداً مرتاحاً مطمئناً تحوطه السكينة والراحة النفسية المتوازنة في دنياه ، وفي قبره ، وأخراه ، فيبدأ بجنة الدينا ليتحول إلى روضة القبر ، وينتهي بخلود في جنة الخلد والفردوس الأعلى .

 هذا ما يريد الله تعالى من عباده في الدنيا ليحولوها مزرعة الآخرة ، وهذا ما دلت عليه النصوص الصريحات الواضحات من الآيات البينات ، والأحاديث النبوية الشريفة ، منها قوله تعالى للملائكة عند خلق آدم : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )[1] وقوله تعالى : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا )[2] قال الإمام أبو بكر الجصاص (ت370هـ) في تفسير هذه الآية : ( نسبهم إلى الأرض ، لأن أصلهم ـ وهو آدم عليه السلام ـ خلق من تراب الأرض ، والناس كلهم من آدم عليه السلام .. ، و ” وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ” يعني أمركم من عمارتها بما يحتاجون إليه ، وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس ، والأبنية )[3] .

   ولتحقيق هذا الهدف زود الله تعالى هذا المخلوق الجديد ( الإنسان ) بكل مفاتيح التعمير وهي العلم ، فقال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا )[4] وقال تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[5] والعقل ، والقدرة ، والاختيار ، والارادة ، ونحوها من الصفات التي منحها الله تعالى لهذا الإنسان ، حتى يكون قادراً على تحويل الأرض إلى الجنة في الدنيا متطلعاً إلى جنة الخلد في الآخرة .

 وهنا نستطيع القول بأن أبانا آدم عليه السلام حينما تعلم من الله تعالى ما أراد ونجح في الامتحان مع الملائكة كانت الهدية والجائزة العظيمة التي منحها الله إياه ربّ العالمين هو إكرامه بدخول الجنة ، أي أن الجنة كانت جائزة النجاح .

  وتتجلى هذه المفاتيح وهذه المقاصد في الرسالة الخاتمة ( القرآن الكريم ) ، حيث تنزل أول آية وأول سورة حول القراءة والعلم ، وإصلاح النظام التعليمي فقال تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[6] .

  والنباتات البرية والمائية هي من أعظم أنواع التعمير ، وأكثرها فائدة ، وأعظمها أجراً عند الله تعالى ، ولذلك فكل عناية تبذل في هذا المجال فهي في موضعها .

  ومن هنا فإن ” حديقة القرآن الكريم ” التي تبنته دولة قطر ممثلة في مؤسسة قطر للتعليم تستحق كل شكرنا وتقديرنا لها ، ولجميع العاملين فيها ونخص بالشكر الأخ الفاضل الدكتور سيف الحجري على كل جهوده المباركة في ترتيب هذه الندوة المباركة ولأخينا الأستاذ الدكتور كمال البتانوني على جهوده العملية ، ودعوتنا للمساهمة بهذا البحث الذي أرجو أن يكون محققاً أهدافه المنشودة .

  ونحن في هذا البحث نتطرق إلى مقاصد القرآن الكريم في ذكر النباتات والجنات بشيء من التفصيل والتأصيل بعد أن نوجز القول في عناية القرآن الكريم والسنة النبوية بالنباتات وعلاقات الانسان بالنبات .

  والله أسأل أن يجعل التوفيق حليفي ، وأن يلبس عملي ثوب الإخلاص  ، ويعصمني من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .

 

    كتبه الفقير إلى الله

علي بن محي الدين القره داغي

الدوحة – ذي القعدة 1429هـ