الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم، ورجعنا إلى السيرة المطهرة لنبينا العظيم، وتاريخ خلفائه الراشدين لوجدنا أن هذا الدين قد قام على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وانتشر بها، حيث حملته وسارت به مسيرة الشمس، وأدخلته في جميع أنحاء العالم.
فقد بدأ بالدعوة المباركة رسولنا الكريم قدوة الدعاة وقائدهم، سيدنا محمد ﷺ، وقام بالتبشير بها، وإنذار من يتولى عنها بمجرد ما كلفه الله تعالى بها: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ﴾( )، وتحمل في سبيلها الكثير والكثير من الأذى، ولم يلتجئ إلى القوة إلا دفاعًا، وحماية، ودرءا للفتنة التي أحدثها المشركون.
لذلك فالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة هي السبيل الأول لنشر الإسلام، ولذلك أولى لها الإسلام عناية قصوى، ففرضها على عباده المؤمنين: كل بقدره فقال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آَيَةً»( ).
وحصر الفلاح فيمن يقوم بها فقال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾( ).
وجعل خيرية هذه الأمة مرتبطة بها فقال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾( ).
بل وجه الله تعالى خطابه إلى نبيه بوجوب التبليغ لجميع ما أنزل الله فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾( )، وقال تعالى أيضًا: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾( ).
وقد سار في طريق الدعوة الصالحون على مرّ تاريخنا حتى إن أكثر من ثلث العالم الإسلامي دخل في الإسلام عن طريق الدعوة، بل إنني أقول: إن كل العالم الإسلامي دخل في الإسلام عن طريق الدعوة؛ لأنها الطريق الوحيد لإدخال الإيمان في القلوب.
ولكن الدعوة على الرغم من أهميتها وقدمها تحتاج إلى تجديد في الأسلوب والخطاب، ومتابعة لمنهجه الصحيح، لذلك كانت عناية رابطة العالم الإسلامي بهذا الموضوع الحيوي، وجاء خطاب معالي الأمين العام أ. د. عبد الله بن عبد المحسن التركي بتكليفي ببحث حول:
«فقه الدعوة في ضوء الكتاب والسنة»
ولم يسعني إلا الاستجابة من خلال الرجوع إلى الكتاب الكريم وتفاسيره، والسنة النبوية وشروحها، وإلى المصادر والمراجع المهمة في هذا المجال، حيث تناولنا بشيء من التفصيل أركان الدعوة، وركزنا على المنهجية المطلوبة لنجاحها، والأسلوب الأمثل لتأثيرها، والخطة الاستراتيجية لنشرها السريع داعيًا الله تعالى أن يجعل ما جاد به القلم محققًا الغاية والأهداف المنشودة من التكليف، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.
** * **