بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين . وبعد : 

تمهيد :  

فلو ألقينا نظرة سريعة على الأحكام الشرعية ، والتكاليف التي كلفنا بها لوجدنا أن أكثرها قد أخذت واستنبطت من السنة النبوية المشرفة ، إذ أن القرآن الكريم اكتفى في أكثر الأمور برسم المبادئ العامة والقواعد الكلية ليترك الباقي للسنة النبوية لتقوم بدورها في البيان والتفصيل ، والتوضيح من خلال الأقوال والأفعال ، والتقرير …

 ثم إن دلالة هذه الأنواع الثلاثة للسنة على الأحكام ليست على سنن واحد ، لذلك لا بد أن يفرد كل نوع بمبحث خاص حتى لا يقع لبس ، أو خلط ، أو غموض ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإننا نجد أن هناك أنواعاً أخرى للسنة ــ مثل الترك ، والهم بالشيء ، والإشارة والكتابة ــ أدخلها بعض الأصوليين في الفعل [1]  ، ولكنها لدى التحقيق ظهر لنا أن دلالة كل نوع على الحكم الشرعي ، وأنواعه تختلف عن الآخر ، وأن بينها فروقاً جوهرية في هذا المضمار ، فعلى سبيل المثال أن الفعل دليل على مطلق الإذن في حين أن الترك ــ كما قال الشاطبي ــ دليل على غير ذلك [2]  لذلك نرى أن تستقل كل هذه الأنواع في مباحث مستقلة ، وذلك لأن السنة القولية لها أحكامها الخاصة ، ودلالتها المتميزة التي لا توجد في غيرها من بقية أنواع السنة ، فالخاص ، والعام ، والإطلاق والتقييد والحقيقة ، والمجاز ، وغير ذلك من المباحث اللفظية لا تنسحب على الفعل ، والتقرير ، والهم ، والترك ونحوها . 

وبالإضافة إلى ذلك فإن السنة القولية تستوعب الأحكام التكليفية ، والوضعية من إيجاب ، وندب ، وتحريم ، وكراهة ، وإباحة ، ومن فرض ، وكراهة تحريم ، ومن سبب وشرط ، وركن ، ومانع ، وصحة وبطلان وفساد ، وتستنبط كل هذه الأحكام منها في حين أن أفعال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا توصف بالحرمة ، ولا بفاسد أو باطل ، أو نحو ذلك .

 ثم إن الذهن يتبادر من إطلاق ” أفعاله ” إلى الفعل الصريح الواضح دون الترك ، والإشارة والكتابة ونحوها ، كما أن الفعل الصريح الواضح يستفاد منه الوجوب والندب والإباحة ــ سواء كان ذلك بسبب قرينة ، أو بدونها حسب الخلاف الآتي ــ لكن الترك والهم بالشيء ونحوهما لا يستفاد منه هذه الأحكام ، ولا يدل على جميعها فكل ذلك يستدعي أن يخصص لكل واحد منها مبحث مستقل .


 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. يقول الشاطبي في الموافقات ، ط . دار المعرفة ( 4/58 ) وأما الفعل فيدخل تحته الكف عن الفعل ، لأنه فعل عند جماعة ، وعند       كثير من الأصوليين أن الكف غير الفعل . يراجع : البحر المحيط مخطوطة ( تيمور 101 ) ج 2 ورقة 116 .

  2.  الموافقات ( 4/58 ــ 59 ) .