بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين ، ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

 

وبعد :

فإن
الوقف لا يزال طرّة الحضارة الإسلامية ، وتاج مدنيتها وأحد أهم أسباب رقيها
وتقدمها ، حيث كان يمثل مؤسسات المجتمع المدني في جميع مجالات الحياة العلمية
والثقافية والفكرية ، والإنسانية ، والصحية ، وغيرها ، حيث تركت الدولة منذ عصر
الدولة الأموية إلى سقوط الخلافة العباسية معظم شؤون المجتمع المدني للعلماء والقضاة
وعامة الناس ، فكانت الدولة مشغولة بأمور السياسة والحكم والعسكر والجهاد ، فيما
كان العلماء من خلال القضاء ، ودور الإفتاء والنظارة يقومون بإدارة مؤسسات المجتمع
المدني التي أدت إلى حضارة راقية شهد بِرقيِّها المنصفون من غير المسلمين ،
فالمجتمع الإسلامي كان يقوم بواجبه دون انتظار مما تفعله الدولة ، وهذا هو سر تقدم
الحضارة الإسلامية على الرغم من المشاكل السياسية .

فقد
كان دور الوقف عظيماً لأنه كان مرتبطاً بمقاصد عظيمة تحقق التنمية الشاملة  والحضارة الرائعة .

وعندما
تخلف المسلمون اضمحل دور الأوقاف ، وربط بمقاصد جزئية ، بل نستطيع القول : إن دور
الأوقاف ومقاصدها حينما ضعف أصاب المسلمين تخلف في معظم مجالات الحياة ، ولذلك
تأتي عناية بنك التنمية في محلها ، من خلال تخصيص هذه الندوة بأمور الوقف ، وبخاصة
بمقاصده العامة .

ومن
هنا سعدت فعلاً بتكليف بنك التنمية إياي أن يكون موضوع بحثي هو : الإطار الشرعي
للوقف ومقاصده العامة ، حيث تناول بحثي التأصيل الشرعي للوقف من خلال أدلته المعتمدة
، وربما كان ربطي الوقف بالقرض الحسن ، وإدخاله في قوله تعالى :(( وأقرضوا الله
قرضاً حسناً )) جديداً في هذا المجال يستحق المناقشة ، حيث توصل البحث إلى أن
مصطلح : ( إقراض الله قرضاً حسناً ) المكرر في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة يراد
به أنواع البر وعلى رأسها الوقف كما فهم ذلك الصحابة الكرام ـ كما سيأتي ـ حيث
توصلنا في البحث إلى أن القرآن الكريم أولى عناية قصوى بأمرين هما : الجهاد في
سبيل الله ، وإقراض الله قرضاً حسناً ، حيث وجدنا أن المصطلح الأول يراد به حماية
الدين ، وحماية المجتمع من مخاطر الخارج ، ولذلك فهو فرض كفاية ـ على أقل تقدير ـ
في حين أن المصطلح الثاني ( إقراض الله قرضاً حسناَ ) يراد به حماية المجتمع من
الداخل ، فهو نظام مالي تكافلي طوعي على مستوى الأفراد ولكنه من فروض الكفاية ،
بحيث يجب على المجتمع توفير الحياة المادية الكريمة لكل أفراده كما يجب توفير
الحياة المعنوية ( الدين والقيم ) من خلال الجهاد في سبيل الله بمعناه الشامل
للدعوة إلى الله تعالى أيضاً .

ثم
تطرقت إلى المقاصد العامة ، والخاصة للوقف حيث بينت ذلك بشيء من التفصيل ،
والتأصيل .

واللهَ
أسأل أن يسبغ عليّ ثوب التوفيق ، ويلبسني لباس التقوى والإخلاص ، وأن يعصمني من
الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل ، ويتقبله مني بفضله ومنّه إنه حسبي ومولاي
فنعم المولى ونعم النصير .

 

 

 

كتبه الفقير
إلى ربه

أ .د : علي
القره داغي

6 شوال 1432
هـ