بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الهادي الأمين ، وعلى آله الأطهار الطيبين ، وصحابته الغرّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد
فإن الوقف قد أدى دوراً عظيماً في الحضارة الإسلامية حتى يمكن القول بأنها حضارة الوقف ، حيث نهض الوقف بتلبية الاحتياجات العلمية ، والاجتماعية ، والعبادية ، والتنمية البشرية والاقتصادية ، ونهض بدوره في مجال التقدم العملي في مختلف مجالاته الدينية والطبيعية والطبية ….فكانت مدارس الوقف ، وكتاتيبه وجامعاته وجوامعه منابر للعلم ومشاعل للنور ، وعلاجاً للجهل والتخلف ، كما كانت مستشفياته (بيمارستان) موطناً للاستشفاء وعلاج الإنسان في بدنه وصحته ، كما كانت الأوقاف الإسلامية الخاصة بالطلبة بأهل العلم مصادر عظيمة لتحقيق الكفاية الذاتية لهؤلاء ، وأسباباً مؤثرة في استقلال مؤسسات التعليم وأهله ، وفي استمرارها واستقرارها وديمومتها .
وقد اقتبس الغرب هذا النظام ـ مع شيء من التعديل والتطوير ـ فقامت معاهده ، وجامعاته الكبيرة عليه فنهضت العلوم والتكنولوجيا في ظل الأمن الاقتصادي نهضة شاملة تراها اليوم قد بلغت ذروتها من الناحية المادية والتكنولوجية ، في حين غيب دور الوقف في العالم الإسلامي منذ فترة ليست وجيزة ، واعتدى على أمواله وممتلكاته المعتدون ، كما سيطر على إدارة ما بقي منه من ليس أهلاً لذلك ، فضاع منه الكثير والكثير حتى تنبه لذلك في عصر الصحوة الإسلامية المباركة المخلصون فبدأت الجهود الكبيرة تأخذ مجراها الطبيعي لإعادة هذا الدور إليه ، وإقامة المجد عليه وما عناية المجامع الفقهية الإسلامية ، وعقد مؤتمرات كبيرة من قبل وزارة الأوقاف في الدول الإسلامية إلاّ جزء من هذا الاهتمام .
والعناية بالوقف لا ينحصر دورها في الجانب التنظيمي ، وفي التشجيع على الوقف ونحوه ، وإنما لا بدّ أن تأخذ طريقها نحو الجانب الاقتصادي الذي يعتبر موضوع استثمار الموقوف وغلاته من أهم هذه الموضوعات ، إذ من خلال ذلك تتم تنمية الوقف وتتحقق مقاصده في البناء والاستمرار والديمومة والاستقرار ، وفي التنمية والزيادة والازدهار ، غير أن استثمار الوقف ليس على إطلاقه ، بل له ضوابطه وحدوده ، وهذا ما سنبحث عنه في هذا المبحث بإذن الله تعالى ، حيث أتطرق إلى استثمار الوقف ، وغلاته بالتفصيل في جزئياتهما ما يجوز استثماره وما لا يجوز ، وضوابط الجواز وحدود المنع ، ثم أتعرج نحو طرق الاستثمار القديمة والمعاصرة .
ختاماً أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه الخير والسداد والرشاد ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، ويعصمنا من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .