الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد الهادي الأمين ، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله المطهرين وصحبه الطيبين ، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين وبعد :
فإن الحديث عن المال والاقتصاد والملكية والعقد يعني الحديث عن النظام الاقتصادي والمالي في الإسلام ، وعن رؤية فقهنا العظيم وفلسفته في هذا المجال ، وعن فقه المعاملات المالية بكل نظمه ومبادئه ، وشروطه وضوابطه ، وعن العلاقة بين المال وخالقه ، وبينه وبين صاحبه ومالكه الظاهري ، لذلك فهو موضوع في غاية الأهمية ، لأنه يتعلق بإحدى الضروريات في الإسلام التي تتجاوز آثارها من حيث الحل والحرمة إلى مجالات العبادات والدعاء من حيث القبول والردّ ، وإلى الآخرة من حيث الثواب والأجر العظيم للعمل الحلال والانفاق من الحلال ، ومن حيث العذاب الشديد لهؤلاء الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، أو يأكلون أموال اليتامي والمظلومين فكأنما يأكلون في بطونهم ناراً .
ولكن هذا الموضوع المهم الواسع الذي يحتاج بحثه نحاول أن نوجزه في كتاب يركز على مقدمات ممهدات ، ومداخل للمبادئ والنظريات ، وعلى المقاصد والقواعد المهمات ، لذلك سميناه ( المقدمة ) لأن الهدف منه هو إعطاء صورة واضحة موجزة عن معظم ما يدور في عالم المال والاقتصاد والعقود ، وبيان المبادئ العامة والقواعد الكلية والضوابط الأساسية للمال ، والملكية ، والنظريات المهمة في العقود والشروط والتصرفات والاختيارات ، للوصول بقرائه إلى فقه مؤصل في النظام المالي ، وثقافة فقهية واعية في قضايا العقود والتصرفات ، ومفتاح لكيفية البحث عن حل القضايا المالية المعاصرة ، والمواصلة للوصول إلى اكتساب مهارات وقدرات على الترجيح بين الآراء والاستنتاج والاستدلال والاستنباط والاجتهاد بإذن الله تعالى.
وقد حاولت فعلاً أن يكون هذا الكتاب محققاً لعنوانه ، ومجسداً للأهداف التي وضع لتحقيقها ، وللرؤية التي ظهرت لنا من خلال تدريس مادته لطلبة كلية الشريعة والقانون لأكثر من عشرين سنة حيث استفدت من خلالها من ملاحظات الطلبة ومن ملاحظاتي على الكتاب المقرر الذي استفدنا منه ، لكن قدم تأليفه نسبياً ، وظهور قضايا جديدة في نطاق المال والملكية والعقود وإلحاح الكثيرين عليّ… كل ذلك دفعني إلى هذا التأليف الذي أتضرع إلى الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه ، وأن يحقق الغرض المنشود من تأليفه .
وقد جاء الكتاب في أربعة أقسام يتحدث القسم الأول عن المال ، تعريفه ، وأقسامه ، وأنواعه الجديدة ، والمال في الكتب التراث ، وموقف الإسلام من المال ، والغنى والفقر ، وأسباب كسبه ، وانتاجه ، وأحكام انفاقه ، واستثماره ، وتوزيعه واستهلاكه مع بيان الضوابط والشروط المطلوبة ، ومعالم النظام المالي في الإسلام .
وخصصنا القسم الثاني للاقتصاد الإسلامي نظاماً وعلماً ونظرية وحلاً للمشاكل من خلال رؤيته وفلسفته الخاصة بإيجاز شديد ، حتى يكون طالب العلم على علم بهذا الموضوع ليكون قادراً على الخوض في تفاصيله فيما بعد .
وكان من نصيب القسم الثالث الحديث عن الملكية التي تمتاز الأنظمة الاقتصادية من الإسلامية والرأسمالية والاشتراكية وتختلف بسبب النظرة إليها ، وقد تطرقنا كذلك إلى أنواع الملكية ، وأسبابها ، وما يدور حولها قديماً وحديثاً بإيجاز شديد .
وختمنا الكتاب ببحث نظرية العقد ، وأركانه ، وشروطه وعيوب الإرادة والتعاقد عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ، والخيارات ونحوها .
وقد حاولت أن أسير في كتابي هذا وفي غيره على المنهج الذي يكون اعتماده الأول على الينبوع الأول الذي لا ينضب ، وهو القرآن الكريم ، والسنة النبوية الثابتة ، ثم الرجوع إلى تراثنا الفقهي ، والأصولي ، والمالي ، والاقتصادي العظيم لعلمائنا الكرام ، والاستفادة منه ، وانتقاء درره المضيئة المفيدة المناسبة لعصرنا الحاضر مع التطرق إلى أهم المسائل الاقتصادية المقارنة بها ، ولكن هذا لم يمنعني من التركيز الأساسي في حلّ مشاكلنا الاقتصادية ، وقضايانا الفقهية على الاعتماد على المبادئ العامة والقواعد الكلية ، ومقاصد الشريعة ، والرجوع إلى الأدلة الجزئية إن وجدت لتلك المبادئ والمقاصد والنصوص العامة ، كما أنني لم أغفل في معظم مسائل الكتاب المقارنة بالقوانين الوضعية وبالأخص القانون القطري الجديد .
والذي أرجو من الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب مقدمة إلى عالم المال والاقتصاد ، ومدخلاً مباركاً إلى والملكية ونظرية العقد ، وأن يكتب لي التوفيق و يلبس عملي هذا ثوب الاخلاص ، ويعصمني من الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير .