الوثيقة أول دستور
يعطي حق المواطنة للآخر :
وقد تشكلت أول
دولة إسلامية في المدينة المنورة فقامت على قاعدة المؤاخاة بين المسلمين من
المهاجرين والأنصار ، وانهم أمة واحدة من دون الناس ، وأنهم كجسد واحد ، وان يدهم
واحدة ضد من عاداهم ، وعلى قاعدة العدل والمواطنة والحقوق والواجبات المتقابلة
لغير المسلمين الذين يتكونون من اليهود ( أهل الكتاب ) ومن المشركين الذين لم
يسلموا ، حيث كتب الرسول صلى الله عليه وسلم صحيفة ووثيقة يتعلق عدد كبير من
بنودها بحقوق اليهود وغيرهم من المشركين تضم حوالي 47 بنداً منها :
1 ـ أن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم ،وان
المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس .
2 ـ وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير
مظلومين ولا متناصر عليهم .
3 ـ وأن سلم المسلمين واحدة ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن
في قتال في سبيل الله إلاّ على سواء وعدل بينهم .
4 ـ وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضهم بعضا .
5 ـ وأنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله ،
وإلى محمد .
6 ـ وأن يهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين
.
7 ـ وأن على يهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم ، وان
بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وان بينهم النصح والنصيحة ، والبرّ دون
الإثم .
8 ـ وانه لا يأثم امرؤ بحليفه ، وإن النصر للمظلوم .
9 ـ وأنه لا تجار حرمة إلاّ بإذن أهلها .
10 ـ وأن ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار
يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله
على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه .
11 ـ وأن بينهم النصر من دهم يثرب .
12 ـ وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ، ويلبسونه فإنهم
يصالحونه ويلبسونه وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلاّ من حارب
في الدين .
13 ـ على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم .
14 ـ وان يهود الأوس مواليهم وانفسهم على مثل ما لأهل
هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة ، وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب
إلاّ على نفسه ، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة ، وأبرّه .
15 ـ وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم ، وانه
من خرج آمن ، ومن قعد آمن بالمدينة إلاّ من ظلم وأثم ، وإن الله جار لمن برّ
واتقى…..[1].
كما أكدت
الوثيقة على الحرية الدينية بكل وضوح فنصت على أن للمسلمين دينهم ، ولليهود دينهم
، وحتى حينما حاول بعض الأنصار أن يجبروا بعض أبناء عشيرتهم الذين تهودوا على
العودة إلى الإسلام أنزل الله تعالى : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ)[2] حيث
نصت إحدى مواد الصحيفة على ان : (لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم : مواليهم
وانفسهم إلاّ من ظلم نفسه وأثم فإنه لا يوتغ إلاّ نفسه…)[3] كما
اكدت الوثيقة على المسؤولية الشخصية تأكيداً لقوله تعالى : (ولا تزر وازرة وزر
أخرى )[4] .
غير أن اليهود
لم يحافظوا على هذه الوثيقة ومحتواها ، ونقضوا عهودهم مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأصابهم ما أصابهم بظلمهم ونقضهم العهود .
خلاصة ما في الوثيقة
:
نستخلص من بنود الوثيقة مجموعة كبيرة من الأحكام
والمبادئ العامة ، ونذكر هنا أهمها :
أ- الاعتراف بحقوق أهل الكتاب على أساس المواطنة في
يثرب حيث جعلتهم مع المسلمين أمة أي في المواطنة والسياسة والدفاع والنصرة للوطن
الذي يضم الجميع.
ب- الاعتراف بالتعديية الدينية الشاملة لليهود والنصارى
والمشركين.
ج- الالتزام بالنصرة المتبادلة بين الأمتين المختلفتين
في العقيدة ، وهما : أمة المسلمين ، وأمة اليهود على أساس المواطنة ، والشراكة في
الحقوق والواجبات أمام هذا الوطن .
فهذا الالتزام
التزام نحو الوطن وليس نحو الدين ، لأن دين كل واحد منهما مختلف عن الآخر ، وهنا
يظهر مفهوم ( المواطنة ) بكل وضوح وحقوقها ، ومسؤولياتها ، ولذلك ينبغي أن يكون
تعاملنا اليوم مع غير المسلمين على أساس المواطنة ، فلهم دينهم ولنا دين .
د- المساواة في الحقوق والواجبات في حق منح الجوار
والأمان إلاّ للمحاربين المشركين .
هـ- حرية التدين للجميع .