الدوحة
في 9 ريع الأول 1432هـ/ 12 فبراير 2011
الحمد
لله القائل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ
جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}
[الرعد:17]، والقائل: {وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}
[الشعراء:227]، والصلاة والسلام على النبي القائل: “واتقي دعوة المظلوم، فإنه
ليس بينها وبين الله حجاب”، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(أما بعد)
فقد تابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ثورة شعب مصر العظيمة من خلال رئيسه، والأمانة العامة، وجميع أعضائه أولا بأول، بل
دقيقة بدقيقة من خلال البيانات والخطب، والادعية وكل الدعم المعنوي، تابعها
الاتحاد وهو واثق ثقة مطلقة بنصر الله تعالى لهذه الثورة وإنجاحها، فقد بادر رئيس
الاتحاد في أول جمعة الغضب 28/01/2011 بإطلاق صيحته المدوية “ارحل يا مبارك”
عصمة للدماء وحماية لشعب مصر، ووقف رئيس الاتحاد مع هذه الثورة من أول يومها، ومعه
الأمانة العامة ومجلس الأمناء، وكل أعضاء الاتحاد، بل كل العلماء الربانيين ناصرا
ومشجعا وداعيا، وباعثا الأمل في نفوس الشباب، مرددا قول الشاعر:
إذا
الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
فقد صمدت الثورة ونجحت، فذل
الظلمة العتاة، وانحنى لطغاة لإرادة الشعب والثورة، ورحل مبارك، ورحل معه نظامه
الذي عاث في أرض مصر فسادا وظلما وطغيانا، ولم يسلم من ظلمه حتى أهل غزة العزة
فحوصروا بأوامره ونواهيه، بإقامة الجدار الفولاذي، فمات منهم من مات، ووقف مع
أعداء أمته ضد الدعاة المجاهدين والمخلصين داخل مصر وخارجها، ولكن انتهى عصر مبارك:
{فَقُطِعَ
دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].
إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينتهز
هذه الفرصة لتقديم تهانيه إلى شعب مصر العظيم صاحب الحضارة العتيدة والحصن الحصين
للأمة الإسلامية- على مر التاريخ- الذي ظهرت أصالته وحضارته، وقيمه العظيمة من
التنظيم الدقيق والحفاظ على ممتلكات الشعب، والإيثار، والمواساه والتفاني في خدمة
الآخر، حتى أصبح ميدان التحرير مدرسة للبناء والتعليم، وقدوة في عالم الثورة في
التفاني والتنظيم، فبارك الله في هذا الشعب الكريم وفي مصر العظيمة كنانة الله في
أرضه، فقد كانت ثورتكم ثورة مباركة، ثورة على الظلم والطغيان، ثورة حق على الباطل:
{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
زَهُوقًا} [الإسراء:81].
والتهنئة العظيمة لشباب مصر الذين أبلوا
بلاء حسنا في القدوة وضبط النفس والتضحية والفداء والإيثار، ويصدق قوله تعالى فيهم:
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}
[الكهف:13].
والاتحاد العالمي أمام ما حدث يوضح النقاط
الآتية:
1-
يبارك الاتحاد هذه الثورة، ويهنئ كل الشباب الثائرين الذين شرفوا الأمة العربية
والإسلامية وكتبوا بدمائهم الزكية تاريخ مصر من جديد، بل تاريخ أمتنا، فبارك الله فيهم
وسدد خطاهم، ورحم الله شهداءهم وحشرهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
وكتب لجرحاهم الشفاء والثواب العظيم.
2- يدعو الاتحاد شباب مصر وكل قوى مصر وكل
مكونات شعب مصر مسلمين وأقباطا إلى أن يقفوا صفا واحدا للوصول إلى حكومة شورية
ديمقراطيه تمثل الشعب المصري وقيمه ومبادئه، حيث إن أمامهم مخاطر لا يمكن تجاوزها إلا
بالاعتماد على الله تعالى وعلى الوحدة والتخطيط ووضع خارطة طريق بكل دقة وحكمة،
يجتمع عليها المخلصون للوصول إلى غايات هذه الثورة العظيمة وأهدافها النبيلة.
3- يحذر الاتحاد بشدة من لصوص الثورات الذين
يقفزون عليها للوصول إلى جني ثمارها, وهم لم يشاركوا في صفها بنصيب، ومن هنا يدعو
الاتحاد شباب مصروحكماء مصر وكل المخلصين لمصر إلى الحذر الشديد واليقظة لصنع
مستقبل عظيم لهذا الشعب العظيم صاحب الحضارة العتيدة والحصن الحصين لأمته على مر
التاريخ.
4- يقدم الاتحاد شكره وتقديره العظيم لجيش
مصر الباسل الذي نجح في هذا الامتحان العسير من خلال وقوفه مع مطالب شعبه وتطلعاته،
ويدعوه إلى تسليم السلطة في أقرب فرصة إلى الشعب المصري من خلال ممثليه الذين
يشرفون على هذه الفترة الانتقالية للوصول بمصر إلى دولة ديمقراطية حرة، وليعود
الجيش إلى واجبه الأساسي في الذود عن الوطن ومكتسباته العظيمة.
5- يدعو الاتحاد العالم
العربي والإسلامي وكل شرفاء وأحرار العالم للوقوف مع شعب مصر وثورته العظيمة،
وتقديم كل ما يمكن من الدعم المادي والمعنوي، فقوة مصر قوة للعرب والمسلمين على مر
التاريخ.
6- يحذر الاتحاد الطامعين في
مصر بالكف عن التدخل في شؤونها، فشعب مصر صاحب الحضارة العريقة قادر على تقرير
مصيره بنفسه، واختيار مؤسساته التشريعية والتنفيذية ومن يمثله بإرادته الحرة دون
أي تدخل من الخارج.
7- ينتهز الاتحاد هذه الفرصة ليوجه
نصيحة مخلصة إلى حكام المسلمين بأن يتقوا الله تعالى في شعوبهم، ويقوموا بمصالحة
شاملة، وأن يتركوا لشعوبهم الحرية الكاملة في اختيار من يمثلهم، ومن يحكمهم، دون
تزوير لإرادتهم، وأن يسهروا لتحقيق العزة والكرامة والرفاهية لشعوبهم، وأن يعبروا
عن شعوبهم ويعملوا لأجلهم، فالشعوب المسلمة تريد الحكم الرشيد، وقد ولى عصر الظلم
والدكتاتورية والاستبداد، وانتهى عصر التزوير لإرادة الشعوب، فكفى ظلما واستبدادا،
وكفى طغيانا واستقواء بالخارج، فالعاقل من يتعظ بغيره، فقد شهدنا ماذا فعلت أمريكا
بعميلها الأول شاه إيران، وترى الآن كيف تتخلى عن بقية عملائها، فهؤلاء يعملون
لمصالح شعوبهم فليس لهم أصدقاء أو أعداء دائمون، فليكن حكامنا مخلصين لربهم،
متفانين من أجل مصالح شعوبهم فقط: {وَقُلِ
اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].
والله المستعان.
الأمين العام الرئيس
أ.د/ علي محي الدين القره داغي أ.د/ يوسف القرضاوي