أ.د. يوسف القرضاوي

أ.د. يوسف القرضاوي

أثار إكتتاب شركة مسيعيد للتبروكيماويات القابضة جدلاً واسعاً بين أوساط المكتتبين بعد أن إنتشرت في وسائل التواصل الإجتماعي أراء تحرم الإكتتاب فيه بالرغم من التصريح الرسمي الذي نشرته الشركة قبل الطرح مؤكدة جواز الإكتتاب في أسهمها، ورداً على هذه الأراء والفتاوى تلقت “بوابة الشرق” توضيحات فقهية حول الإكتتاب في شركة مسيعيد للبتروكيماويات القابضة التي أصدرها كل من الفقهاء أ.د. يوسف القرضاوي، وأ.د.علي محيى الدين القره داغي، ود. وليد بن هادي، وفيما يلي نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

توضيحات حول الإكتتاب في شركة “مسيعيد للبتروكيماويات القابضة”

من أ.د. يوسف القرضاوي، وأ.د.علي محيى الدين القره داغي ، ود.وليد بن هادي

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين،،

وبعد..

فنود في هذه العجالة أن نوضح عدة أمور حول الاكتتاب في أسهم شركة “مسيعيد للبتروكيماويات القابضة”:

أولاً

أن الفتوى بمثابة التوقيع عن ربّ العالمين وأنها لا يجوز أن تصدر إلاّ من أهل الذكر (أي التخصص) الذين آتاهم الله تعالى العلم والقدرة على الإستنباط، ولا سيما في المسائل الحديثة المعقدة التي لها مآلات خطيرة، أو ما يعلم هؤلاء أن تحريم ما أحلّ الله إن لم يكن أشد من التحريم فهو يوازيه. فقال سبحانه : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) [النحل : 43] وقال تعالى: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) [النساء : 83] .

وقد رأينا فوضى غريبة في الفتاوى حتى خاض فيها مَنْ ليس بأهل للفتوى من بعض الدعاة والكاتبين في الشبكات حتى يحكمون على فتاوى كبار العلماء بأنها من الزلاّت!!، بل أخطر من ذلك تناولها بعض الخطباء فحرموا الإكتتاب وهاجموا المجيزين فوق المنابر التي ينبغي إبعاد المسائل الخلافية عنها حتى لا يفسد الجو الروحاني لصلاة الجمعة، وأن من المعلوم بداهة أن قضايا الخلاف لا يرد فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ثانياً

أن بعض الإخوة يدّعي أن حرمة الإكتتاب في تلك الأسهم صدرت بها قرارات من المجامع الفقهية، وأنها اقتداء بالسلف الصالح . .

ونقول لبيان الحقيقة إن هذه المسألة لم يصدر فيها قرار حاسم من مجمع الفقه الإسلامي الدولي بل نوقش الموضوع على مدى ثلاث دورات، وأجل البتّ فيها، بل عقدت ثلاث ندوات فندوة المغرب أجازت الإكتتاب في مثل أسهم شركة مسيعيد، كما أن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “AAOIFI” الذي يضم حوالي 20 عالماً من كبار علماء الأمة أجاز مثل ذلك بضوابطه الأربع التي راعايناها، نعم صدرت بها قرارات من مجامع صغيرة بالحرمة كما صدرت قرارات من مثلها بالحل.

كما أن هذه المسألة الجديدة لم تعرض على السلف الصالح حتى يكون لهم فيها رأي، ومن القواعد الفقهية “أن لازم المذهب ليس بمذهب ” فكان الأجدر بهم أن يقولوا: المسألة خلافية بين فريقين عظيمين يقدر كل فريق تقديره للفريق الآخر، هكذا كان علماء السلف، ما كان أحدهم يعيب على الآخر في رأيه واجتهاده …

ولذلك كان المطلوب: أن يقال: المسألة خلافية، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، كما هو منهج السلف في الخلاف.

أ.د. يوسف القرضاوي

ثالثاً

إن الاختلاف في الفروع الفقهية قد وقع في عصر النبي في قصة صلاة الظهر في بني قريظة كما في مسلم, أو العصر كما في البخاري, قال ابن القيم” وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – في كثير من الأحكام ولم يعنفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال: لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس” , وقال ابن حجر “قال السهيلي وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه”. ثم وقع الخلاف في عصر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من المجتهدين, ولاختلافهم أسباب كثيرة جدا تعود في مجملها إلى ثبوت النصوص ومراتب دلالتها, وتفاوت مدارك المجتهدين في فهمها, وإذا وجد تعارض ظاهري فمنهم من غلب الرأي المفسر بتأويل النص الخاص في ضوء القواعد الكلية المسمى بالقياس وهو الغالب على مذهب أبي حنيفة ومالك, ومنهم من غلب النص الخاص وإن كان مخالفاً للقياس وهو الغالب على مذهب أحمد والشافعي, وكلهم أئمة هدى, وإذا ثبت الإجماع في مسألة لم يجز لأحد أن يخالفه ويتبع غير سبيل المؤمنين, ولا يوجد أحد من أهل العلم يصادم النصوص الصريحة, قال الشاطبي “لأن مصادمة الشارع صراحا علما أو ظنا لا تصدر من عوام المسلمين فضلاً عن أئمة الهدى وعلماء الدين” .

وآفة الكثيرين في التعامل مع الخلاف هو عدم معرفتهم بالقول المخالف فيظن أن في المسألة إجماعا, يقول شيخ الإسلام” فيدعون الإجماع من قلة معرفتهم بأقاويل العلماء، فلا يجد لها معتصما إلا أن يقول: هذا لم يقل به أحد من العلماء”.

أ.د.علي محيى الدين القره داغي

رابعاً

إن اختلاف العلماء في الفروع رحمة من الله تعالى بعباده وسعة في الدين، وإلاّ فلو أراد الحسم لأنزل فيها نصاً قاطعاً وحينئذ انتفى الخلاف.

وقضايا الشركات المساهمة وما جدّ فيها من شخصية اعتبارية، وأسهم جديدة، فالجميع يحرمون الربا، ولكن الخلاف في شراء أسهم تتكون من أنشطة مباحة، ولكن جزءاً منها يمثل شيئاً محرماً أو شبهة، فهل تحكم بالحرمة على الكل، أو نقول بحلّ الاكتتاب والتداول وتطهير تلك النسبة، يقول ابن القيم في مدارج السالكين” وقال أبو يزيد: عملت في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لشقيت، واختلاف العلماء رحمة، إلا في تجريد التوحيد” , وقال ابن العربي” فإنه بعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – اختلف العلماء فيه، فيحرم عالم، ويحل آخر، ويوجب مجتهد. ويسقط آخر؛ واختلاف العلماء رحمة للخلق، وفسحة في الحق، وطريق مهيع إلى الرفق”، وقال ابن قدامة في آخر لمعة الاعتقاد” وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف الأربع فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة”, وقال شيخ الإسلام” ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالا وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة. وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه” , ونقله عليش عن غير واحد فقال “إذا جرى الناس على شيء وله مستند صحيح وكان للإنسان مختار غيره فلا ينبغي له أن يحمل الناس على مختاره فيدخل عليهم شغبا في أنفسهم وحيرة في دينهم, فمن شرط تغيير المنكر أن يكون متفقا على أنه منكر, قال عياض في إكماله: لا ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يحمل الناس على مذهبه وإنما يغير ما أجمع على إحداثه وإنكاره, أما المختلف فيه فلا إنكار فيه وليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع”, وقال ابن عثيمين” لأن بعض الناس يظنون أن خلاف الفقهاء رحمهم الله يكون المخالف فيه لما يظن أنه خلاف النص مبتدعا، ولو سلكنا هذا المسلك لكان كل الفقهاء مبتدعة إلا في مسائل الإجماع؛ لأنك تقول: خالفتني فأنت مبتدع، وأنا أقول: خالفتني فأنت مبتدع، ويبقى الفقهاء كلهم مبتدعين إلا في مسائل الإجماع، وهذا ما قال به أحد أبدا” , وقال علامة نجد عبدالرحمن السعدي” قال بعضهم: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه بخلاف حال الجاهل ضيق الفطن الذي يرى أن من خالفه أو خالف من يعظمه قد فعل إثما عظيما وهو معذور بل ربما كان الصواب معه فهذه حالة لا يرتضيها أحد من أهل العلم” .

والقصد من هذه النقول بيان مواقف أئمة المسلمين من الاختلاف في الفروع الفقهية, والمسائل الجزئية.

خامساً

ومن هذا الباب اختلاف المعاصرين في الشركات المختلطة والتي من بينها شركة مسيعيد, وقبل أن نذكر الحكم لا بد من تحرير محل النزاع وهو أنه لا يجوز لمجالس الإدارات الاقتراض بالربا أو الإقراض بالربا قل أو كثر, ويجب التخلص من الكسب المحرم, ولا يجوز لأحد أن يساهم في الشركات التي نشاطها الأصلي حرام كالبنوك الربوية, وإنما الخلاف في الشركات التي أصل نشاطها مباح ويدخل فيها الحرام تبعا, وسبب اختلافهم في أن اليسير المحرم هل يُحِّرم الكل, أو لا يحرم ؟ فمن اختار القول الأول ذهب إلى أن اليسير المحرم يصُيّر النشاط محرما لأن المساهم له حصة في الموجودات فكأنه باشر الحرام بحصته إذ سبيل الشركة الشيوع فلا اختصاص له ولا تمييز لمنافاته عقد الشركة, ومن أجاز ذهب إلى أن اليسير المحرم لا يصُيِّر الكل حراما لأن القصد الأصلي مباح والحرام وسيلة غير مقصودة, والمساهم لم يباشر الحرام لطبيعة الشركات المعاصرة فكان ذلك فارقا, فكل فريق نظر إلى الأمر من زاوية غير الزاوية الأخرى, وهذه المسألة لها نظائر في الفقه فإذا سقطت نجاسة ولو قليلة في مائع كثير نجسته على قول ولو لم يتغير, ولم تنجسه على القول الآخر إذا لم يتغير وهو اختيار شيخ الإسلام, ومن ذلك مسألة اختلاط الحلال بالحرام في التجارة سواء كان بمقولة الفعل أو بمقولة الانفعال فقد ذهب أبوحنيفة إلى أنه تجوز مشاركة النصراني الذي يتجر بالحرام بشرط التطهير.

سادساً

فالتطهير ليس بدعاً من القول بل قال به أبوحنيفة, قال السرخسي “وإذا دفع المسلم إلى النصراني مالا مضاربة بالنصف، فهو جائز؛ لأن المضاربة من المعاملات، وأهل الذمة في ذلك كالمسلمين، إلا أنه مكروه؛ لأنه جاهل بشرائع الإسلام فلا نأمن أن يؤكله حراما، إما لجهله، أو لقصده، فإنهم لا يؤدون الأمانة في حق المسلمين. قال الله تعالى: {لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا} [آل عمران: 118] أي لا يقصرون في فساد أمر دينكم؛ ولأنه يتصرف في الخمر والخنزير ويعمل بالربا، ولا يتحرز في ذلك، فيكره للمسلم أن يكتسب الربح بتصرف مثله له، ولكن مع هذا جازت المضاربة؛ لأن الذي من جانب المضارب البيع والشراء، والنصراني من أهل ذلك، فإن اتجر في الخمر والخنزير فربح، جاز على المضاربة في قول أبي حنيفة – رحمه الله – وينبغي للمسلم أن يتصدق بحصته من الربح”.

وهذا النص هو عين مسألة الشركات المختلطة فقول السرخسي “فلا نأمن أن يؤكله حراما”, دليل على أن مناط الحكم معرفة قدر الحرام فإذا عرف انتفى المحذور عنده لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما, وقوله” ولأنه يتصرف في الخمر والخنزير ويعمل بالربا، ولا يتحرز في ذلك” هو عين مسألة الشركات المختلطة فإنهم قد يتعاملون بالربا وليس ذلك لازما لهم لأنه ليس من نشاطهم بل دخل تبعا، وقوله “فيكره للمسلم أن يكتسب الربح بتصرف مثله له، ولكن مع هذا جازت المضاربة” فالكراهة إما لعدم معرفة قدر الحرام وهو المراد هنا, وإما للخروج من الخلاف, وكلا الأمرين منتفيان, فالحرام معروف القدر, والدخول في الخلاف غير محرم لكنه مكروه عند كثير من الفقهاء إلا مع الحاجة فإن الأمر إذا ضاق اتسع, والمشقة تجلب التيسير, وعموم البلوى من موجبات التخفيف, وقل أن تسلم شركة اليوم من هذه المحرمات التي يجب إنكارها, وقوله “وينبغي للمسلم أن يتصدق بحصته من الربح” هو عين مسألة التطهير, والطاعن في المجيز طاعن في المتبوع لا التابع.

د. وليد بن هادي

فمن أجاز الشركات المختلطة مسبوق بقول أبي حنيفة وهو إمام من أئمة السلف, وهناك أدلة أخرى على الجواز لكن النقل عن أبي حنيفة فيه مقنع لمن تدبره لأنه يدل على جواز المشاركة بمقوله الفعل لا بمقولة الانفعال كما يريده المخالف, فدل على أنه تجوز المشاركة مع ظن تصرف الشريك في المحرمات بشرط التطهير, ولهذا لا يصح الاحتجاج على المجيزين بأن الشركة عليها قروض قائمة وأنه يغفر في الدوام ما لا يغفر في الابتداء لأننا نقول إن المنع من المشاركة إما أن يكون تعبديا أو معللا فإن كان تعبديا لم يسع أحدا أن يقول بالجواز, وإذ كان معللا وهو المقطوع به فلا بد من معرفة العلة, والعلة اختلاط الحلال بالحرام وعدم التمييز بينهما فإذا تميز جازت المشاركة ولا فرق بين أن يكون على الشركة قروض أو ستقترض في المستقبل, وبخاصة أن هناك فروقًا بين شركات العنان، والشركات المساهمة، كالشخصية الاعتبارية، والمسؤولية المحدودة، ومنع المساهمين من التدخل في الإدارة، وعدم ملكية المساهم القانونية للموجودات، وإنما يملك حصة في الشركة، وهذه الفروق مؤثرة في عدم إعطاء جميع أحكام شركة العنان للشركات المساهمة، ومن ذلك أن المساهم لا يتحمل إثم الربا؛ لأن المساهم لا يعتبر موكلًا وإنما يتحمله مجلس الإدارة كفعل النصراني الذي لا يتحرز من الحرام, بخلاف من باشر الحرام كالملك المحض فإنه لا يجوز له ولو بنسبة قليلة وإلا أثم إثم التصرفات ومواقعة المحظور والعقود الفاسدة لا إثم الكسب المحرم إذا أخرجه.

سابعاً

ولا يصح الاحتجاج على المجيزين بأن هذه المسألة من رخص الفقهاء لأن الرخصة إما أن تكون بقول شاذ فلا يجوز أخذها, أو بقول معتبر فيجوز أخذها قال في الغاية وشرحها” قال القرافي المالكي: ولا نريد بالرخص ما فيه سهولة على المكلف، بل ما ضعف مدركه بحيث ينقض فيه الحكم، وهو ما خالف الإجماع أو النص أو القياس الجلي، أو خالف القواعد”, فقول سليمان التيمي “لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله” يراد به شواذ الأقوال, وزلات العلماء, والخلاف في الشركات المختلطة خلاف قوي ولكل فريق حجج، ويمكن لمن أراد سبيل الورع، واتقاء الشبهات أن يترك المساهمة في الشركات المختلطة، ومن أراد أن يأخذ بقول المجيزين فله مندوحة وسعة؛ فإن المجيزين من صفوة علماء الأمة، قال د.عبدالله العمراني “هذه المسألة من المسائل الدقيقة التي يُعْتَبر الخلاف فيها قويًّا، ولكل قول أدلته وتعليلاته المعتبرة”، وقال الشبيلي وهو خلاف قوي، وقد أخذ بكل قول جمع من أهل العلم ممن يُشَار إليهم بالبنان، وتُسَطَّر بمآثرهم صحائف الزمان، فلعل هذا من الخلاف الذي فيه رحمة للأمة”, وليس هذا موضع بسط أدلة الفريقين فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى المصنفات في هذا الباب, ومن أوائل من كتب فيها فضيلة الشيخ علي القره داغي في كتابه “حكم الاستثمار في الأسهم” قبل أكثر من عشرين عاماً, وذكَر مآخذ المسألة, وآراء المعاصرين فيها مع المناقشة والترجيح، وقد اكتفينا بما يكشف اللثام عن حرف المسألة ومدارها لخفي وسرها اللطيف.

وأخيراً فإن الفتاوى غير ملزمة، ولذلك فليستخر كل واحد، وليرجع إلى نفسه، فإن أراد أن يشارك فلديه فتوى، وإن أراد الامتناع فله الحق كاملاً.

والله يعلم نحن نظرنا في الأدلة، ثم في المقاصد العامة والخاصة وليس لنا مصلحة خاصة ولا عامة ولا ضغط من أي أحد، فالله تعالى أكرمنا بولي أمر يُحبّ شعبه وأمته ويُحبّ الخير لهم، وذلك أن مقصد الدولة هو تمليك القطريين لأسهم شركاتهم، فإذا حرم منها الطيبون الملتزمون فمَنْ يملكها؟ والملتزمون مطالبون بالسعي الجاد لمنع الشركة من التعامل بأيّ حرام، ونحن معهم في ذلك، بل قلنا للإدارة: إذا خالفتم ذلك فلا نقبل، بل نعلن ذلك بفتوى أخرى، ونحن لدينا حسن الظن بالإدارة وحرصها على الالتزام وندعو لها بالتوفيق والسداد، كما أن الشيخ القره داغي ملتزم بإصدار نسبة التنقية والتطهير إنْ وجدت.

ومع كل ذلك فالخيار لكم، ونحن علينا البيان فقط.

والله أعلم