كيف تحول الحرام المجمع عليه بين المجامع الفقهية إلى حلال :

 

  1.  إذا لم تكن فوائد البنوك التقليدية ربا ، فلا ربا في الإسلام اليوم.

  2. ربط النصوص الشرعية القطعية وإجماع الفقهاء في الربا بالحِكم والمصالح الموهومة فتح باب خطير لبقية النصوص الشرعية الأخرى.

  3.  ثارة هذا الموضوع في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة  تستحق أن توضع تحتها ألف علامة استفهام ؟

  4.   لماذا لم يدع مجمع البحوث لمؤتمر فقهي اقتصادي لمناقشة الموضوع بنفس مستوى المؤتمر الثاني عام 1965؟‍‍‍‍!!!!

  5. لماذا لم يعرض مجمع البحوث الإسلامية قراره الأخير على لجنة البحوث الفقهية؟؟‍!!

أ.د.علي محي الدين القره داغي أستاذ ، ورئيس قسم الفقه والأصول بجامعة قطر والخـبير بالمجمع الفقهي بمكة المكرمة ، وجدةوعضــو المجلس الأوربي للإفتاء والبحـوث يقول :

  الرد على القرار الجديد من مجمع البحوث هو قرارات المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية عام 1965 الذي حضره ممثلو خمسة وثلاثين دولة إسلامية ، وفتوى جبهة علماء الأزهر الشريف التي تضم العشرات ، وقرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي الذي حضره ممثلو جميع الدول الإسلامية مع أكثر من سبعين خبيراً  في الفقه والاقتصاد في ديسمبر 1985 ، وقرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله ، وقرار هيئة كبار العلماء في السعودية ، وقرارات المجمع الفقهي في السودان ، وفي الهند ، والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث وغيرها ، وقرارات عدد من مؤتمرات الاقتصاد الإسلامي التي ضمت عدداً كبيراً من الفقهاء والاقتصاديين على مستوى العالم الإسلامي .

 على الرغم من أنني بعد تركي عضوية الهيئة الشرعية لبنك قطر الدولي الإسلامي منذ أكثر من عامين وليس لدي إشراف على أي مصرف إسلامي داخل قطر ، ولكني أنطلق مما أحس به من واجب أهل العلم نحو بيان الحق ، وعدم كتمانه .

 لا أريد الخوض في الرد على القرار الأخير الذي صدر من مجمع البحوث التابع للأزهر الشريف برئاسة فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي ، بكلام ، أو فتوى من عندي ، وإنما أود الرد عليه من خلال اتفاق جميع المجامع الفقهية المعتبرة في العالم على حرمة الفوائد البنكية ، وأضع هذه القرارات والفتاوى الجماعية العالمية التي صدرت في أجواء حرة لم تهمين عليها جهة لها مصلحة في إصدارها.

حيثيات القرار الجديد لمجمع البحوث الإسلامية :

 لم يكتف الاستعمار الحديث بالاحتلال المادي فقط ، وإنما قام (من خلال جهود المستشرقين والمنصرين ، والمتغربين) بغزو ثقافي فكري ، وبغزو اقتصادي ، وبغزو قانوني تشريعي ، لذلك كان توجه الاستعمار ـ أينما حل ـ نحو تغيير الشريعة بالقوانين الوضعية ، ولذلك لم يأل جهداً في إنشاء البنوك في العالم الإسلامي على نفس المنهج الرأسمالي اليهودي ، فأنشئت البنوك وأطلقت شعارات تقضي بأنه : لا اقتصاد بدون بنوك ، ولا بنوك بدون فوائد ربوية .

 فظهرت فتاوى فردية حول هذا الموضوع إلى صدور قرار حاسم بحرمة الفوائد الربوية البنكية من خلال المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في شهر محرم 1385هـ الموافق مايو 1965م ، وضم ممثلين ومندوبين عن خمس وثلاثين دولة ، فكان اجتماعه نهاية لمرحلة تمت ، وبداية لمرحلة جديدة في طريق أداء الرسالة التي يقوم بها المجمع ، وهي رسالة نشر المبادئ والثقافة الإسلامية ،والتعريف بها في كل مجتمع وبيئة ، ومع تجلياتها في صورتها الأصلية الصحيحة ، والعمل على إيجاد الحلول للمشاكل التي تجد وتظهر في حياة المسلمين على أساس من مبادئ الإسلام ومثله ، وفي ضوء ما جاء به الكتاب والسنة .

 بهذه الروح التقى علماء الإسلام من مختلف البلاد الإسلامية وإخوانهم من أعضاء المجمع في المؤتمر الثاني ، فألقيت البحوث ودارت المناقشات ، وبحثت المثير من المسائل التي تمس حياة المسلمين في شؤونهم وفي أقطارهم المختلفة .

 هذا بيان المؤتمر الذي صدر به قراراته وتوصياته ونقتصر في هذا المجال على نشر ما قرره المؤتمر بالاجماع بشأن المعاملات المصرفية :

1 ـ الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم ، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي ، وما يسمى بالقرض الانتاجي لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين .

2 ـ كثير الربا وقليله حرام ، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) .

3 ـ الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة ، والاقتراض بالربا محرم كذلك ، ولا يرفع إثمه إلاّ إذا دعت إليه الضرورة…وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته .

4 ـ أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات الداخلية التي يقوم عليها العمل بين التجار والبنوك في الداخل ..كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة ، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا .  

5 ـ الحسابات ذات الأجل ، وفتح الاعتماد بفائدة ، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة .

 هذا ما انتهى إليه (مجمع البحوث الإسلامية) في مؤتمره الثاني من قرارات وتوصيات بشأن المعاملات المصرفية .. المؤتمر الذي ضم أعضاء مجمع البحوث وأعضاء الوفود الذين اشتركوا في هذا المؤتمر .

 وبعد هذا القرار الحاسم بدأت بعض الدول الإسلامية والمستثمرون الملتزمون بالتفكير بالبديل الإسلامي المتمثل في إنشاء البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ، فكانت بداية التطبيق في مصر الحبيبة مصر الأزهر الشريف ، كنانة الله في أرضه ، من خلال بنك إسلامي في ميت غمر ، ثم كان إنشاء بنك دبي الإسلامي عام 1975 ، وبنك التنمية الإسلامية ، وبيت التمويل الكويتي ، ومجموعة بنوك فيصل الإسلامي ، والبركة ، ومصرف قطر الإسلامي ، وبنك قطر الدولي الإسلامي ، وغيرها حتى وصل عدد البنوك الإسلامية إلى أكثر من مائتي بنك ، إضافة إلى أن معظم البنوك التقليدية فتحت فروعاً إسلامية ، بل إن بعض البنوك الغربية الكبيرة أنشأت بنوكاً إسلامية مثل سيتي بنك إسلامي .

 وتدل كل المؤشرات على نجاح هذه البنوك بما تنعكس آثار نجاحها على نجاح النظام الاقتصادي الإسلامي الذي أهمل ـ مع الأسف الشديد ـ على الرغم من أن كثيراً من المنصفين يقولون : إنه الحل الوحيد للأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم .

 ولم يثر هذا الموضوع إلاّ بعد أن وصل فضيلة الدكتور طنطاوي إلى دار الإفتاء المصرية ، وأصبح مفتياً ومضت عليه مدة ، حتى أنه قد أصدر فتوى وهو في دار الإفتاء بحرمة الفوائد البنكية هذا نصها: (فتوى فضيلة مفتي الجمهورية بشأن تحريم فوائد البنوك بتأريخ 20/2/1989 :

(سؤال وارد إلى دار الإفتاء من المواطن يوسف فهمي حسين ، وقيد برقم 515 / لسنة 1989 يقول فيه : إنه قد أحيل إلى المعاش ، وصرفت له الشركة التي كان يعمل بها مبلغ 40,000.00 أربعين ألف جنيه ، والمعاش الذي يتقاضاه لا يفي بحاجته الأسرية ، ولأجل أن يغطي حاجيات الأسرة وضع المبلغ المذكور في بنك مصر في صور شهادات استثمار بعائد شهري حيث لم يعد هناك أمان لوضع الأموال في شركات توظيف الأموال .

وعندما فكر في وضعها في أي مشروع لم يجد ، وخاصة أن حالته الصحية لا تسمح بالقيام بأي جهد ، وقد قرأ تحقيقاً بجريدة أخبار اليوم ، شارك فيه بعض المشايخ والعلماء الأفاضل بأن الودائع التي تودع في البنوك تخدم في مشاريع صناعية وتجارية ، وأن هذه الشهادات الاستثمارية تدر عائداً حلالاً لا ربا.

 وأنه رأى بعينه أن أحد البنوك الإسلامية تتعامل مع زوج ابنته نفس المعاملة التي تتعامل بها البنوك الأخرى ، في حين أن البنوك الإسلامية تعطي أرباحاً أقل .

 وحيث انه حريص على أن لا يدخل بيته حراماً بعث إلى دار الإفتاء يستفسر عن رأي الدين في هذا الأمر ، حيث أن بعض العلماء يقولون بأن العائد حلال ، والبعض الآخر يقولون إنه ربا .

 هذا نص السؤال الوارد إلى دار الإفتاء والمقيد بها برقم 515 لسنة 1989م …فماذا كان جواب الدكتور طنطاوي المفتي ؟

الجواب :

بعد المقدمة

 يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) البقرة 278 – 279.

 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روي عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، والبّر بالبُر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر والملح بالملح ، مثلاًُ بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه أحمد والبخاري ومسلم .

 وأجمع المسلمون على تحريم الربا ، والربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو : زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل .

 وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الشرائع السماوية ، لما كان ذلك ، وكان إيداع الأموال في البنوك أو إقراضها  أو الاقتراض مناه بأي صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدماً زمناً ومقدراً يعتبر قرضاً بفائدة ، وكل قرض بفائدة محددة مقدماً حرام ، كانت تلك الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً بمقتضى النصوص الشرعية .

 وننصح كل مسلم بأن يتحرى الطريق الحلال لاستثمار ماله ، والبعد عن كل ما فيه شبهة حرام لأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله من اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ . مفتي جمهورية مصر العربية توقيع / د.محمد طنطاوي / سجل 41/124 في 14 رجب 1409هـ الموافق 20/2/1989 ) .

 ولم تمض فترة طويلة إلى أن أصدر فضيلة المفتي بياناً في 8/9/1989 قال فيه بالنص : ( إن دار الإفتاء المصرية تعتقد : أن الكلام عن المعاملات في البنوك والمصارف لا يؤخذ جملة واحدة ، بأن يقال : إن المعاملات التي تجريها البنوك كلها حرام أو كلها حلال ، وإنما يؤخذ الكلام عنها في صورة كل مسألة على حدة أو على الأقل يؤتى بالمسائل المتشابهة ، ثم يصدر بشأنها الحكم الشرعي المناسب لها .

وذلك لأن المعاملات التي تجريها البنوك والمصارف ، متعددة الجوانب ، متنوعة الأغراض ، مختلفة الوسائل والمقاصد .

ومع ذلك فإننا نستطيع أن نقول بصفة مجملة : إن هذه المعاملات :

ـ منها ما أجمع العلماء على أنها جائزة شرعاً ، وعلى أن الأرباح التي تأتي عن طريها حلال .

ـ ومنها ما تفق العلماء على أنها غير جائزة شرعاً ، وعلى أن الأرباح التي تأتي عن طريقها حرام .

ـ ومنها ما اختلف العلماء في شأنها وفي شأن أرباحها . 

ثم قال :

 وما قلناه في شأن البنوك الاجتماعية ، نقوله بشأن ما يوصف بالبنوك المتخصصة ، كالبنوك الصناعية أو الزراعية أو العقارية أو ما يشبهها من تلك البنوك التي تقدم لأصحاب المشروعات المتنوعة النافعة ، ما هم بحاجة إليه من أموال لتنمية مشروعاتهم ثم تأخذ منهم مقابل ذلك مبالغ مناسبة يقدرها الخبراء على أنها أجور أو مصروفات إدارية .

 أقول : ما تأخذه البنوك من المتعاملين معها بتلك الصورة ، جائز شرعاً ولا بأس به ، لأنه أيضاً في مقابل خدمات معينة ، تقدمه تلك البنوك للمتعاملين معها ).

 ونرى أن فضيلة المفتي اباح الأجور والمصروفات الإدارية للبنوك المتخصصة وهذا لا كلام فيه ، وإنما الكلام حول موضوعين لهذه البنوك المتخصصة هما :

الأول : أن هذه البنوك لا تقوم بالمشاركة أو المساهمة في المشروعات المتنوعة ، وإنما تقرض قروضاً بفوائد محددة ، حيث تسترجع أموالها مع فوائدها سواء خسر المشروع أم ربح ، فلا دخل لها بالربح والخسارة ، والمشاركة ، وتحمل الغرم في مقابل الغنم كما أجمع الفقهاء السلمون على أن (الغنم بالغرم) استناداً إلى الحديث الصحيح القاضي بأن (الخرج بالضمان) رواه احمد وأصحاب السنن بسند صحيح .

الثاني : أن هذه البنوك لا تكتفي بأخذ مقابل خدمات معينة ، وإنما تحدد نسبة من الفوائد تفوق ذلك بكثير ، بل هي زيادة على قرض ربوي في مقابل القرض المؤجل ، وهو عين ربا الجاهلية (كما سيأتي) .

 ثم تطور الوضع فأكثر ، فأباح فوائد البنوك التقليدية من خلال كتابه المسمى (معاملات البنوك وأحكامها الشرعية) وقد قام بالرد عليه كبار علماء المسلمين وفقهائهم أمثال العلامة الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه الشهير (فوائد البنوك هي الربا المحرم) والدكتور علي السالوس في مجموعة من كتبه ) وجمع غفير من علماء الأزهر الشريف وغيرهم .

 كما قمت بالرد عليه ، ومناظرته في برنامج إذاعي لإذاعة قطر يسمى برنامج (قضايا وآراء) اقترح فضيلته عقد مؤتمر خاص بهذا الموضوع ، ولكنه مع الأسف الشديد لم يقم بذلك ، بل ركز منذ حوالي 1988 على تجميع من يؤيده في هذه الفتاوى في المؤسسات التي تتبع الأزهر الشريف ، ولذلك لم يعرض هذا الموضوع على مجمع البحوث منذ فتواه عام 1989 إلى أن اطمأن إلى تأييد الغالبية فعرضه في 31/10/2002 برئاسته ، حيث كانت جلسة المجمع التي أجازت فوائد البنوك الربوية قد ضمنت كلاً من أصحاب الفضيلة :

1 ـ الدكتور محمد سيد طنطاوي ، أستاذ التفسير ، وشيخ الأزهر الحالي .

2 ـ الدكتور محمود حمدي زقزوق ، أستاذ الفلسفة ، خريج ألمانيا ، ووزير الأوقاف .

3 ـ الدكتور عمر هاشم ، أستاذ الحديث بالأزهر ، ورئيس جامعة الأزهر .

4 ـ الدكتور أحمد الطيب ، أستاذ الفلسفة وخريج جامعة سوربون ، مفتي مصر .

5 ـ والدكتور محمد الراوي ، أستاذ التفسير والحديث .

6 ـ والدكتور عبدالمعطي بيومي ، أستاذ الفلسفة ، وعميد كلية أصول الدين .

7 ـ المستشار بدر المنياوي .

8 ـ والدكتور عبدالرحمن العدوي.

9 ـ والدكتور طه أبو كريشه .

10 ـ والدكتور محمد إبراهيم الفيومي .

11 ـ والدكتور محمد رجب الفيومي .

12 ـ والدكتور حسن عباس زكي .

13 ـ والدكتور عبدالفتاح الشيخ ، أستاذ الفقه والأصول وعميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر سابقاً ، الذي عارض الفتوى ورفضه .

14 ـ والدكتور محمد رأفت عثمان ، أستاذ الفقه المقارن ، وعميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر سابقاً ، الذي رفض الفتوى جملة وتفصيلاً .

 هؤلاء هم الذين أفتوا بحل الفوائد البنكية ، وهم في معظمهم متخصصون في علوم الفلسفة والتفسير ، والحديث والقانون ونحو ذلك ، وذلك رفض المتخصصون في الفقه والأصول (أ.د. عبدالفتاح الشيخ وأ.د. محمد رأفت عثمان ) هذه الفتوى ، ولو جمع رئيس المجمع علماء الاقتصاد وفقهاء الشريعة لما انتابني أدنى شك بأنهم لم يوافقوا على ذلك . 

 ولذلك يثور التساؤل حول عدم قيام رئيس المجمع بعقد مؤتمر فقهي اقتصادي على غرار المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في القاهرة عام 1965 حتى يكون متقارباً من حيث الحجج والقوة للمؤتمر السابق ، ناهيك عن المجامع الفقهية التي تضم مئات من كبار الفقهاء والاقتصاديين الذين حرموا الفوائد البنكية .

المعارضون لهذه الفتوى داخل مصر ، وداخل الأزهر الشريف :

 لا يعد عدد المعارضين لهذه الفتوى داخل الأزهر الشريف ، وداخل مصر ، حيث سبق أن أعدت جبهة علماء الأزهر الشريف بياناً وقعت عليه عشرات بل مئات على رفض الفتوى السابقة بحل الفوائد البنكية ، حتى في هذه المرة صرح هؤلاء العلماء لمجلة المجتمع في عددها 1527 الحادي عشر من رمضان 1423هـ الموافق 16 نوفمبر 2002 بما يأتي :

1 ـ يؤكد الدكتور رأفت عثمان أن صدور فتوى على هذا النحو يثير مشكلات كثيرة مع المجامع الفقهية في العالم الإسلامي ، حسمت أمر المعاملات الربوية بحرمة الفوائد البنكية باعتبارها الربا المذكور في القرآن .

2 ـ ويوضح الدكتور حامد الجامع أن الفتوى السابقة الصادرة عن المجمع هي المرجع في هذه القضية ، ولا داعي لإثارة الأمر مرة أخرى .

3 ـ ويرى الدكتور أحمد طه ريان وكيل كلية الشريعة بالأزهر ، أن معاملات البنوك التقليدية هي الربا المحرم شرعاً ، والثابت حرمته بإجماع علماء الفقه والشريعة في العالم الإسلامي منذ ظهور هذه البنوك حتى الآن ، مستغربا القول بإجازة تحديد الفائدة مسبقاً تحت أي تسمية !

 وأضاف ريان أن المجتمع الجاهلي في مكة والمدينة، الذي حرم الله الربا فيه كان مجتمعاً تجارياً في المقام الأول يقوم على رحلتين تجاريتين ، إحداهما للشام والأخرى لليمن ، مما يؤكد أن الربا آنذاك كان من أجل الاستثمار في أغلب الأحيان ، ورغم ذلك حرمه الاسلام ، ولا يجوز أن يكون الاقتراض من أجل الاستثمار مبرراً لتعامل بالربا ، مشيراً إلى أن الفوائد التي تحصل عليها البنوك أو تعطيها هي الربا الذي ذكره القرآن الكريم والمحرم شرعاً ، والتفرقة بحجة الاستثمار ، أو الاستهلاك مردود عليها ، ولا أصل لها شرعاً حيث إن الحديث الشريف واضح كل الوضوح وهو : (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) سواء بغرض الاستهلاك أو الاستثمار .

 وقال الدكتور ريان إن أي قرار يصدر عن المجمع لا بد أن يأخذ في الاعتبار ما سبقه من اجتهادات وفتاوى حتى لا يصطدم معها وتحدث البلبلة ، كما أنه من الضروري أن يراعي القرارات الصادرة من المجامع .

4 ـ بينما يقول الدكتور عبدالحميد الغزالي ، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة القاهرة : من المعلوم أنه ثابت شرعاً أي قرض جر نفعاً فهو الربا المحرم شرعاً …والفوائد المصرفية دائنة أو مدينة تعد من ربا الدين أي الزيادة مقابل الأجل وهو ما يسمى بالربا القرآني أو الجلي أو الجاهلي ،وهو المحرم بنص الكتاب والسنة والاجماع ..بل كان يعد في الجاهلية من الكسب الخبيث .

5 ـ  ويؤكد الدكتور حسين شحاته ، الأستاذ بجامعة الأزهر أن جامعات أمريكا وأوربا تدرس تجربة المصارف الإسلامية ، ونظام عملها ، ودليلنا على نجاح البنوك الإسلامية التنامي الكبير لها ، إذ بلغ عدد البنوك الإسلامية أكثر من مائتين وخمسين بنكاً في مختلف دول العالم ، كما أن عدد المؤسسات النقدية الإسلامية يزيد على الألف ، كما أن حجم تعامل العمل المصرفي الإسلامي يصل إلى مئات المليارات من الدولارات يستفيد منه ملايين المتعاملين في كل الأنشطة الاقتصادية زراعية وصناعية وتجارية ومختلف الأنشطة الخدمية .

 وأضاف أن فتح البنوك التقليدية لفروع المعاملات الإسلامية دليل نجاح وليس العكس ، وذلك لجدوى هذا العمل المصرفي ، ولمنع تسرب الودائع إلى البنوك الإسلامية حتى إن البنك والصندوق الدوليين اقترحا على الدول النامية عامة ، والإسلامية منها خاصة ، الأخذ بصيغة العمل المصرفي الإسلامي ، لأنها صيغة استثمار حقيقي ضرورية لإحداث تنمية مستدامة في هذه الدول النامية .   

كما صرح بعض هؤلاء العلماء وغيرهم لشبكة إسلام أو لاين ما يأتي :

 من جانيه أكد الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية أنه رفض الموافقة على فتوى تحليل فوائد البنوك ، موضحاً أنها حرام مطلقاً ، لأنها وعلى فرض أنها ليست ربا فإنها من المضاربة الفاسدة .

 وأوضح عثمان لشبكة إسلام أون لاين : أن المضاربة الإسلامية معناها أن يكون هناك اتفاق بين رب المال وفرد أو جهة معينة تستثمر هذا المال على أن يكون لهذه الجهة نسبة من الربح ، أما تحديد مبلغ معين من المال كما هو متبع في البنوك لأي من الطرفين فهو يؤدي إلى فساد المضاربة كأحد طرق استثمار المال .

 وأضاف أنه ولو فرض أن وضع المال في البنوك هدفه الاستثمار فإن تحديد الربح مسبقاً يؤدي إلى الغرر المنهي عنه شرعاً ، لأن فيه ضياعاً لنصيب أحد الطرفين ، مبيناً أن اعتراضه على الفتوى يتأسس على قاعدة مردها أن فوائد البنوك المحدد سلفاً لا تجوز شرعاً ولا تتفق مع تعاليم الدين الإسلامي ، كما لا يمكن اعتبارها نوعاً من المضاربة الإسلامية .

  ويذكر أن فتوى فوائد البنوك الأخيرة لم يتم عرضها أو مناقشتها داخل لجنة البحوث الفقهية ، مع أنها اللجنة المتخصصة والمختصة بمناقشة مثل هذه القضية لتجديد الحكم الشرعي فيها ، ثم عرضها على مجلس مجمع البحوث الإسلامية .  

أما ردود الفعل على هذه الفتوى في الخارج فكانت كبيرة ، حتى قال فضيلة العلامة الشيخ القرضاوي في معرض رده عليها : ما الذي جعل الحرام المتفق عليه بين مجمع البحوث والمجامع الفقهية حلالا؟

فقد نشرت الراية القطرية ما يأتي :

 (تعجب فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الدوحة مما سمع به من الراية من أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر قد استصدر قراراً من مجمع البحوث الإسلامية يحل فيه فوائد البنوك المحددة سلفاً والذي وافق عليه أعضاء المجمع ما عدا رئيس اللجنة الفقهية ، وقال د.القرضاوي في تصريحات خاصة لـ الراية : الذي أعلمه أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر هو أول مجمع يقرر بصراحة ووضوح أن فوائد البنوك هي الربا الحرام ، وكان ذلك في عام 1965 برئاسة الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر ، وعضوية المشايخ الكبار محمد زهرة ، وعلي الخفيف وفرج السنهوري ، ومحمد علي السايس ، وعبدالله المشد وغيرهم من العلماء الكبار ، وقد أكد هذا الأمر المجامع الفقهية الإسلامية التي نشأت بعد ذلك مثل المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ، والذي يمثل الأمة الإسلامية ، أيدت هذه المجامع قرار مجمع البحوث الإسلامية وساندته كل المؤتمرات التي عقدت عن الاقتصاد الإسلامي ، والبنوك الإسلامية التي عقدت في بلدان العالم الإسلامي المختلفة مثل مؤتمر الفقه الإسلامي في دبي ، وفي الرياض والمؤتمر العالمي للفقه الإسلامي في مكة .

 وعن سؤال فضيلته عن سبب صدور القرار الأخير قال : لا أدري ما هي وجهة النظر التي جعلت مجمع البحوث الإسلامية يغير رأيه ، وما هي أدلتهم لم أقرأ شيئاً عن ذلك ، ما هي تلك الأدلة التي غيرت القرار القديم ، وما الذي جد حتى يصبح المحرم حلالاً ؟ لقد أصدرت كتاباً بعنوان فوائد البنوك هي الربا المحرم استندت فيه لأدلة الشرع وبيانات المجامع الفقهية وبيان العلماء …وقال : ما زلت مصراً على موقفي هذا ، وقد طبع كتابي عشرات المرات ووزع توزيعاً كبيراً ليحيا من حي عن بينة ، ويهلك من هلك عن بينة !).

LinkedInPin