التعريف بـ ” كرامة الإنسان في الاسلام ”  :

 

دون الخوض في المعاني اللغوية لكلمة ” كرامة ” فإن المقصود بها هنا : هو تكريم الله تعالى للانسان خَلقاً وشكلاً حيث خلقه الله تعالى على أحسن تقويم ، وقدرة وإرادة واختياراً وحرية ، حيث منحه الله تعالى العقل ، والارادة والاختيار في حدود ما رسم له ، حيث تجمع ذلك في قوله تعالى : ( ولقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[1] ونلاحظ أن الله تعالى منح هذا التكريم لكل إنسان مهما كان دينه ، حيث قال ( لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) ، ولم يقل ( ولقد كرمنا المؤمنين ) فقط ، وأما إذا آمن به واستمع إليه وأطاعه فإن له تكريماً أكثر على إيمانه وعمله الصالح فقال تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[2] وقال تعالى : ( أولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[3] وقال تعالى : ( أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ  فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ)[4] .

 

مظاهر هذا التكريم الرباني للإنسان :

وقبل  أن أتحدث عن مظاهر التكريم في الاسلام أود أن أوضح أن الإنسان وبخاصة الفقير والمستضعف فرداً وشعباً لم يكن له اعتبار واحترام لدى معظم الحضارات السابقة ، بل عانى الكثير والكثير من ويلات الإذلال والكبت والتعذيب ، وهدر كرامته وعدم احترام عقله وفكره وحريته وإرادته ، حتى صرح بذلك ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي نشأت عام 1945 بعد الحرب العالمية الأولى والثانية ، حيث جاء في ديباجته : ( نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب التي في خلال جيل واحد قد جلبت على الانسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف ، وأن نؤكد من جديد إيماننا  بالحقوق الأساسية للإنسان ، وبكرامة الفرد وقدره …. ) ، ثم أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من شهر كانون الأول عام 1948 حيث ذكرت المادة الأولى منه خلاصة ما قاله عمر رضي الله عنه قبل عدة قرون : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ) فنصت المادة الأولى منه على أنه : ( يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة وفي الحقوق ، وقد وهبوا عقلاً وضميراً ، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الاخاء ) ثم ذكر الاعلان في بقية مواده الثلاثين حقوق الانسان الأساسية من الحرية الشخصية ، وحرية الفكر والرأي ، ومنع التعذيب والاعتداء ، وحرية الملكية الخاصة ، وحرية الخصوصية في الحياة ، والمنزل ، وعدم التميز بين المواطنين بسبب العنصر ، أو اللون ، أو الدين أو غير ذلك ، وحقوق الزواج ، والأمومة ، والطفولة ، وحق العمل ، ومجانية التعليم ، والعيش المناسب[5] ….الخ .

وأما مظاهر هذا التكريم للإنسان في الاسلام الذي نزل قبل أكثر من أربعة عشر قرناً فهو ما يأتي :

 

أولاًـ  أن الله تعالى خلق هذا الانسان بيده منذ الخليقة عند خلق آدم ( عليه السلام ) وهذا تشريف وتكريم ما بعده من تكريم حيث يقول الله تعالى  : ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)[6] .

 

ثانياً – أن الله تعالى خلق هذا الانسان في أحسن تقويم حيث يقول : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[7] ، ويقول أيضاً : ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[8] .

 

ثالثاً ـ أن الله تعالى كرّم هذا الإنسان من خلال أمره تعالى الملائكة كلهم بالسجود لآدم أبي الانسانية فقال تعالى :  ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)[9] .

 

رابعاً ـ أن الله تعالى أكرم هذا الانسان بالعقل والتفكير ، وبالسمع والبصر وبقية الحواس حيث يقول تعالى : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[10] .

 

خامساً ـ ان الله تعالى نفخ في هذا الانسان نفخة من روحه وبذلك تحقق له السمو الروحي ، والروح العلوي ، فقال تعالى  : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)[11] وهذا أعظم تكريم للإنسان ، وهذا يفرض على كل إنسان أن يحترم أي إنسان مهما كان ، احتراماً لما تحمله من هذه النفخة المباركة ، فكيف يتسنى للإنسان أن يعتدي على من فيه نفخة من روح الله تعالى ؟ ! ! .

 

سادساً ـ جعله الله تعالى خليفة في الأرض دون الملائكة ، والجنّ أجمعين فقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)[12] وهذا شرف عظيم لم تنله الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم وأنهم مستغرقون في الذكر ، والتسبيح ، والتبجيل لله تعالى .

سابعاً ـ أن الله تعالى سخرّ لهذا الانسان كل ما في هذا الكون بسمواته وأرضه ، وما فيهما وما بينهما من شموس وأقمار ونجوم وكواكب ومجرات فقال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[13] .

 

 

ثامناً ـ أن الله تعالى حرر هذا الانسان ، أي البشرية من كل عبودية لأي مخلوق مهما كان فضله وعظمته ، وفي ذلك قمة التحرر ، حيث نقل من عبودية البشر والخضوع لهم إلى عبودية الله تعالى .

فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر ساد فيه الشرك العالم كله وضربت الوثنية أطنابها بين الناس ، سواء كانت بين العرب أم غيرهم ، فكان الناس يعبدون ويخضعون لأنواع من المخلوقات من الأصنام والبشر ، حتى بلغ الشرك بعض منتسبي الأديان السماوية ويعتقدون أن سيدنا عيسى هو ثالث ثلاثة ( الله ، مريم ، عيسى ) وإن كانون يقولون في عبارة غير مفهومة وهي ( ثلاثة في واحد ، وواحد في ثلاثة ) ، فأنقذ الله تعالى البشرية من هذا الخضوع والعبودية لغير الله تعالى ، ودعا إلى توحيد الله وحده في ربوبيته وألوهيته ، واستحقاقه للعبودية والطاعة المطلقة له وحده دون سواه ، فرفع شعار ( لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ) وهذه خلاصة رسالة الإسلام حيث عبر عنها ربعي بن عامر عندما خاطب عظماء الفرس فقال : ( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الأديان )[14] .

وهذا هو الجديد الذي الذي أتى به الاسلام في العصر الذي سادت فيه الوثنية والشرك ، ولهذا التوحيد آثار عظيمة على نفسية الموحد ، وسلوكياته وتصرفاته ، حيث لا يسجد ولا يركع ، ولا يخضع إلاّ لله تعالى وحده .

 

تاسعاً ـ رفض الواسطة بين العبد وربه ، فقد ابتدع معظم أهل الأديان السماوية ـ ناهيك عن غيرها ـ وسائط بين الانسان وربه حتى ولو كان الإيمان بالله تعالى في الظاهر ، أو بوحدانية الله تعالى موجوداً ، وظهر أثر ذلك في تصرفات القسيسيين مع أتباعهم في اعترافهم بذنوبهم أمام هؤلاء القسيسيين ، ثم إعطاؤهم صكوك الغفران ، وفي بعض الأحيان كانت تعطى صكوك الغفران للاستغلال والاستعمار والاحتلال كما في الحروب الصليبية ،  فقال تعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )[15] يقول الفرنسي ايتين دينيه الذي سمى نفسه بعد إسلامه ( نصر الدين ) في كتابه ( محمد رسول الله ) وهو يتحدث عن ميزات الرسالة وعالميتها ودورها الممكن في المستقبل إذ يقول : ( وهناك شيء مهم وهو انتفاء الواسطة بين العبد وربه ، وهذا هو الذي وجده أهل العقول العملية في الاسلام ، لخلوه من الأسرار ومعبادة القديسين ، ولا حاجة به إلى الهياكل والمعابد ، لأن الأرض كلها مسجد لله ، وفوق ذلك قد يجد بعض أهل مذهب الاعتقاد بالله دون غيره من التطلع … قد يجدون في الاسلام المذهب النقي للاعتقاد بالله فيجدون فيه أبدع وأسمى أعمال العبادة )[16] .

 

عاشراً ـ تحرير الانسان من الخوف من المستقبل والقلق واليأس والكآبة ، من خلال الإيمان بالقضاء والقدر مع الأخذ بكل الأسباب المادية .

فهذا الايمان بالقضاء والقدر يجعل الانسان المؤمن في حالة من الأمن والأمان وفي حالة العزة والاحساس بالكرامة ، وعدم الهم والحزن والأسى على ما فاته ما دام لم يقصر في الأخذ بالأسباب ، لأنه من عند الله تعالى فقال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )[17] .

فهذا الايمان يجعل صاحبه في توازن نفسي واستقرار حقيقي ، واطمئنان كبير ، حيث لا تؤثر فيه المصائب ولا تجعله هلعاً ، كما أنا لتعم والمسرات لا تجعله مغروراً بطراً .

 

أحد عشر ـ احترام عقل الانسان وتحريره من الخرافات ، فقد أعطى الاسلام قيمة كبرى للعقل الانسان وتفكيره ، فأمر بالنظر والاعتبار ، وجعل التفكير في خلق السماوات والأرض واقامة الحجة والبرهان العقلي ، فريضة فقال تعالى : ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ )[18] ، والنصوص الشرعية في احترام العقل وأهمية الفكر ، والتدبر ، والتعقل والتفقه ، … أكثر من أن تحصى ، إضافة إلى أن العقل هو مناط التكليف ، كما أعلن الإسلام عن حرب حقيقية ضد الخرافات والدجل ، والشعوذة والاستعانة بالجن والعفاريت ، ونحوها ، من حيث أنه حصر العلم بالغيب  في ذات الله العلية فقط ، قال تعالى : ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)[19] وحكى الله عن الجنّ قولهم : ( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً  )[20] .

ومن حيث العلاقة بين الانسان والجن ، بيّن الله تعالى بصورة قاطعة أن الجن لا يملكون شيئاً من السلطان على الانسان ، فالسطان لله تعالى ، فقال تعالى على لسانهم : (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ   رَهَقاً )[21] .

وفي هذا المجال فقد أغلق الله تعالى كل مصادر المعرفة بالغيب ( الجن والملائكة والعالم الآخر ) إلاّ مصدراً واحداً فقط ، وهو الوحي الصحيح المتمثل في القرآن الكريم ، والأحاديث الثابتة حيث يحرم الخوض في هذا العالم إلاّ من خلال الوحي ، ولذلك منع العقل عن الخوض في هذا الباب فقط ، لأنه لا يستطيع الوصول فيه إلى أي شيء ، لذلك وجهه الاسلام إلى ما هو مجاله وهو الكون المادي الفسيح ، وهذا هو المطلوب منه لأداء رسالة الاستخلاف والتعمير التي خلق الله تعالى لأجلها مع تحقيق غاية العبودية التي تصلح هذا الانسان ليكون أهلاً لما كلف الله تعالى به من الصلاح والاصلاح .

ولذلك فإن العقول الكبيرة لفلاسفة اليونان والاغريق ( أمثال أرسطو وبقراط ) انشغلت بعالم ما وراء الطبيعة ( الميتافيزيقيا ) مئات السنين ، ولم تحقق نتائج مفيدة تذكر ، في حين أن علماء المسلمين الذين ساروا على منهج القرآن ، والمنهج التجريبي المنبثق منه ، ولم يشغلوا عقولهم بعالم ما وراء الطبيعة ، بل أشغلوها بالعلوم الانسانية والكونية والطبيعية ، استطاعوا خلال فترة وجيزة أن يبدعوا في مختلف العلوم ، ويحققوا حضارة خلال أقل من قرنين .

ولم يكتف الاسلام بهذا التوجيه الرباني العظيم ، بل أرشد العقل ، وساعده على معرفة ما في الكون من أسرار واختصر له الطريق في كثير من القضايا العلمية ، فعلى سبيل المثال أوضح له كيفية خلق الكون، وأن مرجعه إلى دخان ( غازات ) فماء ، فقطعة واحدة تفتت منها بقية السموات والأرض فقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ )[22] ناهيك عن خلق الانسان ، ومراحل حياته في بطن أمه بدقة متناهية لم يستطع العلم الحديث أن يتجاوزها على الرغم من تقدمه الهائل في هذا المجال .

وبالاضافة إلى هذه النقاط الأساسية الخاصة بالتكريم الرباني فإننا نركز على أهم مظاهر تكريم الله تعالى للإنسان ، الخاصة بالحرية الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وهي ما تسمى بالحريات العامة في الفكر المعاصر ، وهي نفسها مثار جدل بين المفكرين ، والمدارس الفكرية المتنوعة .

والمقصود بالحريات العامة ، وهي حقوق يتمتع بها الفرد بسبب طبيعته البشرية ، أو نظراً لعضويته في المجتمع ، يحقق بها الفرد مصالحه الخاصة ، ويسهم بها في تحقيق المصالح المشتركة للبلاد ، ولا يحد منها إلاّ في حالة الاضرار بمصالح الآخرين[23] .

وقد كفلت معظم الدساتير هذه الحريات بشكل واضح ، فعلى سبيل المثال تكفل الدستور القطري الجديد هذه الحريات العامة بشكل واضح حيث نصت المادة (34) على أن  
: ( المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة ) .

ونصت المادة (35)  على أن : ( الناس متساوون أمام القانون. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين ) .

ونصت المادة (36) على أن  : ( الحرية الشخصية مكفولة. ولا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون.

ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة ، ويعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون ) .

وبالاضافة إلى ذلك فإن منظمة المؤتمر الاسلامي قد أصدرت وثيقة نوقشت في صيغتها النهائية من قبل الخبراء والوزراء ، تضمنت مجموعة من المبادئ العامة المهمة والأحكام التفصيلية ، منها :

1 ـ البشر جميعهم أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله ، والبنوة لآدم ، وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الانسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الاقليم ، أو الجنس أو المعتقد الديني ، أو الانتماء السياسي ، أو الوضع الاجتماعي ، أو الطبقي ، أو غير ذلك من الاعتبارات .

2 ـ أكدت الوثيقة على حرمة الانسان في حياته ، وبعد موته ، والحفاظ على سمعته ، وعلى عدم جواز ممارسة أي لون من الإرغام ، أو الضغط عليه لترك دينه إلى دين آخر ، أو إلى غير دين ، كما لا يجوز استغلال فقره ، أو جهله لتغيير دينه .

3 ـ وأكدت الوثيقة أيضاً على حرية الرأي والتعبير وحق كل إنسان في الوظائف والانتخابات على أساس المساواة[24] .

وأما جامعة الدول العربية فلم يتضمن ميثاقها المكون من عشرين مادة مع ملاحقها الثلاثة أي بند صريح حول حقوق الانسان ، ولم يصدر منها ميثاق خاص بها ، على الرغم من أن معظم دولها قد نصت دساتيرها على حقوق الانسان[25] .

 

 

أنواع الحريات العامة وموقف  الاسلام منها :

يمكن تقسيم الحريات العامة إلى :

  1. الحرية الفكرية ، والدينية

  2. الحرية الاقتصادية ( حرية الملكية ، وحرية العمل )

  3. الحرية السياسية

  4. الحرية العلمية والثقافية

 

 

حماية الحريات من أعظم الكرامة للإنسان :

إن كرامة الانسان لا يمكن أن تتحقق في ظل الكبت والظلم والتعسف ، وإنما كرامة الإنسان متلازمة مع حقه في الحرية الفكرية والدينية ، والسياسية ، والمدنية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ( حرية الملكية ، حرية العمل ) والعلمية والثقافية ونحوها .

ولا يسع المجال لافراد كل نوع بالحديث الشامل المتضمن موقف الاسلام من كل حرية من هذه الحريات ، وإنما نتحدث بشكل عام عنها بحيث لا يتجاوز ذكر المبادئ العامة مع بعض أدلتها بإيجاز :

 

أولاً ـ الحرية الفكرية :

إن الحرية الفكرية في الاسلام ليست مجرد حق للإسنان وإنما هي حق الله تعالى على الانسان أيضاً ، وهذه الحرية تقتضي عدة أمور من أهمها : احترام العقل والعناية به ، وتشغيله ، وتحريكه ، وعدم تجميده من خلال التقليد ، والتعصب ، وهذه الأمور وغيرها بارزة جداً في الاسلام فقد أعلى من شأن العقل ، ورفع شأنه ، فجعله مناط التكليف ، فلا تكليف إلاّ بالعقل ، وجعله دليلاً على وجوده ، وحجة على وحدانيته ، بل أمر الله تعالى بالرجوع إليه عند الاختلاف العقلي فقال تعالى : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[26] .

وقد استعمل القرآن الكريم مشتقات ” عقل ” في تسع وأربعين آية ، بصيغة الفعل الماضي         ( عقلوه ) مرة واحدة ، والبقية بفعل المضارع سواء بلفظ الغائب ( يعقلها ) مرة واحدة ، أم بلفظ المتكلم مع الغير ( نعقل ) مرة واحدة ، أم بلفظ الجمع الغائب ( يعقلون ) اثنان وعشرون مرة أم بصيغة الجمع المخاطب ( تعقلون ) أربعة وعشرون مرة[27] .

ولم يرد لفظ ( العقل ) بالاسم معرفاً أو نكرة في القرآن الكريم ولكن ورد مرادفه مثل               ( الألباب ) وهو جمع اللب وهو العقل ست عشرة مرة[28] ، و( الحُلُم ) بضم الحاء واللام بمعنى العقل مرتين[29] ، و ( حِجْر ) بكسر الحاء وسكون الجيم بمعنى العقل مرة واحدة[30] ، و ( النُهَى ) بضم النون وفتح الهاء بمعنى العقل مرتين