اعتبر فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن ما يحدث في سوريا قد تجاوز كل الحدود، وقال إن الدول تدخل جهارا في المعركة مثل روسيا وإيران وهما وحزب الله والنظام السوري كلهم ضد الشعب السوري المسالم.
وقال فضيلته أمس في خطبة الجمعة بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: نحس بالإثم، وإننا آثمون أمام ما يحدث، تركنا هذا الشعب هكذا يفعل به، ويقتلون جهارا ونهارا، وبكل أنواع الأسلحة، ونحن حتى لم نوفر لهم الأسلحة الكافية، بل لم نوفر الذخائر الكافية، والأمة بأموالها وإمكاناتها ودباباتها التي أصابها الصدأ في معظم البلاد العربية، الأمة آثمة ويجب أن تهب هبة حقيقية لنصرة إخوانهم في سوريا.. وكذلك ما يحدث في ميانمار شيء يندى له الجبين، الحكومة جهارا نهارا تقول هؤلاء لا يستحقون أن يكونوا مواطنين، لا بد أن يبادوا، وإنهم يزيدون، وبالتالي يجب تطبيق العقم عليهم، وهو جزء منا ونحن ساكتون صامدون!
في بنجلاديش
وتحدث فضيلته عما حدث في بنجلاديش، فقال: خلال ليلة واحدة أطفأت الكهرباء والمصابيح وبدأت الحكومة بتعاون هندوسي تقتل المسلمين المعتصمين في المساجد، وهناك روايات بين 30000 أقل شيء، أما الروايات المثبتة في التقارير الغربية 3000 شخص قتلوا في ليلة واحدة، والأمة ساكتة وصامدة، لذلك نفوض أمرنا إلى الله سبحانه وتعالى، ونسأله أن يصلح حالنا، ولا نيأس لأن أمتنا أمة خير، وفيها خيرون كثيرون، وفيها قادة طيبون ونسأل الله أن يعينهم.. مشيراً فضيلته إلى أنه من الأمور التي تدخل في الأمانة، أمانة المسؤولية عن دماء المسلمين، عن أحوال المسلمين، الأمة متضامنة في نظر الشريعة، والأمة كجسد واحد وبالتالي ما يحدث في بلدنا الإسلامية اليوم مخالف كذلك لما أمرنا الله سبحانه وتعالى من أن نكون كجسد واحد أو نكون جسدا واحدا.
العلاقات الاجتماعية والإنسانية
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا: حينما ننظر إلى العلاقات الاجتماعية والإنسانية، نرى أن الإسلام أولى لها عناية قصوى، حتى تتحقق الأخوة الحقيقية بين المسلمين، وحتى يصبح المسلمون أمة واحدة، وجسدا واحدا، يحس بعضه ببعض، كما شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم بالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
قضية الأمانات
وقال من أعظم الواجبات في هذا المجال حتى تتحقق الأخوة الإيمانية، وحتى يتكامل الجسد الواحد، أن يكون الإنسان أميناً ومؤتمناً، وأن لا يخالف ما ائتمن عليه، لأن الأمانات من أهم الفرائض والواجبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على المؤمنين، وجعلها ركنا من أركان دينهم، وجعل مخالفة الأمانة خصلة من خصال النفاق، ونعوذ بالله من النفاق وأهله، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النفاق حتى يذرها) أي حتى يتركها، وفي رواية (حتى يدعها) أي حتى يتركها كليا (إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا اختصم فجر). هذه الخصال الأربع إذا وجدت في إنسان واحد أصبح منافقا كاملا، حتى وإن كانت عقيدته ليست عقيدة النفاق، وأن النفاق نوعان: نفاق في العقيدة، ونفاق في الإسلام وفي الأركان، فنفاق العقيدة الذي في داخله لا يؤمن ولكنه يتظاهر بالإسلام، أما نفاق داخل الإسلام أو نفاق في مخالفة الأعمال حينما تتوافر هذه الخصال الأربع فيصبح الإنسان منافقا خالصا ويحشر مع المنافقين.
وتحدث في الخطبة عن خصلة من هذه الخصال وهي قضية الأمانات التي أولى الله بها عناية قصوى، ففي سورة المعارج جعل الله سبحانه وتعالى الحفاظ والرعاية للعهود والأمانات، سببا من أسباب النجاة من الهلع والجزع في الدنيا ومن نار جهنم في الآخرة، وقال سبحانه وتعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)، ثم استثني منه بعد أن قال سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، الذين يحافظون على عهودهم ووعودهم وعلى عقودهم وعلى أماناتهم التي اؤتمنوا عليها، هؤلاء لا يدخلون في هذا الهلع والجزع، وإنما يكونون بمنجى في الدنيا من القلق ومن الاضطرابات النفسية الخطيرة التي تترتب عادة على عدم الإيمان.
شرط دخول الفردوس
وتابع قائلا: بيّن الله سبحانه وتعالى أن هذا الشرط أيضاً ليس لإخراج الإنسان من الهلع والجزع فقط، وليس لإخراج الإنسان من نار جهنم فقط، وإنما أيضاً شرط أساسي لدخول الفردوس الأعلى، أي أكد هذه الآية بنفس الكلمات والحروف في سورة «المؤمنون» التي تتحدث عن الذين يرثون الفردوس الأعلى، هم فيها خالدون، بين الله سبحانه وتعالى مواصفاتهم حينما بدأ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، ثم بعد ذلك قبل آخر الآية يقول (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) بنفس الكلمات ونفس الحروف.. إذاً رعاية العهود والعقود والمواثيق والوعود، والحفاظ على الأمانات، هي أيضاً من أسباب دخول الإنسان الفردوس الأعلى، وليست الجنة العادية، فالذين يريدون أن ينجوا من عذاب النار وأن ينجوا من الهلع والجزع في الدنيا، عليهم بالحفظ والرعاية لأمانتهم، وعهدهم، والذين يريدون أن يصلوا إلى الفردوس الأعلى فإن الفردوس الأعلى لا يدخلها من كان غير محافظ على عهوده وعقوده وغير حافظ للأمانات التي اؤتمن عليها.
وذكر فضيلته أنه في هاتين الآيتين الكريمتين في هاتين السورتين العظيمتين صورة عظيمة جدا وخطيرة في الوقت نفسه لقضية الحفظ على الأمانات، فإذا كانت رعاية الأمانات بهذا المستوى في هذه الشريعة وأن مخالفتها من علامات النفاق، فما هي الأمانات؟
ما هي الأمانات؟
وتحدث عن الأمانات بقوله: الأمانات كل شيء اؤتمنت عليه سواء كان هذا الشيء يدور حول ما يتعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى، أو ما يتعلق بحقوق العباد، فأنت موظف مؤتمن على عملك، ومؤتمن على هؤلاء الأشخاص الذي يعملون تحت أمرك، وبالتالي فأي مخالفة للقوانين وأي غض للطرف وأنت لا تهتم بها خنت الأمانة، عليك بالعدل وأن تطبق النظام والقوانين دون تفرقة، فحينما فرقت بين هذا وذاك خنت الأمانة، لأنه ليس لهذا اؤتمنت، وإنما اؤتمنت أن تكون مسؤولا عن إخوانك وتطبق اللوائح.. ولذلك دائما الأمانات مرتبطة بالعقود والعهود، والعهد يشمل العقد في الشريعة الإسلامية والوعد والمواثيق، كل هذه الأشياء تدخل في العهد (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)، العهد ما يتعهد به الإنسان، أي ما يلتزم به الإنسان سواء كان له مقابل سمي عقدا، أو لا يكون له مقابل يسمى وعدا، فالوعد والعقد داخلان في العهد، وهو واجب التطبيق أنت التزمت به ولو لم تكن واجبا، فلذلك النذر داخل في الوعد وهو داخل في العهد.
هذه الأمانات تشمل كل الأشياء في دائرتك في متجرك في مصنعك وأي مكان كنت، فالله سبحانه وتعالى ائتمنك على حقوقه واؤتمنت على حقوق الناس من خلال العهود والعقود والمواثيق وغير ذلك.. فإذا خالفت هذه الأشياء فقد خنت هذه الأمانة، ولذلك هي خطيرة جدا حتى ربطها الله سبحانه وتعالى بالحكم، لأن الحكم في الشريعة الإسلامية هو عقد بين الشعب والحاكم، ولذلك يقول رب العالمين (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)، فالحكم الذي جاء بعد الأمانات هو جزء من الأمانات، والحكم يشمل حكم الخليفة أو الأمير أو رئيس الدولة وكل من يحكم يدخلون في هذه الأمانات التي حملهم الله سبحانه وتعالى وجعلها هذه الأمانة.
رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم
واختتم قائلا: حينما جاء رجل والرسول في مجلس وهو يعظ الناس، فقام رجل فقال يا رسول الله: متى الساعة؟ فمضى رسول الله في حديثه لأنه لا ينبغي أن يُقطع الإنسان وهو يُحدث، وهذا من أدب الحديث أن تعطي الحق لصاحبك حتى يفرغ من حديثه، فمضى الرسول حتى قال بعض القوم إنه كره ما قلت فلم يرد، وبعض القوم قالوا لا ما سمع أساسا، حتى إن أكمل الرسول حديثه قال: «أين السائل عن الساعة؟»، قال: هأنذا يا رسول الله، فقال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة). لأن الدنيا تقوم على حفظ الأمانات، وإلا تكون فوضى، وإذا وصلت حالة إلى فوضى عارمة حينئذ تنتهي ويأتي يوم القيامة، ويغير الله سبحانه وتعالى كل شيء وقال: كيف إضاعتها، فقال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، أي إذا وسد حكم الوزارة أو الرئاسة أو أي مسؤولية إلى شخص غير أهل به، فهو من البداية خان الأمانة، ويعلم بأن هذا الرجل الذي عينه سيخون الأمانة مثله، وبالتالي يخون الأمانة فتصبح الفوضى عارمة.