دارت جلسة نقاش بعنوان “السياسة والأخلاق” يوم الأمس السبت، والتي شهدتها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، و شارك فيها نخبة من علماء الشريعة الإسلامية والفنانين والسياسيين، حول العلاقة بين القيم الأخلاقية والممارسة السياسية.
يأتي المؤتمر ضمن سلسلة من الفعاليات التي ينظمها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، بهدف تعميق النقاش حول الإشكالات المعاصرة وطرح مقاربات أخلاقية لمعالجتها.
ويسعى المشاركون في المؤتمر إلى تعريف الأخلاق الإسلامية ومسألة الممارسات الفنية والسياسية من منظور أخلاقي.
وقال الدكتور جاسر عودة أستاذ بمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاقي، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إن العالم الآن بات مشغولا بالأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ترجع جميعها إلى خلل في الميزان الأخلاقي للدول والساسة على السواء، مؤكدا أن العالم العربي بما يشهده من حراك سياسي واجتماعي نتيجة الثورات العربية يحتاج إلى ثورة أخلاقية تقدم منظومة من القيم لتلك الثورات بعدما فشلت في أن تترجم تلك الثورات أحلام الشعوب إلى واقع. وأضاف: إننا في حاجة ماسة لإعادة تعريف الأخلاق وفقا للمقاصد الشرعية التي هي مجموعة المعاني السامية والأخلاق التي تتبناها الشريعة.
من جانبه أكد الدكتور أحمد الريسوني رئيس رابطة علماء أهل السنة حاجة المجتمعات الإسلامية لتدريس منهج علم الأخلاق في الجامعات من مفهوم إسلامي شامل وذلك من شأنه أن ينمي الأخلاق لدى المجتمعات على أن يكون علم الأخلاق علما موضوعيا يتعلمه الطلاب مثل باقي علوم الشريعة. وأشار إلى أن الطريق لدراسة الأخلاق في الإسلام هو انطلاق بصورة كاملة ومستقلة نحو الأخذ من الكتاب والسنة وكتب الشمائل.. مضيفا أن التراث الإسلامي مليء بالدراسات التي يجب النهل منها وليس فقط كما يعتمد البعض على التراث اليوناني والأوروبي وغيرها من النظريات الغربية التي نلبسها لباسا إسلاميا.
وشدد الريسوني على ضرورة بذل المزيد من الجهود العلمية لإعادة الاعتبار للأخلاق الإسلامية المستمدة من القرآن والسنة وإبراز الاجتهادات الفكرية القديمة والحديثة وتصديرها للشعوب التي تحتاج لمثل هذه القيم.
من جانبه أكد الأستاذ الدكتور محمد كمال حسن مدير الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا أن هناك حالة من عدم الرضا بين جمهور العلماء عما آلت إليه أخلاق شعوب الأمة الإسلامية واستدل على ذلك بالتقارير السنوية التي تصدرها هيئة الشفافية العالمية عن الدول الأكثر والأقل فسادا بالعالم حيث أظهرت النتائج أن قطر هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي جاءت ضمن الدول الثلاثين الأكثر مكافحة للفساد وتحقيق الشفافية في العالم من بين الدول العربية والإسلامية وفي المركز الـ 19 للدول الأكثر شفافية في العالم وفقا لآخر تقارير هيئة الشفافية، ومن بين الدول الأقل فسادا في العالم تلتها من الدول العربية الإمارات.
وأشار إلى أن هذه التقارير ترجمة فعلية على أن الدول الإسلامية لا زالت الأكثر فسادا بالرغم من كون الإسلام دعا إلى تحقيق قيم العدل والمساواة وغيرها من أخلاق الإسلام التي يجب أن تكون متأصلة بالدول الإسلامية.
واعتبر الدكتور علي محيي الدين القره داغي أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن مسألة الأخلاق ليست قضية جزئية في الشريعة وليست وسيلة لغاية وإنما حقيقة في التشريع الإسلامي مقسما النظرية الأخلاقية إلى عدة محاور منها الأخلاق الداخلية المرتبطة مع الإنسان والداخلية المرتبطة بالروح والنفس والأخلاق المرتبطة مع الإنسان ونفسه والإنسان والآخر وعلاقة الإنسان بالحيوانات والبيئة وحتى التعامل مع الإنسان نفسه والأخلاق الذاتية من خلال ارتباط الشخص مع أسرته ومع المجتمع والعلاقة بين الراعي والرعية.
وقال في معرض تناوله للجانب السياسي في هذا السياق إن مرجعية العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي مرجعية أخلاقية، لافتا إلى الجانب الأخلاقي في مبدأ الشورى والمناصحة والحريات والحفاظ على خصوصيات الإنسان. وحول الحقوق السياسة، قال هناك حقوق الرحمة والرفق انطلاقا من “الدين النصيحة” إضافة إلى العفو والتسامح وحفظ الأمانات، مشددا على أخلاقيات الرعية مع الراعي للحفاظ على النظام ودستور البلاد وقوانينها والتعاون مع الدولة والتشاور في القضايا التي تهم البلاد والعباد والابتعاد عن الفساد والاهتمام بالولاء لله ورسوله وتحقيق مبدأ التكامل والتكافل الاجتماعي.
وعن أصول الأخلاق السياسية، قسم الدكتور القره داغي هذا الأمر لثلاثة أقسام تتمثل في العدل والإنصاف بعيدا عن الظلم والرحمة والإحسان والحفاظ على العهود. وأرجع الأخلاق السياسية إلى مسألتين مهمتين هما تحقيق المنافع والمصالح العامة للمجتمع ودرء المفاسد عن المجتمع، قائلا من هنا تأتي آثار الأخلاق السياسية من حيث تأثيرها على الأخلاق الاجتماعية وربطها بالمقاصد ومنها مقصد حماية أمن الدولة والمجتمع.
وعقد مقارنة بين الأخلاق في الغرب وفي الإسلام، لافتا إلى أنها في الغرب مبنية على تحقيق المصلحة الفردية بينما في الإسلام على أساس مصلحة الجميع.
وشدد الدكتور العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على عمق اهتمام الإسلام بمبدأ الأخلاق الاجتماعية والسياسية من أجل بناء المجتمعات على أفضل الأسس الحضارية، قائلا إن الشرك ظلم عظيم والظلم في جانب الأخلاق السيئة بينما العدل الذي يحض عليه الإسلام هو جانب الأخلاق الحسنة وجانب إيجابي فالتوحيد عدل والشرك ظلم. وضرب أمثلة عديدة بمقاصد الأخلاق في منفعة المجتمع والعامة بعيدا عن المصالح الفردية بالحياء وحسن معاملة الجار والآخر والابتعاد عن الفواحش والمكاره.
وقال إن الإسلام قائم على أخلاقيات عالية كونه ينهى عن الفحشاء والمنكر، لافتا على سبيل المثال إلى أن الزكاة التي أقرها الإسلام تزكي النفس وتطهر المجتمع وكذلك الصيام يربي ويعلم على الخير والأخلاق الحميدة بعيدا عن الزور والبهتان.. وهنا يعتبر الإسلام أن الشعائر الدينية مهمتها أخلاقية وكل عمل في الإسلام مقترن بالأخلاق فهناك دور للقيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي وليس كما يرى الغرب أنه لا علاقة للأخلاق بالاقتصاد نحن في الإسلام كل شيء مرتبط بالأخلاق من أجل مصلحة البشرية والعامة وليس كما الحال في الغرب التركيز على المصلحة الفردية والشخصية.
وقال إن الإسلام أراد لكل شيء أن يرتبط بالأخلاق سواء السياسة أو الاقتصاد أو التجارة وليس كما جاء في نظرية ميكافيللي الغربية القوي يأكل الضعيف، وهذا أمر مرفوض في الإسلام الذي جاء بالقيم الأخلاقية والإنسانية. وقال إن الدين أحد مقاصد الشريعة المحافظة على النفس والعقل والنسل والمال والعرض، لافتا إلى أن الإسلام شدد على أهمية التعامل الأخلاقي حتى بحق الحيوانات. ودعا هنا إلى تعليم هذه المبادئ في المناهج الدراسية.