الدوحة – الراية:
حثّ فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المسلمين إلى الإنفاق بسخاء في شكر الكرم الفضيل خاصّة إذا تذكّرنا جود رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلاً: ما أحوجنا اليوم إلى أن نستحضر هذا الجود لإخواننا في الشام، فقد شنّ النظام هجومًا شرسًا على إخواننا في حمص وحصارها الذي استمرّ لأكثر من شهر حتى نفد الزاد من عندهم.
وأشار إلى أن عدد اللاجئين والمشرّدين السوريين إلى أكثر من 8 ملايين داخل سوريا وخارجها، لا سيّما في حرب حمص الأخيرة، فعلينا على أقل التقدير أن نُرسل لهم ما يكفي إفطارهم وسحورهم.
وقال فضيلته خلال خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة: إن هذا الشهر مدرسة كاملة لترويض الإنسان، ولصناعة الإنسان صناعة حقيقيّة، تجعل هذا الإنسان إنسانًا طاهرًا صابرًا محبًّا للخير جوادًا كريمًا تقيًّا نقيًّا زكيًّا، بعيدًا عن الغيبة وعن كل المحرّمات، لأنّ الله سبحانه وتعالى حرّم في هذا الشهر بعض المباحات في وقت النهار، فإذا كان الصائم صائمًا عن المباحات فكيف لا يصوم عن المحرّمات، لذا علينا أن نبتعد عن اللغو، والرفث، والغيبة، والنميمة، وعن المحرّمات، وأن نطيب مأكلنا ومشربنا حتى يتقبّل الله منّا.
وأكد أنه لا يجوز لنا أن ننسى إخواننا في مصر، فقد ظُلموا أشد الظلم، جهارًا نهارًا، ولم يُظلموا لأنهم إخوان، وإنما لأنهم يحملون الإسلام، والمشروع الإسلامي، والهويّة الإسلاميّة وهم فازوا في الانتخابات 6 مرات ومع ذلك أخذوا باللعبة الديمقراطية، ولكن الآخرين تآمروا وقاموا بانقلاب عسكري ضدّهم، وهم أصحاب الحق، لذلك علينا ان ندعو لهم وأن نقف معهم وأن نساعدهم بكل ما نستطيع.
وكان فضيلته قد بدأ خطبته بقوله: لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى ببلوغنا هذا الشهر العظيم، شهر رمضان، الذي وصفه الله سبحانه وتعالى “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”، هذا الشهر هو شهر الخير، والجود، وشهر البركات، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: “اذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب جهنم وسُلسلت الشياطين”، وهناك أحاديث كثيرة على فضل هذا الشهر العظيم، وأنه شهر أكرم الله سبحانه وتعالى به هذه الأمّة المحمّديّة، ولم تنل أمّة أخرى قبل الإسلام مثل هذا الفضل العظيم، حيث هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم، وفيه ليلة خير عند الله سبحانه وتعالى من ألف شهر.
وأكد أن الله سبحانه وتعالى أراد بهذا الشهر لهذه الأمة أن يكون مدرسة للترويض والتدريب على الخلق القويم، وعلى الأخلاق الطيبة، وعلى أن يكون الإنسان حاسًّا ومشعرًا بحالة الفقراء والمساكين، ولذلك فرض الله فيه الصيام، وبيّن الله الحكمة في الصيام من خلال آيتين عظيمتين: الآية الاولى قوله سبحانه وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” أي أن الغرض الأساس، والحكمة الأسمى، والهدف الأعظم من هذا الشهر، أن يصل الانسان الى مرحلة التقوى.
وقال: التقوى هي الكلمة الجامعة، المانحة لكل الخيرات، والمانعة لكل الشرور والسيئات، فمن اتاه الله سبحانه وتعالى التقوى فقد آتاه خيرا كثيرا، يقول الله سبحانه وتعالى “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا”، ثم يقول رب العالمين أيضًا “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” ويقول الله تعالى “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ”، وقد بين الله أن من يتقي الله يجعل له فرقانا، ويجعل له بصيرة وحكمة، ويعطيه البيان والقدرة.
وأضاف: إن التقوى هي رأس الأمر والكلمة الجامعة، والصيام يوصل الإنسان إلى هذه الكلمة، وقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم التقوى في حديث صحيح من خلال حديث جبريل، قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما فسر الإحسان “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، فالتقوى بحيث إذا صلى وصام وعبد وأقام الشعائر، وإذا عمل عملاً للدنيا والآخرة، أن يكون كأنه يرى الله سبحانه وتعالى، وإذا وصل الى هذه المرحلة، فلا يمكن أبدًا أن يرتكب المنكرات، لأنك ترى الله، وهو البرهان الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى لسيدنا يوسف فالتقوى هي الوقاية المانعة الحافظة للإنسان. وإذا لم يصل الانسان الى المرحلى الأولى (كأنك تراه) من التقوى، فلا يجوز إلاّ أن يكون الإنسان على المرحلة الثانية، وهي (فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وحتى في هذه الحالة ايضا استشعار برقابة الله، فأصل التقوى ان يستشعر رقابة الله سبحانه وتعالى.
حكمة لعمل نفسي
وذكر فضيلته أن هذه الحكمة الأساسية مرتبطة بطبيعة الصوم، لأن الصوم أيضًا عمل نفسي داخلي، لا يطلع عليه إلاّ الله، لذلك يقول الله في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي”، فإذا كان طبيعة الصيام تتنفق مع طبيعة التقوى، فإن الله سبحانه وتعالى يطلب من هذا العبد المؤمن، الذي اصبح لديه التقوى بسبب الصيام، أن يكون صابرًا، حليمًا، رفيقًا، وأن يتحمّل الأذى، وأن يُقابل السيّئة بالحسنة، وأن يُقابل القول بالقول الحسن، وفي حديث: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد، أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم”، والرفث هو فعل الفاحش، والصخب هو قول الفاحش ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم “الصيام جُنّة” والجُنّة: مانع من الرفث والآثام وأيضًا من النار، والمطلوب من الإنسان من خلال الصبر والتقوى أن يتحمّل الأذى من الفعل الفاحش والقول الفاحش وليقل إني صائم، وهذا من مواصفات عباد الرحمن “الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا”، فهذه أعظم صفة التي يصل اليها الانسان، كما قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”، وإذا وصلت الى هذه المرحلة، وصلت الى مرحلة المصطفين، الى المرحلة الأبرار والمتقين، ومرحلة الأخيار.
الصيام خير لنا
وتابع: أمّا الحكمة الثانية “وأن تصوموا خير لكم”، الصيام خير لنا، خير لبدننا ونفوسنا وبدننا وعقولنا، وخير لأسرتنا وفقرائنا واغنيائنا ورؤسائنا وحكامنا، لأنه حينما يصومون تتحقق الخيرات الكثيرات في هذه المجالات، في مجال البدن والنفس، ولذلك للصوم علاقة بهذا الخير، وقد اثبتت العلم الحديث بأن الصوم فعلا يؤدّي إلى الصحّة والحفاظ والوقاية من الأمراض الكثيرة، وأقول الأمراض الكثيرة، لأن بعض الأمراض يستوجب الفطر فمن كان مريضًا أعطاه الله رخصة الفطر. وقرّر فضيلته نحن في هذا الشهر الفضيل، لا بدّ أن نقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم صوّاما قوّاما يُقيم الليل حتى تتفطّر رجلاه، جوادًا رحيمًا وكان أجود ما يكون في رمضان ويقول ابن عباس “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلروسل الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المُرسلة”.
دعوة للجود
ودعا للجود بقوله: علينا بالجود خاصّة في وقتنا الحاضر، وما أحوج الفقراء إلى جودنا وكرمنا وإلى صدقاتنا وزكواتنا وخيراتنا، فحينما كان الرسول الكريم مريضًا في بيته كن في بيته بضعة دراهم، ولم يمت إلاّ وقد أمر السيدة عائشة بأن تتصدّق بها، وحتى لا يموت الرسول وفي بيته دراهم والناس جياع، وأنا لا أقول أن نتبرّع بكل أموالنا ولكن أن نتبرّع بجزء كبير منه لا سيّما لإخواننا في سوريا ومصر.