الدوحة -الراية : أكّد فضيلة د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن قضية القدس الشريف، هي الأمانة الكُبرى التي يجب علينا كمسلمين أنْ نحافظ عليها ولا نخونها، مُعرباً عن أسفه لما يمرّ به العالم الإسلامي من أزمات أنستْه كل قضاياه.

وقال د. علي القره داغي في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إنّ الأمانات ما أجملها حينما نلتزم بأمر الله في أدائها وحفظها ورعايتها، وما أخطرها حينما نفرّط فيها ونخونها.

 

نقل السفارة

وأوضح أن أمريكا نقلت سفارتها إلى القدس على مرآى العالم وسمعه، دون أن يحرّك العالم العربيّ ساكناً، لأنه منشغل في إيقاد نيران الفتن فيما بينه.. ثم جاء ما يسمّى بصفقة القرن، وهي خيانة عظمى لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها تنازل عن المبتدأ، وهو المسجد الحرام، وتنازل عن المنتهى، وهو المسجد الأقصى.

وأشار إلى أن كل ذلك يزيد في جراحاتنا، ويؤلمنا أشد الألم، ولكن الأمل يبقى في الله تعالى، حيث سيجعل الله تعالى بعد كل هذا الضيق للأمة الإسلامية فرجاً ومخرجاً. وقد بدأ د. علي القره داغي خطبته قائلاً: إنّ الفوز العظيم الذي وعده الله تعالى لعباده المؤمنين إنما يتحقق عندما يكون الإنسان أهلاً لحمل الأمانات، مؤتمناً عليها، قادراً على حفظها؛ إذ الأمانات من أعظم ما أمر الله تعالى به الإنسان وكلفه بأدائها وحفظها، ولقد اختار الله تعالى الإنسان وأكرمه وعرض عليه حمل الأمانات فتقبلها الإنسان وتحملها وتكفل بحفظها ورعايتها، ما جعله أهلاً للاستخلاف في الأرض، وتسخير ما في الكون كله له.

 

قدرة الله

وذكر أن للمفسرين في بيان هذا العرض قولَين؛ الأول: إنّ هذا العرض حقيقي، فالله قادر على كل شيء، وكل شيء يسبح بحمده، ولما عرضت أمانات التكليف والتعمير والاستخلاف في الأرض على السماوات والأرض والجبال أعلنت عجزها عن تحملها وأدائها، فقرّر الله تعالى إعفاءها من حمل الأمانة. والقول الآخر: إن هذا العرض كان عرض تخيير، إذ السماوات والأرض والجبال لا تعقل، وهي غير مكلّفة من حيث إنّها ليست ذات عقل وقدرة وإرادة، فكان هذا الإباء ذاتياً من حيث المؤهلات.. ولكن الإنسان الذي خلقه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة في الأرض، هذا المخلوق العظيم هو الذي استحق أن يتحمل الأمانة في الأرض، ويقوم بها على وجهها الأكمل، وقد ورد بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما:» عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ : خُذْهَا بِمَا فِيهَا، فَإِنْ أَطَعْتَ غَفَرْتُ لَكَ، وَإِنْ عَصَيْتَ عَذَّبْتُكَ».

 

تكريم وتشريف

ورأى فضيلته أنّ هذا العرض كان تكريماً وتشريفاً لآدم وذريته من بعده، وحمله لهذه الأمانات أيضاً فيه تكريم وتشريف من ناحيتين؛ الأولى: أن هذا التكليف يزيل عن الإنسان الظلم والجهالة، والثانية: أداء الأمانة أيضاً يزيل عن الإنسان الظلم والجهالة. وذلك لأن الإنسان مجبول على الظلم والجهل، فحتى يتحقق له العدل عليه أن يكلف بتحمل الأمانات كلها؛ أمانات التكاليف، وأمانات التشريع، وأمانات المجالس، وأمانات الوظيفة، وأمانات الأسرة، فإذا تحملها وأداها زالت عنه طبيعيته النفسية؛ إذ يسارع إلى تحقيق العدالة ويطلبها، ويتعلم آلية حفظها ورعايتها، وبذلك تقام الحضارات ويبنى الإنسان، فأكبر ما يعيق الإنسان عن التطبيق والتنفيذ هو الظلم بمعناه الشامل، والجهل..إنه كان ظلوماً جهولاً، استئناف جواب سؤال، كأن سائلاً سأل، لِمَ عُرضت الأمانة على الإنسان؟ ولِمَ تحملها؟ فكان الجواب: ليزال عنه الظلم والجهل، وفي هذا غاية التشريف ومنتهى التكريم.

 

حمل الأمانة

وأكّد فضيلته على أن الله تعالى حين كرم الإنسان بحمل الأمانة وأوجب عليه أداءها وحفظها ورعايتها، تعهّد له بالثواب العظيم، والأجر الكبير إن التزم بما عاهد عليه الله تعالى، وقد أمر الله تعالى بأداء الأمانة على أكمل وجه، فقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، والجزاء المترتب على الوفاء بالأمانة كبير جداً، ذكره الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه، نشير إلى موضعين منها، ففيها البيان الكافي:الأول: النجاة من النار، وقد ذكر الله تعالى ذلك في سورة المعارج بعد أن عدد صفات الناجين من القيامة وأهوالها، ومن جهنم وعذابها.

 

أمانة العبادات

وأشار إلى أن أنواع الأمانات كثيرة من بينها: أمانة العبادات، يجب على المسلم أن يرعاها ويؤديها على النحو الذي أوجبها الله تعالى، كما عليه ألا يقدّم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيدخل في دين الله ما ليس منه، ويزعم أنه هو التشريع الذي قصده الله تعالى وأراده، وأمانات الودائع، من أموال وغيرها، إذ يجب على المسلم أن يكون حريصاً على الالتزام بما في العقود، وألا يخل بشروط الصحة، حتى تكون عقوده في دائرة التشريع، وألا يبخس الناس أشياءهم، وألا يغشّ في البيع والشراء.