إنشاء الشركات في القانون القطري :
نظم القانون المدني القطري الجديد الشركات المدنية التي شملت شركة الأموال وشركة الأعمال وشركة الوجوه ، وشركة المضاربة على ضوء قواعد الفقه الاسلامي ، حيث عرفت المادة 513 الشركة بأنها تلتزم بمقتضاه شخصان ، أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي ، يتقدم حصة من مال ، أو من عمل ، واقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة .
أما الشركات التجارية فقد نظمها قانون الشركات التجارية رقم 5 لسنة 2002 وعرفت المادة 2 الشركة التجارية بأنها : عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر من الأشخاص الطبعيين أو المعنويين بأن يسهم كل منهم في مشورع يستهدف الربح ، ولذلك بتقديم حصة من مال ، أو عمل ، واقتسام ما ينشأ عن المشروع من ربح أو خسارة .
وذكر القانون المذكور أنواع الشركات التجارية المعهودة في مادته 4 نصت على أنه : يجب أن تتخذ الشركة التي تؤسس في الدولة أحد الأشكال الآتية :
1- شركة التضامن
2- شركة التوصية البسيطة
3- شركة المحاصة
4- شركة المساهمة
5- شركة التوصية بالاسهم
6- شركة ذات مسؤولية محدودة
وقد اشترط القانون في المادة 6 في صحة عقد الشركة ـ ما عدا شركة المحاصة ـ أو تعديلها أن يكون مكتوباً باللغة العربية ، وموثقاً أمام الجهة الرسمية المختصة بالتوثيق والإكان أو التعديل باطلاً ، لكن هذا البطلان لا يجوز الاحتجاج به أمام الغير (مادة 7 ) .
وهذا القانون يتكون من 329 مادة من الضروري للمستثمرين في قطر أن يكونوا على علم به وإن كان بصورة إجمالية ، وإن هذا القانون منسجم في كثير من مواده مع قوانين الشركات في العالم العربي ، لكن الاطلاع عليه مفيدة جداً .
الواقع العملي للشركات القَطَرية من حيث الحلّ والحُرمة :
فقد ذكرنا أن العلماء المعاصرين قسمو الشركات إلى ثلاثة أقسام ، وهي :
أولاً ـ الشركات التي نشاطها حلال ، وأعمالها مشروعة ، وقد التزمت بأحكام الشريعة الغراء ، وهي بلا خلاف تجوز المساهمة فيها ، وتدول أسهمها ، وهي :
-
مصرف قطر الاسلامي
-
بنك قطر الدولي الاسلامي
-
الشركة الاسلامية القطرية للتأمين
-
شركة الإجارة
-
شركة المواشي
-
شركة المخازن
-
الشركة العقارية
وهذه الشركات قد نزلت أسهمها في سوق الدوحة للأوراق المالية ، فالمساهمة ، والمضاربة ، والتداول جائزة دون الحاجة إلى التنقية والتطهير .
وهناك شركات إسلامية أخرى لم تنزل بعد في البورصة ، وهي :
-
الأولى للتمويل
-
بيت الاستثمار
وهناك شركات إسلامية أخرى بصدد اكتمال الاجراءات ونزولها في البورصة ، ومنها شركة التكافل الاسلامي للتأمين وإعادة التأمين .
وهناك أيضاً فروع إسلامية لثىثو بنوك ، وهي : بنك قطر الوطني ، وبنك الدوحة ، والبنك التجاري ، وقد اشترطنا لصحة هذه الفروع ومصداقيتها الاسلامية ما يأتي :
1. أن يكون للفرع استقلاليته ، بحيث تكون له إدارة مستقلة ، من خلال قرار من الجمعية العمومية بذلك .
2. أن يكون له رأس مال خاص به ، يودع في أحد البنوك الإسلامية إلى أن يستثمر في الاستثمار الاسلامي .
3. أن تكون له ميزانية مستقلة في آخر كل عام ، وبالتالي له ذمته الدائنة .
4. أن لا يخلط أمواله بأموال البنك .
5. أن توضع للفرع لائحة داخلية تلتزم فيها الإدارة في جميع أعمالها بأحكام الشريعة الاسلامية الغراء ، ويكون له هيئة شرعية للفتوى ، والرقابة الشرعية ، تكون قراراتها بالاجماع ، أو بالغالبية وملزمة للإدارة .
ثانياً ـ الشركات التي غرضها الأساس حرام :
وهي البنوك الربوية وبإجماع المجامع الفقهية ـ كما سبق ـ وكذلك التأمين التجاري على رأي جمهور الفقهاء والمعاصرين ، ومجمع الفقه الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي ، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الاسلامي ، وهيئة كبار العلماء في السعودية .
وعلى ضوء ذلك فلا يجوز المساهمة فيها ولا تداول أسهمها ، ولا المضاربة فيها إلاّ لمن دخل بنية التغيير نحو أسلمتها ، وهو قادر بنفسه أو مع غيره ، والحمد لله فقد تحولت بنوك ربوية كبيرة إلى بنوك ملتزمة بأحكام الشريعة الاسلامية الغراء ، مثل بنك الشارقة الوطني ، وبنك الامارات ، وبنوك في الكويت وغيرها .
وقد ساهمنا ـ مع بعض إخواننا العلماء ـ بفضل الله تعالى في أسلمة بعضها ، وكان لديهم إشكاليات شرعية وقانونية تحول دون تحولها ، ولكن استطعنا بفضل الله تعالى ، وبفضل مرونة شريعتنا الغراء أن نذلل العقبات ، ونسهل الأمور فتحولت دون أن تصاب بضرر في الدنيا ، بل فازت وفاز أصحابها بحسنتي الدنيا والآخرة ، فطوبى لمن جعل الله تعالى مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر ، وطوبى لمن سنّ سنة حسنة ، حيث يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
ولذلك فعلى جميع الملتزمين بالاسلام أعضاء مجالس الادارة والجمعية العمومية أن يبذلوا كل جهودهم لتحويل المؤسسات والشركات غير الملتزمة إلى مؤسسات وشركات ملتزمة بديننا وعقيدتنا وشريعتنا الغراء .
وهنا أذكر قصة حينما كنت في القاهرة حضرت بعض الدروس القانونية للأستاذ الدكتور شفيق شحاتة ـ وهو مسيحي قبطي ـ وكانت رسالته الدكتوراه بباريس حول الالتزام في الفقه الحنفي ، وكان يدعو بقوة إلى تطبيق الشريعة الاسلامية الغراء ، قلت له : أستاذي : كيف تدعو إلى ذلك وحضرتكم نصراني .
فقال : إنني أدعو إلى هذه الشريعة بدافع الوطنية ، حيث إن هذه الشريعة نبعت في بيئتنا وفي منطقتنا ، وليست شريعة مستوردة من الخارج ، في حين أن القوانين الوضعية التي تطبق علينا جاءت مع المحتلين الفرنسيين أو البرطانيين ، وهذا لا يعني أن لا نستفيد منها ، بل علينا أن نأخذ بكل ما هو خير لديننا ودنيانا ، والدافع الآخر : عدالة الشريعة ، ومرونتها … .
ثالثاً ـ الشركات التي أصل نشاطها حلال ، ولكنها تتعامل مع البنوك الربوية إقراضاً أو اقتراضاً ، بحيث إذا أصبحت لديها سيولة من النقود تدعها في البنوك الربوية وتأخذ عليها فوائد ، وإذا احتاجت إلى سيولة تأخذ منها القروض بفوائد .
وهذه الشركات يطبق عليها الخلاف الذي ذكرناه في السابق ، حيث إن من العلماء المعاصرين من حرم التعامل في أسهمها ، وتداولها والمضاربة فيها ، ومنهم من أجاز المساهمة فيها ، وتداول أسهمها بالشروط والضوابط السابقة التي ذكرناها ، وهي بإيجاز :
1 ـ أن لا تصل ديونها على الغير ( الذمة المدينة ) إلى 50% .
2 ـ أن لا تزيد نسبة قروضها التي أخذتها من البنوك الربوية على الثلث إلى 33% .
3 ـ أن لا تزيد نسبة الفوائد المحرمة على 10% من إجمالي الدخل والإيراد .
4 ـ أن يتخلص من النسبة التي توازي النسبة المحرمة في السهم .
وأود أن أؤكد ما ذكرته في السابق وهو أن الذين يجيزون التعامل في أسهم هذه الشركات لا يقولون ـ أبداً ـ بجواز التعامل بالفوائد المحرمة ( الربا ) إذا كانت قليلة ، لأن الربا قليه وكثيره حرام عند هؤلاء جميعاً ، وأن أعضاء مجلس الإدارة ، والمسؤولين الذين تصدر منهم الأموامر بالتعامل بإقراض الأموال وإيداعها في البنوك الربوية بفائدة ، أو باقتراض الأموال منها بفائدة آثمون عند هؤلاء الفقهاء ، وإنما هم يقولون : إن المساهم يشتري أسهم هذه الشركة إنما يشتري حصة شائعة من موجودات الشركة التي معظمها حلال ، وفيها نسبة قليلة من الحرام ، وبالتالي صح العقد في الحلال ، وفسد في الحرام ، أو ما فيه شبهة ، وهذا من باب تفريق الصفقة التي قال به بعض الفقهاء القدامى المعتبرين ـ كما سبق ـ .
ومن جانب آخر فإن الشركة المعنية لم تؤسس لأجل الاقراض والاقتراض بفائدة ، وإنما أنشئت لغرض صناعي مشروع أو زراعي ، او تجاري مشروع ، ودخلت هذه المعاملات المحرمة أو المشبوهة عرضاً وتبعاً ، وبالتالي تطبق عليها قاعدة الأصالة والتبعية ، وهي قاعدة شرعية معتبرة تدل على اعتبارها الأدلة من السنة الصحيحة ـ كما سبق ـ .
وكذلك المساهم الذي يدفع المال لشراء أسهم الصناعات أو الاتصالات مثلاً لا يريد شراء ما فيها من ربا ، أو شبهة ، وإنما يريد شراء أسهم تمثل حصة شائعة من موجودات الشركة من الأعيان والمنافع وحقوق الامتياز والرخصة ، بل لا يرد على ذهنه في الغالب إلاّ ذلك ، وأما ما فيها من نسبة قليلة من التعامل غير الجائزة فهو غير مقصود له ، وإنما هو تبع ، وغير مقصود ، وقد شرحنا قاعدة تفريق الصفقة ، وقاعدة الأصالة والتبعية ، حيث اغتفر الشارع الحكيم في التابع ، وفي العقود التبعية والضمنية ما لم يغتفر في العقود الأصلية المقصود أصلاً ، فمثلاً اغتفر الشارع في التابع وفي العقود التبعية والضمنية مما يلي :
1- ربا الفضل ، وهو أخذ الزيادة ، أو عدم التقابض في المجلس في الأمور الستة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحاديث الصحيحة الدالة على حرمة بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلاّ يداً بيد سواء بسواء أي يشترط في ذلك تقابض البدلين في المجلس ، والتساوي دون زيادة أو نقصان ، وأما إذا ما اختلفت الأجناس ، مثل بيع الذهب بالفضة ، أو البر بالشعير فيشترط شرط واحد وهو التقابض في المجلس دون التساوي[1] حيث يجوز فيه الزيادة والنقصان .
ومع ذلك تسامح الرسول صلى الله عليه وسلم في عدم توافر هذين الشرطين ، أو أحدهما عندما يكون الذهب أو الفضة تبعاً لمال آخر ، كما باع الإنسان جاريته ، أو عبده الذي كان معه أو معها دنانير ذهبية ، أو دراهم فضية ، أو حليّ من الذهب أو الفضة ، حيث لا يُنظر إلى أحكام بيع الذهب والفضة ، فلا يشترط حينئذ التساوي ، ولا التقابض في المجلس ، لأن العقد لم يرد أصالة وقصداً على الذهب التابع ، أو الفضة التابعة وإنما كان القصد هو شراء العبد وهذا ما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من ابتاع عبداً وله مال ، فماله للذي باعه إلاّ أن يشترط المبتاع ) والحديث صحيح متفق عليه سبق تخريجه ، وقد ذكرنا تفسير إمام دار الهجرة مالك وغيره لهذا الحديث ، وأنه يدل بوضوح على عدم اشتراط قواعد الصرف وأحكامه السابقة في ربا الفضل ، وأنه لا فرق في أن يكون المال التابع معه قليلاً وكثيراً .
2- الغرر ، حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر[2] ، وهو حديث صحيح ، بل مبدأ عظيم من مبادء المعاوضات المالية في الاسلام ، ومع ذلك اغتفر الشارع الحكيم عن الغرر في ثمار الشجرة التابعة للثمرة الناضجة التي تم بيعها ، وقد اشترط المشتري أن تدخل في الصفقة الثمار التابعة التي لم تنضج بعد تبعاً للثمار الناضجة ، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فتمرتها للبائع إلاّ أن يشترطها المبتاع ) متفق عليه وسبق تخريجه .
3- بيع الكالئ بالكالئ ، أي بيع الدين بالدين المؤجل بالدين المؤجل وحرمتع بهذه الصورة محل إجماع بين الفقهاء[3] ، ومع ذلك أجاز الإمام مالك بيع ديون العبد مع العبد عملاًَ بظاهر الحديث وإطلاقه ، وبعمل أهل المدينة[4] .
ولهذه الأسباب حينما عرضت أسهم الصناعات كتبنا في الجرائد آراء الفقهاء المعاصرين ، وبيّنا أوجه الجواز ، فأقبل على شرائها الكثيرون ، وبيّنا في ذلك الوقت بأن النسبة الواجب إخراجها هي 15% وقد أيّد فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ذلك ، وأكده برعاية مقاصد الشريعة ، والمصالح ، وأن هذا يؤدي إلى عدم حرمان الملتزمين من هذه الخيرات ، وفعلاً ازدادت قيمة السهم من 16.5 ريالاً إلى حوالي 230 ريال اليوم ، وهكذا فعلنا ، وفعل شيخنا القرضاوي مع أسهم ناقلات الغاز .
ومما أشار إليه شيخنا القرضاوي في غاية من الأهمية وهو أن المسألة ما دامت ليست قطعية ، بل إنها خلافية ، وفيها خلاف قوي ، قال بجوازها جماعة كبيرة من فقهاء هذا العصر الثقات ، وأن فيها مصالح للمساهمين المتلزمين ، وللجهات الخيرية والفقراء والمحتاجين ففيها مجال ، وقد اصتال بي الكثيرون ، وقالوا : والحمد لله ، دفعنا بعض ديوننا ، وزوجنا أولادنا ، وبنينا بها بيوتنا ، وأعطينا نسبة كبيرة كذلك في أوجه الخير .
فلو أخذنا بالرأي المانع ولم تصدر فتوى بالجواز بشروطها لدخلت كل هذه المئات من الملايين ، بل المليارات من الدولارات المحققة من شراء أسهم الصناعات وناقلات الغاز في جيوب من لا يسأل عن الحلال والحرام ، بل يزعم أن الحلال ما حل في يده ، والحرام ما حرم منه ، ودائماً الإسلام يزيد الإنسان في ديناه وعقباه ، ويحقق له المصالح ، ويدرأ عنه المفاسد .
النسب الواجب دفعها :
وتيسيراً على الناس نذكر النسب التي يجب دفعها في وجوه الخير حسب ميزانيات الشركات القَطَرية لعام 2004م ، ولكني أناشد كل من أخذ بفتوى الجواز أن يلتزم بالشروط والضوابط اليت وضعتها الفتوى ، ومن أهمها التخلص من نسبة الحرام والشبهات في كل ربح حصل له سواء كان ربحاً تشغيلياً ( وهو الربح الموزع سنوياً ) أم ربحاً ناتجاً عن البيع والشراء والمضاربات وذلك لأن السهم كما قلنا يمثل حصة شائعة من موجودات الشركة ، وأن هذا الجزء المحرم إن كان ناتجاً عن فائدة ، فهذا واضح في وجوب التخلص منه ، وان كان ناتجاً من البيع والشراء ، فيجب التخلص بقدره كذلك ، لأنه ناتج عن هذا الجزء المحرم ، أو أنه يقابله .
قائمة للنسب الواجب دفعها للشركات الآتية[5] :