أتابع منذ زمن بعيد ظهور منهج جديد يقوم على تحطيم القدوة وبخاصة العلماء ، ولم أرَ أن أحداً منهم ينجو من التجريح القادح، والهجوم اللاذع، والتبديع ، بل التكفير، والاتهام بالباطل دون تثبّت وتبيين، بل تُتلقف الأخبار الكاذبة ، وتُنشر ، ثم يُبنى عليها وتفصل وتؤصل.
فمن نجى اليوم من علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والفضل والتقوى بدءاً من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ محمد عبده، والسيد رشيد رضا ، والشيخ سعيد النورسي، والشيخ أبو الأعلى المودودي، والشيخ حسن البنا، وسيد قطب، والشيخ ابن باز ، والشيخ ابن عثيمين ، والشيخ الغزالي “رحمهم الله تعالى” وغيرهم كثيرون، ومن العلماء الأحياء فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ، والشيخ العلامة عبدالعزيز آل الشيخ ، أمدّ الله في أعمارهم.
بل طالت ونالت هذه الاتهامات المؤسسة الشعبية للعلماء ، وهي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم عشرات الآلاف من العلماء ، والجمعيات والاتحادات والروابط العلمائية في العالم، الذي أنشئ للدفاع عن الحق والصدع به ، لا يخاف في الله لومة لائم ، وقد تبيّن للجميع بأنه يكاد يكون الجهة الوحيدة التي وقفت مع الشعوب المظلومة المطالبة بحقوقها المشروعة في تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وسوريا ، بالاضافة إلى إحياء قضية فلسطين والقدس الشريف في القلوب والنفوس، هذه المؤسسة برئاسة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ، وأمانة الفقير إلى الله ، تنال اليوم هجمات شديدة من الطغاة والملحدين ومن بعض الاسلاميين تحت لافتات متنوعة ، والله المستعان.
وحتى الأئمة الأعلام في القرون الأولى لم يسلموا من الجرح والتبديع، وقد سمعت وقرأت أن بعض طلبة العلم يهاجمونهم ويصفونهم بالبدعة والضلالة ، أمثال الإمام أبي حنيفة ، والشافعي ، ونحوهما ، فالمحسوب على الفكر الفلسفي يهاجم العلماء الآخرين بالبدعة والضلالة ، والمحسوب على الفكر الصوفي يهاجم خصمه كذلك بالبدعة والضلالة.
وهذا منهج سقيم وخطير ومفرّق للأمة ومُمّزق للجماعة ، وهو منهج مخالف لما يريده الله تعالى ورسوله في الكتاب والسنة ، وعليه إجماع الأمة القائم على المبادئ الآتية:
(1) وفاء الأمة لقادتها الصالحين وقدواتها الطيبين، وإعزازهم وتقديرهم دون تقديس ولا تبخيس ، بل أمر الله تعالى بطاعتهم ” أولي الأمر منهم ” فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) [النساء : 59] فقد فسّر علماؤنا بأنهم : الأمراء والعلماء، ويكفي لبيان فضلهم أن الله تعالى ذكر شهادتهم مع شهادته وشهادة الملائكة فقال تعالى : (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : 18] ، كما أن الله تعالى رفع درجتهم فقال : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة : 11] .
(2) العلماء ورثة الأنبياء يجب احترامهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : (العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورّوثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورّثوا العلم ، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر) رواه أبو داود 3641 وسكت عنه مما يدل على أنه حسن ، ورواه الترمذي 682 وابن حبان في صحيحه 88.
وورد في الصحيح : ( من يُرد الله خيراً يفقهه في الدّين) رواه البخاري في صحيحه (71،7312،3116) ومسلم الحديث 1037 وفي رواية أخرى لمسلم (الحديث 1037) بلفظ : ( من يّرد الله به خيراً يفقهه في الدّين ، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة) ، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن تصل الأمة إلى مرحلة تختل فيها موازين الاحترام فقال صلى الله عليه وسلم : (ليس من أمتي من لم يُجلَّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) وقد حسّن هذا الحديث عدد من الحفاظ منهم المنذري في الترغيب (1/90) وابن كثير في جامع المسانيد الحديث 5865 وابن مفلح في الآداب الشرعية (1/434) والحافظ العراقي في تخريج الإحياء (2/244) والهيثمي في مجمع الزوائد (8/17، 1/132) وصححه الشيخ أحمد شاكر في مسند أحمد (11/143) وقال : إسناد صحيح .
ولله درّ الشاعر إذْ يقول :
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ***** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه **** والجاهلون لأهل العـلم أعداء
فـفـز بعلم تعش حيـا ً به أبــدا **** الناس موتى وأهل العلم أحياء
(3) التحذير الشديد من خلو العصر من العلماء الفقهاء الربانيين ، فقال صلى الله عليه وسلم : (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلّوا وأضلّوا) رواه البخاري الحديث 98 ، ومسلم الحديث 4828 .
(4) وقد دلت الأدلة بأن العصر لا يخلو من علماء ربانيين يصدعون بالحق ولا يخافون في الله لومة لائم ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرّهم مَنْ خذلهم حتى يأتي أمر الله وَهُمْ كذلك) رواه مسلم عن طريق ثوبان (1920) وفي رواية أخرى صحيحة أيضاً عن قتيبة ، ليس فيها (وَهُمْ كذلك)، وفي رواية صحيحة أخرى لمسلم (1925) بلفظ : ( لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) حيث يثبت لأهل الغرب من المسلمين مزيّة خاصة مع دخولهم في العموم .
(5) التحذير الشديد من قلة الفقهاء مع كثرة الخطباء والمفتين، فقد وردت أدلة كثيرة على أهمية الفقه ودوره العظيم في التسديد والرشاد ، فقد ذكرنا الحديث الصحيح : (من يُرد الله خيراً يفقهه في الدّين) وقد وردت أحاديث أخرى تدل على أن قلة الفقهاء أو عدم وجودهم مع كثرة الخطباء والوعاظ والقراء من علامات الساعة ، فقال صلى الله عليه وسلم : (يأتي زمان يكثر فيه القراء ويقل الفقهاء ويقبض العلم ويكثر الهرج) قالوا :وما الهرج؟قال : (القتل بينكم , ثم يأتي بعد ذلك زمان يقرأ القرآن الرجل لا يجاوز تراقيهم….) رواه الحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، والطبراني في الأوسط وله شواهد في الصحيحين ، وسبق الحديث الصحيح في قبض العلم، ثم اتخاذ الناس رؤوساً جهالاً ، وفي رواية صحيحة للبخاري 85 بلفظ ( يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج) .
(6) كان التعامل بين الصحابة الكرام والسلف الصالح قائماً على احترام أهل العلم وإجلالهم ، يقول الإمام الشعبي : (صلّى زيد بن ثابت على جنازة ثم قُرّبت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابها ، فقال له زيد : تنَحّ يا ابن عمّ رسول الله ، فقال ابن عباس : هكذا نَفعل بالعلماء والكبراء) وفي رواية بلفظ : ( هكذا أُمِرنا أن نفعل….الخ) ، قال الحافظ ابن حجر في الاصابة : (إسناده صحيح) وروى عن سيدنا علي رضي الله عنه بسند صحيح أنه قال : ( العلماء مصابيح الأرض، وخلفاء الأنبياء) انظر كشف الخفاء (2/84) قال ابن عبدالبر : أنشدني يوسف بن هارون بنفسه في قصيدة له:
وأَجَلُّه من كل عين علمه **** فيُرى له الإجلالَ كلُّ حليلُ
وكذلك العلماء كالخلفاء **** عند الناس في التعظيم والتبجيلُ
إلى أن قال :
فخالط رواة العلم واصطحب خيارهم **** فصحبتهم زين وخلطتهم غُنمُ
ولا تَعْدُ عيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــناك عنهم فإنهم **** نجوم إذا ما غاب نجم بدا نجمُ
فوالله لولا العلم ما اتضــــــــــــح الهدى **** ولا لاح من غيب الأمور لنا رسمُ
ولذلك قال سيد شباب الجنة سيدنا الحسين رضي الله عنه لابنه : (يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول) ، وقال لقمان الحكيم لابنه : ( يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحي القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض الميتة بوابل السماء)، بل الحديث الصحيح المتفق عليه دليل على وجوب الاحترام والتقدير الكبير لأهل العلم، فحينما جاء سيدنا جبريل في مقام المتعلم جلس على الركبتين ووضع كفيه على فخذيه، هذا هو المطلوب في الإسلام ، وهو المبتغى عقلاً وخُلُقاً وأدباً.
ولكن الذي يحدث اليوم من بعض الشباب من الهجوم على العلماء – المعروفين بوقوفهم مع الحق – وسبّهم في وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام أمر مؤلم ومحزن جداً ، فأصبحت تؤكل لحوم العلماء وهي كما قيل (مسمومة) ، وكذلك استعجالهم في إسناد الأقوال الزائفة إليهم دون تثبّت ولا تبيين مع أن الواجب هو ذلك حتى لعامة الناس فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6] ، والآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة تدل بوضوح على خطورة القاء الكلمة والتهمة جزافاً ، وإشاعة الاتهامات الباطلة بل تكاد معظم ما في سورتي النور والأحزاب حول ما هو المطلوب من المسلم عندما يسمع كلمة سيئة عن أخيه، أو أخته حيث يجب عليه أولاً أن يلتزم بما قاله الله تعالى : (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) [النور:12] ثم يقول تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:15] فالاتهامات الباطلة والتجريحات القاتلة بل السباب والشتائم التي هي فسوق وخروج عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شاعت لدى البعض مع الأسف الشديد بسبب التعصب المقيت والتحزب البغيض والجهل والتقليد لبعض الجهلة الذين يريدون العلّو في الأرض بغير حق ويتبعون التطرف ويعتقدون أنهم على الحق المطلق وغيرهم على الباطل، حيث لم يسلم منهم معظم علماء الأمة .
وهنا أذكر حالي ، حيث أُتُهمت باتهامات متناقضة فالعلمانيون المتطرفون من الكورد يتهمونني بتُهم تتناقض تماماً مع تُهم العلمانيين المتطرفين العرب أو نحوهم، والمتطرفون الخوارج يتهمونني بتُهم متناقضة مع الواقع، فهؤلاء لا يهمونني كثيراً ، وإنما الذي أغتمّ له هو بعض المحسوبين على الاسلام حيث يصدقون بعض هذه التُهم لأنها تتفق مع أهوائهم ، أو أنها من باب الحسد والحقد الأسود، ولذلك إذا سمعوا أو قرأوا شيئاً يؤذيني سارعوا إلى تصديقه ونشره، مثل ما حدث في موضوع روسيا وسوريا فنسبوا إليّ زرواً وبهتاناً بأنني أيّدت التدخل الروسي واعتبرته لخدمة المسلمين!!
فلو عرضوا هذا على العقل السليم لامتنع عن تصديقه إذ أنني قد أدنْنتُ جميع أنواع التدخل في سوريا وغيرها، وصدر بيان من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتوقيعي وتوقيع رئيسه بالادانة ، ومواقعي الالكترونية مليئة بموقفي، ومع ذلك صدقه بعض هؤلاء وهاجموني هجوماً عنيفاً.
كما أن من بين تُهمهم أنني من علماء السلاطين ، مع أنه ليس لديّ أي وظيفة رسمية ، فلست مفتياً لأي حكومة ، والحمد لله فسيرتي نظيفة من يوم طفولتي ، حيث حفظت القرآن ، ومن أسرة علمية معروفة في كوردستان ، واشتغلت بالعلم إلى يومنا هذا، ولم أنتسب لأي حزب عنصري، أو دنيوي وهذا بفضل الله تعالى ثم فضل والدي وعمي، وخالي الذين أشغلوني بحفظ العلوم، والتفقه ، والحديث ، وقد قدمت خدمات جليلة من خلال المؤسسة الخيرية ( الرابطة الاسلامية الكوردية) إلى الشعب الكوردي المظلوم بدافع ديني وعقيدتي، أما صلتي بقادة الكورد فهي صلة قائمة على الجوانب الاجتماعية على الرغم من الخلافات الفكرية الطبيعية، وأنصحهم دائماً بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهذا واجب العلماء، ولم أجامل أحداً منهم يوماً على حساب ديني ، وما صدر مني من مواقف حول الكورد فهو اجتهاد مني في نظري صواب يقبل الخطأ ، أما أن أبيع ديني بدنيا غيري (أو بدنياي) فهذا لم يحدث ولن يحدث بفضل الله وتوفيقه وتسديده.
ثم إنني نذرت جزءاً كبيراً من وقتي لخدمة أهل السنة في العراق فقد وقفت مع قضاياهم العادلة، وقد أصدرت البيانات والتصريحات الكثيرة حولها، وعملياً وجهت مؤسسة الرابطة الإسلامية الكوردية منذ عام 2003م لخدمة أهل السنة ، فلديها مكتب دائمي في بغداد وقد نفذّت مشاريع بملاييين الدولارات ، آخرها الأزمة الأخيرة في العام الماضي 2014 حيث تم إعانة ودعم النازحين بمبلغ حوالي 7.5 مليار دينار عراقي.
كما أن إخواني في المؤسسات العلمية والفقهية يعلمون كيف سخرّت نفسي ووقتي لخدمة قضاياهم، وكم ساهمنا في المؤتمرات لخدمتهم، وترتيب اللقاءات ….الخ وليس هذا من باب المنّة (معاذ الله) وإنما من باب أداء الواجب مع الاحساس بالتقصير، والحمد لله تعالى وأشكره على أنه استعملني في قضايا الأمة وخدمتها بكل ما آتاني من فضله وتوفيقه.
وفي الختام ، فلم أرد بذلك دفاعاً عن نفسي ، أو عن العلماء وإنما أردت تذكير هؤلاء الشباب بأن منهج التجريح للعلماء – ولا سيما الذين يقفون مع الحق- منهج خاطئ وخطير وله عواقب وخيمة، وآثار سيئة على تربية الأجيال ، وعلى وحدة الأمة، وأن هذا هو منهج اليهود لتحطيم القدوة على مرّ التأريخ ، حتى أن أنبيائهم لم يسلموا من افتراءاتهم ، فقد اتهموا سيدنا نوحاً بأنه شرب خمراً ، حيث جاء في سفر التكوين (9/20-25) : ( …شرب الخمر فسكر، وتكشف داخل خباته فرأى حام أو كنعان سوءة أبيه فأخبر أخويه… فغطيا سوءة أبيهما ، فلما أفاق نوح من خمره علم ما صنع به ابنه الصغير فلعنه وجعله عبداً لأخويه).
وكذلك افتروا على سيدنا لوط عليه السلام بأنه شرب الخمر وزنا ببنتيه فحملتا منه (كما في الاصحاح 19/30-38) ، واتهامهم كذلك لسيدنا دواد عليه السلام بالغدر والخيانة والزنا، حيث جاء في سفر صموئيل الثاني ، الاصحاح(12/1-26) : ( …أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك ، فرأى من السطح امرأة تستحم وكانت جميلة جداً ، فأرسل داود وسأل عن المرأة ، فقيل له: إنها بتشابع بنت إلعيام زوجة أوريا الحني، فأرسل داود رسلاً وأخذها فأتت إليه فضاجعها فحملت منه… ثم رجع أوريا… ثم دبر له داود كيفية قتله).
وكذلك اتهموا سيدنا سليمان عليه السلام بأنه كانت في عصمته 700 زوجة من الحرائر و300 جارية وإنه في آخر عمره : ( أن أزواجه استملن قلبه الى اتباع آلهة أخرى فلم يكن قلبه مخلصاً للرب إلهه) هذا ما جاء في الاصحاح العاشر من 1-4.
هكذا حطم اليهود القدوة ، وافتروا في حق أنبيائهم ليكون ذلك مسوغاً لكل تصرفاتهم السيئة على حدّ المثل المصري (محدش أحسن من الثاني) وكأنهم يقولون : إذا كان الأنبياء فعلوا ذلك فما نفعله من الجرائم مستساغة من القتل والخيانة والاغتيال والزنا… وقد سجل القرآن الكريم عليهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:75] قال أبو جعفر الطبري : (يعني بذلك – جلّ ثناؤه- أن من استحلّ الخيانة من اليهود وجحود الحق العربي التي هي له عليه، فلم يؤد ما ائتمنه العربي عليه.. أي لا حرج علينا فيما أصبنا من أموال العرب، ولا إثم ، لأنهم على غير الحق لأنهم مشركون) وقد أورد ورايات عن ابن عباس فيها التحذير الشديد من ابن عباس رضي الله عنهما للمسلمين الذين أرادوا أن يأخذوا أموال غير المسلمين حيث : ( قال صعصعة لابن عباس : إنا نغزو أهل الكتاب فنصيب ثمارهم؟ قال : وتقولون – إذن- كما أهل الكتاب: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) وفي رواية قال لهم ابن عباس : فتقولوان ماذا؟ قال نقول : ليس علينا بذلك بأس! قال : هذا كما قال أهل الكتاب : (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) .
إذن تشويه صورة الأنبياء وتحطيم القدوة من قبل اليهود ونحوهم هو لتسويغ معاصيهم وعدوانهم وخيانتهم وجرائمهم، ولتحقيق أن الغاية تبرر الوسيلة، في حين أن هؤلاء الذين افتروا عليهم هم خيار الخلق، وسادة البشر ، وقدوة الأنام، فقد أثنى الله تعالى عليهم ثناءً عاطراً ووصفهم بعباده الصالحين المختارين المصطفين.
وقد أثبت علم النفس أن وقوع الجرائم من الأناس المشهورين المعروفين بالاستقامة ، والتركيز عليها يُذهب بهيبة الجرائم، ويسهل إقدام الشباب عليها.
لذلك نحذّر أشد التحذير من هذا الأسلوب الصهويني المحطم للقدوة من أن يسلكه شبابنا ، الذين ندعوهم إلى اتباع منهج الإسلام الصحيح القائم على حسن الظن بالمسلمين إلاّ إذا ثبت باليقين فعله ، وحتى في هذه الحالة فعقابه يكون من خلال القضاء فنحن (دعاة لا قضاة) فقال سبحانه : (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) [النور:12].
فالواجب هو حُسن الظن بجميع المسلمين، فما ظنك بالعلماء الذين يقفون مع الحق والمستضعفين، ويضحون بمصالحهم في سبيل بيان الحق .
والله المستعان