التطبيقات الشرعية لإِقامة السوق الإِسلامية

تـمـهـيـد:

إذا كانت الشعوب المسلمة قد خطت خطوات جادة في سبيل عودتها إلى نظامها الإِسلامي، ولا سيما في نطاق الاقتصاد من خلال إنشاء المصارف والشركات الإِسلامية، حيث أدت دورًا جيدًا في جذب أموال المسلمين وتدفقها عليها واتساع آفاق التمويل؛ فإن الحاجة ملحة جدًا لأن تخطو الدولة الإِسلامية خطوة جادة أخرى لإِيجاد سوق ثانوية لتغطية رؤوس أموالها ــ لها أدواتها المشروعة وآلياتها الفعالة ــ تكون بمثابة رئتها التي تتنفس فيها شهيقًا وزفيرًا؛ وذلك لأن البنوك الإِسلامية اليوم كأنها تسير على رجل واحدة تتمثل في السوق الأولية، أما رجلها الثانية المتمثلة في السوق الثانوية (البورصة) فلا تزال لم تكتمل، على الرغم من أهميتها القصوى وحاجتنا الماسة إليها؛ وذلك لأنها الوعاء المتكامل للفائض من سيولة البنوك الإِسلامية وامتصاص حاجتها.

فالبنوك الإِسلامية ــ وكذلك الدول الإِسلامية ــ إذا لم تحقق لنفسها سوقًا إسلامية ثانوية ستظل أسيرة النظام المالي العالمي المتحكم في تدوير أموال أمتنا الإِسلامية[654](هامش)؛ لذلك سيكون من أولى الواجبات البحثُ عن هذه السوق المالية الإِسلامية وعن مجموعة كبيرة من آلياتها المشروعة وأدواتها المباحة شرعًا.

 

إضافة إلى أن عالمنا الإِسلامي قد حباه الله تعالى بوفرة موارده وثرواته ومعادنه ومواده الخام وكثرة السيولة النقدية، حتى إن الاستثمارات العربية الخليجية في الغرب تقدر بأكثر من سبعمائة مليار دولار، ومن هنا فإعادة توطين هذه الأموال المهاجرة إلى خارج البلاد تتطلب تعاون الدول الإِسلامية لإِيجاد سوق إسلامية لرأس المال الإِسلامي وتسييله وتدويره لخدمة الأهداف التنموية وتحقيق التكافل والتوازن والتكامل، وفي حالة عدم قيام الدول الإِسلامية بهذا الواجب فإن على البنوك الإِسلامية والمجامع والهيئات الفقهية أن تبذل كل جهودها للوصول إلى هذا الهدف ولا تألو بأي جهد فكري أو مالي لتحقيق هذا الغرض المُلِـحّ.

وللإِحساس بهذه الأهمية قام مجمع الفقه الإِسلامي الموقر بعقد عدة ندوات في المغرب وفي البحرين؛ لبحث الأسواق المالية الإِسلامية، ضمت عددًا كبيرًا من الخبراء والباحثين والمتخصصين في مجال الاقتصاد والفقه الإِسلامي، بل ناقش المجمع في دورته السابقة مجموعة من البحوث حولها، ووصل فيها إلى عدة حلول مرجئًا بقية موضوعاتها إلى دورته الثامنة المقبلة إن شاء الله، وكذلك عقدت ندوات فرعية من قبل بعض البنوك حول السوق المالية وأدواتها الشرعية.

 

وتأتي عناية مجمع الفقه الإِسلامي الموقر بالأسواق المالية من خلال تخصيص كل هذه الجهود العلمية السابقة لدراستها دراسة تحليلية دقيقة من قبل المختصين في الفقه الإِسلامي والاقتصاد… للوصول إلى الهدف المنشود وهو إقامة السوق المالية التي خصص لها حلقة خاصة لبحثها وكيفية تحقيقها في دورته الحالية (الثامنة).

ونحن بدورنا المتواضع نحاول جاهدين أن نعطي صورة لأدوات السوق الإِسلامية التي يمكن تطبيقها، ولذلك سنخصص هذا البحث لأهم الأدوات والاليات للسوق وهي الأسهم والسندات، وكيفية الإِفادة من العقود الخاصة، كالسلم، والاستصناع، والمرابحة، والمشاركة، والإِجارة، والوعد ونحوها.

 

تصور شامل لسوق المال الإِسلامية :

 إذا أردنا النجاح لسوق المال الإِسلامية فلا بد أن يكون لدينا تصور شامل لها يستوعب جميع جوانبها وآلياتها، وعقودها، بحيث نُقدم الحل الإِسلامي والبديل العملي الإِسلامي لها.

وأعتقد أن مجمع الفقه الموقر يسير في ندواته ودوراته لتحقيق هذا التكامل، وهذه الصورة المتكاملة.

ولذلك نعرض في هذا البحث آليات السوق وأدواتها من الأسهم والسندات، وبدائلهما الإِسلامية من خلال ما يحل من الأسهم، وما يمكن أن يكون بديلاً عن السندات مثل صكوك المضاربة، والمشاركة ونحوهما من العقود التي يمكن أن تصاغ منها الصكوك، ثم أتبعنا ذلك بمبحث خاص للاستفادة العملية من العقود، لأن سوق المال (البورصة) لا تقتصر الان على التعامل بالأسهم، والسندات، وإنما تتعامل أيضًا عن طريق مجموعة من العقود النمطية وغيرها، ومن هنا جاء بحثنا في ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الأسهم.

القسم الثاني: السندات وبدائلها.

القسم الثالث: الإِفادة العملية من العقود الشرعية في سوق المال الإِسلامية.

والله نسأل أن يوفقنا لخدمة الإِسلام ونظامه الاقتصادي وأن يعصمنا من الخطأ والزلل في القول والعقيدة والعمل.

القسم الأول :  الأسـهــم[1]

القسم الثاني : السندات وخصائصها وبدائلها :

 السند لغة : جمع السند ، وهو بمعنى :  الاعتماد ، والركون إليه ، والاتكاء عليه ، وما ارتفع من الأرض في قبل الوادي ، أو الجبل ، والجمع أسناد ، ولكن حينما أصبح السند علماً لنوع معين من الأوراق المالية جاز جمعه على السندات [2] .

  ولكن السند في عرف الاقتصاد الحديث عبارة عن ورقة مالية ، وثيقة بقيمة محددة يتعهد مصدرها بدفع فائدة دورية في تأريخ محدد لحاملها[3] .

 فهي في حققتها حصة اقراض للبنك أو الشركة أو الدولة مع التزام المصدر بنصيب من الفائدة ( الربا ) دون أن يكون العقد نصباً على الاستثمار ونتائجه من الربح أو الخسارة ، وقد عبر كثير من القوانين عن أن السندات تمثل قروضاً تعقدها أو تصدرها الشركة متساوية القيمة وقابلة للتداول وغير قابلة للتجزئة[4]  .

  وكما تصدر الحكومة السندات كذلك تصدرها بعض المؤسسات والشركات الخاصة في كثير من الدول .

  والتكييف المتفق عليه عند الاقتصاديين والقانونيين هو أنها وثيقة بدين ، ولذلك يعامل صاحبها كمقرض ، وليس كمالك مساهم ، وتسري عليه القوانين المنظمة للعلاقة بين الدائن والمدين .

  والسندات تشترك مع الأسهم في تساوي القيمة الاسمية لكل فئة ، وقابليتها للتداول حسب كونها اسمية ، وللآمر ، أو لحاملها ، وفي عدم قابليتها للتجزؤ .

 

غير أن السندات تتميز عن الأسهم بالخصائص الآتية :

1.     ان السند يعتبر شهادة دين على الشركة ، وليس جزءاً من رأس المال كما هو الحال في الأسهم .

2.  حصول صاحبه على الفائدة الدورية المقررة له دون النظر إلى أن الشركة ربحت ، أم خسرت ، أو كانت الأرباح كثيرة ؟! .

3.     عدم مشاركة صاحبه في إدارة الشركة .

4.  تحديده بوقت محدد على عكس الأسهم ، وبالتالي يحصل صاحبه على قيمة سنده وفوائده في التأريخ الذي حدد له ، دون النظر إلى تصفية الشركة ، ومدده مختلفة أقصرها تسعون يوماً وبعضها يمتد إلى مائة عام ، على أن بعض السندات تستمر لحين قيام المصدر باستدعائها ، أو شرائها من السوق .

5.  يحصل حامله على ضمان خاص على بعض موجودات الشركة وقد يكون الضمان عاماً على أموالها ، وكذلك يحصل على حقه في حالات التصفية قبل أن يحصل حامل السهم على أي شيء[5] .

أنواع السندات :

  للسندات أنواع كثيرة[6] ، ولا تزال الأفكار الاقتصادية تبتكر الكثير ، ونحن نذكر أهمها مع حكمها :

(أ) انواعها من حيث مصدرها ، وهي :

1.    سندات الدولة ، حيث تصدرها لتمويل الانفاق العام أو لمشروع معين .

2.    سندات الهيئات الدولية ـ كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير ـ حيث تصدرها لتمويل مشاريعها .

3.    سندات المؤسسات الحكومية المحلية التي تصدرها لتمويل انفاقها ومشاريعها .

4.  سندات الشركات التجارية والصناعية ، والخدمية التي تصدرها بضمان بعض اموالها ، أو جيمعها لتمويل مشاريعها .

  ولا يخفى أن جميع هذه الأنواع تصدر بفائدة دورية على رأس المال ، ولذلك فهي محرم إصدارها وتداولها ، ولصاحبها إن تاب إلى الله رأس ماله : (وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)[7] . 

(ب) أنواع السندات باعتبار فوائدها ، حيث هي إما :

1.  سندات مستحقة الوفاء بعلاوة إصدار حيث تصدر الشركة سند الإصدار بمبلغ تسعين ريالاً ـ مثلاًـ ولكنها تحسبه بمائة ريل ، إضافة إلى فوائد منخفضة نسبياً عن غيرها .

2.  سندات النصيب : وهي السندات التي تخول لصاحبها الحصول على فوائد سنوية ثابتة ، إضافة إلى اليانصيب المخصص لها والذي يمكن أن يكون من نصيب السندات التي يحالفها الحظ حسب القرعة .

3.  سندات عادية ذات الاستحقاق الثابت التي ليس لها سوى قيمة واحدة ، وتعطى عليها فوائد ثابتة مئوية فضلاً عن قمية السند عند نهاية مدة القرض .

4.  سندات مضمونة ، وهي مثل النوع السابق لكنها مضمونة بضمان شخص ، أو عيني ، والسندات وإن كان جميع أنواعها مضمونة بأصل الشركة ، ولكن هذا النوع يتميز بضمان شخصي ، أو عيني أيضاً .

5.  السندات القابلة للتحول إلى الأسهم ، التي تعطى للمساهمين بقرار الجمعية العامة غير العادية ، وتعطي هذه السندات لحاملها الحق في طلب تحويلها إلى أسهم حسب القواعد المقررة لزيادة رأس المال .

وهذا النوع قد أقره القانون المصري للشركات (م51/1 لسنة 1981م) والقانون الفرنسي ، والألماني ، بينما لم يقره كثير من التشريعات[8] .

6. سندات الاستثمار أو شهادات الاستثمار: هذه السندات يصدرها البنك الأهلي المصري؛ لتكون حجة لمن حررت له على: أنه أودع لديه مبلغًا من ماله، مبينًا بها شروط الاسترجاع والفوائد التي تعطى له، أو الجوائز، وهي ثلاثة أنواع وفئات[9]:

     1ــ فئة (أ) وهي التي تعرف بالشهادات ذات القيمة المتزايدة حيث يبقى المبلغ عشر سنوات لدى البنك ثم يسترده صاحبه مع فوائده التي تراكمت خلال السنوات العشر تبدأ قيمتها        من (5) جنيهات مصرية إلى (500) جنيه مصري وبفائدة 5  أو أكثر.

      وهذا النوع وإن كان قد سمي بالاستثمار لكنه في الواقع قرض مضمون مع فوائده المحددة، وحينئذ يدخل في الربا كما أقر ذلك المجامع الفقهية الثلاثة (مجمع البحوث ــ ومجمع الفقه       التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، وكذلك مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإِسلامي).

   2 ــ فئة (ب) وهي الشهادات ذات العائد الجاري حيث يمكن سحب فوائدها كل ستة أشهر، وتبدأ هذه الفئة بعشرة جنيهات مصرية إلى خمسة آلاف جنيه، ومدة استغلالها عشر               سنوات بفائدة 5 .

    وحكم هذه الفئة كسابقتها؛ حيث إنها في حقيقتها ربا واضح، وإن سميت بالاستثمار فالعبرة بالحقائق والمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني.

    3 ــ (ج) وهي الشهادات ذات الجوائز التي لا تعطي ربحًا محددًا كل سنة ولكنها خصصت جوائز نقدية لأصحابها حسب القرعة.

وهذه الفئة تدخل في القرض المشروط بمنفعة محددة، تكيف على أن ما يرد هو القرض وما يخصص للجوائز هي جزء من الفوائد المخصصة لرأس المال في مقابل إبقائه فترة زمنية محددة[10].

 

7 ــ شهادات ادخار العملة المركبة: (سلة العملات): يقوم بنك مصر بإصدار شهادات سماها (شهادات ادخار العملة المركبة) (سلة العملات التي تتكون من دولار أمريكي وجنيه استرليني ومارك ألماني وفرنك سويسري).

يضمن البنك باسترداد قيمة الشهادة في تاريخ الاستحقاق بالعملات المكونة للشهادة أو بنفس العملة التي يتم الاشتراك بها مع فوائدها.

ونص نظامه على ما يأتي:

1 ــ الشهادة اسمية وتصدر لأجلين: ثلاثة شهور أو ستة شهور.

2 ــ الحد الأدنى للاشتراك 500 وحدة قيمتها 1300 دولار أمريكي أو ما يعادلها من العملات المكونة للشهادة.

3 ــ يمكن زيادة الاشتراك بمضاعفة مائة وحدة وبدون حد أقصى.

4 ــ يمكن الاشتراك بأي عملة أجنبية يقبلها البنك ويتم استبدالها لحساب العميل بالدولار أو بإحدى عملات الوحدة المركبة.

5 ــ العائد معوم ومرتبط بأسعار يوم الشراء ويسري على العملات الأربعة المكونة للشهادة.

6 ــ يعلن البنك دوريًا عن معدل العائد للشهادات 3 شهور أو ستة شهور كل على حدة، والربا في هذا النوع واضح؛ حيث هو مرتبط بالربا العالمي دون النظر إلى قواعد المضاربة أو المشاركة الشرعية[11].

8 ــ شهادات الإِدخار الدولارية: وهذا النوع مثل النوع السابق لكنه خاص بالدولار، وينص نظامه بوضوح على الربا؛ حيث ينص على أنه «يعلن البنـك دوريًا عـن معـدل العائد حتى يتمشى مـع آخـر تطـورات المعـدلات العالمية».

وجاء في نشرة لاحقة بأن هذه الشهادات تضمن لك أعلى سعر فائدة في سوق المال المصرية وهي 16  صافي سنويًا.

9 ــ شهادات التوفير ذات الجوائز: هذا النوع من السندات يتضمن الفائدة المخصصة للتوفير، إضافة إلى جوائز تسحب لأصحابها من حين لاخر، فهي بذلك تجمع بين الربا والقمار، وهذه صورة من هذا النوع:

10 ــ سندات الدخل: حيث يكون لها فوائد ثابتة إضافة إلى نسبة محددة من أرباح الشركة، بينما غيرها تكون فائدتها دورية دون مشاركتها في أرباح الشركة.

  

  (ج) أنواع السندات من حيث التملك حيث توجد :

1.    سندات اسمية

2.    وسندات لحاملها

(د) ومن حيث الرد لها ثلاثة أنواع :

1.  سداد نقدي في موعد الاستحقاق ، وحينئذ قد تكون القيمة التي تسترد هي نفس ما دفع ، وقد تكون أعلى فترد بعلاوة الإصدار .

2.    ردها عن طريق تحويلها إلى أسهم ـ كما سبق ـ

3.  ردها عن طريق الإحلال ، حيث تقوم الشركة عند تأريخ استحقاقها بإحلالها بسندات أخرى جديدة ، وبمزايا حسب نظام الشركة [12].

أنواع أخرى جديدة في كل يوم :

  لا تزال المؤسسات الاقتصادية ودور المال تفكر في المزيد من أنواع السندات وغيرها ، وتتفنن في كيفية جلب أصحاب الأموال ، وشدهم وجذبهم إلى إيداع مدخراتهم في تلك المؤسسات بأية وسيلة مجدية في نظرها .

  وتكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد ، وابتكار جديد في الأوراق المالية ، وأدوات السوق ، وآلياتها ، وفي العمليات البنكية ، ونخن هنا نذكر بعض أنواع السندات التي هي جديدة نوعاً ما ، وهي :

1.  سندات بفائدة ثابتة ، وشروط متغيرة ، حيث تعطى لصاحبها حرية أكثر من ناحية انتقال الملكية ، والاستفادة منها .

2.  سندات مسترجعة ، حيث يعطى لحاملها الحق في استرجاع قيمتها الاسمية بعد فترة محددة مثل ست سنوات ، ثم تقوم الشركة المصدرة بإعطاء شروط أحسن من السابق في حالة إبقاء قيمتها فترة أخرى .

3.    سندات ذات أصوات ، تعطي صاحبها حق التوصيت في الجمعية العمومية للشركة.

4.  سندات لفائدة عائمة تتغير كل سنة ، أو ستة أشهر ، على أساس سعر الفائدة الدولية ، مثل مؤشر لايبور ، أو أي أساس آخر ، إضافة إلى حق صاحبها من تحويلها إلى سندات ذات فائدة ثابتة حسب رغبته .

5.  سندات مربوطة بالقوة الشرائية للنقود ، أي يحدد النقد الذي دفع بسعره يوم الدفع حتى يتفادى صاحبها التضخم الذي قد يكون أكثر من نسبة الفائدة .

6.   سندات بشهادة حق ، حيث تعطي صاحبها الحق في شراء أوراق مالية طويلة فترة محددة ، وبسعر محدد مسبقاً [13]. 

الحكم الشرعي لهذه السندات :

  إذا كان هناك خلاف طفيف بين بعض الفقهاء في سندات التوفير في السابق حيث أباحها البعض ، فإن هذه الاباحة في نظري تعود إلى عدم فهم طبيعة هذه السندات في وقتها ، واعتبارها مضاربة ، أو تكييفها على الضرورة[14] ، ولذلك لا داعي لمناقشة هؤلاء ، لأنه الآن قد ظهر بما لا يوجد أدنى شك أن السندات حتى في نظر القانونيين[15] تكيف على أنها قروض بفوائد كما رأينا في جميع أنواعها ، وأن صاحبها دائن للحكومة ، او الشركة يستحقها في وقتها إضافة إلى فوائدها دون النظر إلى خسارة الشركة وأرباحها ، وبذلك يظهر جلياً بعدها ـ بعد المشرقين ـ عن المضاربة ، والمشاركة في الشريعة الإسلامية الغراء .

  وهذه الفوائد هي عين ربا النسيئة لا خلاف في حرمته ، كما أنه لا توجد ضرورة في شراء هذه السندات أو تداولها ، بل إن بعض أنواعها عبارة عن الربا والقمار كما في سندات اليانصيب[16] .

  هذا ما هو عليه واقع السندات اليوم بجميع أنواعها لكناه لو غير واقعها وأطلقت على عقد مشروع مثل (سنتدات المضاربة) فالعبرة بالمضمون والمدلول ، وإن كان الأفضل تسميتها بغير السند لأنه اشتهر في الأعراف الاقتصادية إطلاق السند على القروض بالفوائد التي هي محرمة ، ولذلك فالأولى إطلاق لفظ الصكوك أو نحوها على أوراق مالية لو وجدت دفعاً للالتباس والغموض والاشتباه .

وقد صدر قرار من المجمع الفقهي حول السندات ، وهذا نصه :

(قرار رق