بقلمك ا.د. علي القره داغي
جريدة الوطن – الدوحة
التعويض في القانون:
يقسم التعويض في القانون إلى تعويض عن عدم التنفيذ، وتعويض عن التأخر في التنفيذ، كما يقسم إلى نوعين:
النوع الأول: التعويض القضائي الذي يقدره القاضي بمبلغ نقدي يمثل الضرر الذي يلحق الدائن نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه، أو لتأخره في تنفيذه، ويشمل: ما لحق الدائن من خسارة، وما فاته من كسب ويقتصر في جميع الأحوال على الضرر المباشر ويقتصر في الالتزامات العقدية.
ومن شرائط استحقاق التعويض هي شرائط قيام المسؤولية: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بين الضرر والخطأ حيث نصت المادة (5/2م م ) على أنه: «إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه، ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه» كما نصت المادة 218 من القانون المدني المصري على أنه: «لا يستحق التعويض إلاّ بعد إعذار المدين، ما لم ينص على غير ذلك» مثل ذلك ورد في معظم القوانين العربية.
وقد نصت المادة 221 على أنه: «إذا لم يكن التعويض مقدرًا في العقد أو ينص وفي القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب يشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام، وللتأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوفاه ببذل جهد معقول».
وترى من هذا النص أن للتعويض عنصرين: ما أصاب الدائن من الخسارة، وما ضاع عليه من الكسب، فالقاضي إذن في تقديره للتعويض يدخل في حسابه هذين العنصرين، فيقدرا أولاً ما أصاب الدائن من ضرر بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه، أو بسب تأخره في هذا التنفيذ، ثم يقدر بعد ذلك ما فات الدائن من كسب، ومجموع هذين هو التعويض.
ومن المعلوم أنه ليس هناك محل للتعويض إذا لم يصب الدائن ضرر ولم يفته كسب من جراء عدم قيام المدين بالتزامه، أو من جراء تأخره في ذلك، كما أن الضرر غير المباشر لا يعوض عنه أصلاً لا في المسؤولية العقدية، ولا في المسؤولية التقصيرية، والضرر المباشر حسبما بينته المادة 221 م م: «ما يكون نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول».
النوع الثاني: التعويض الاتفاقي وهو الشرط الجزائي الذي ذكرناه في السابق.
وبعد هذا العرض فإن الذين ذهبوا إلى جواز اشتراط التعويض عن التأخير في سداد الدين يذهبون بطريق أولى إلى أن جواز التعويض الذي يحكم به القضاء، أو التحكيم، والذين منعوا ذلك يظهر لي أنهم يمنعون ذلك أيضاً لنفس الأدلة السابقة وأن قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره السادس بجدة يدل على هذا المنع المطلق، حيث ينص على أنه: «إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط شابق، أو دون شرط، لأن ذلك ربا محرم» وقد أكدت ذلك الندوة العلمية التي انعقدت بالتعاون بين مجمع الفقه الإسلامي الدولي والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة يومي 15 – 16 يناير 2002 وهذا هو الراجح الذي تقتضيه الأدلة الشرعية مع تفصيل أراه ضروريا وهو:
1 ـ أن أخذ أي زيادة من المدين بسبب التأخير عن السداد المجرد فهو حرام ما دام ذلك بشرط، أو عن طريق القضاء أو التحكيم، خلافاً للزيادة التي يتبرع بها الشخص عن طيب نفسه، كما ورد بذلك الحديث الصحيح حيث اقترض الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بعيراً فلما جاء المقرض قال: «أعطوه»، فقالوا: لا نجد إلاّ سناً أفضل منه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أعطوه فإن خياركم أحسنكم قضاءً».
2 ـ يجوز للبنك الدائن أن يأخذ عن طريق القضاء، أو التحكيم أو غيرهما جميع المصروفات الفعلية التي تكبدها لأي سبب له علاقة بتحصيل دينه.
3 ـ لو أصاب البنك الدائن بسبب التأخير أضرار فعلية أخرى مثل أنه حكم عليه غرامة بسبب تأخير الدين فإن البنك الدائن له الحق في الرجوع على المدين، فمثلاً تأخر البنك الصانع في تسليم المصنوع إلى المستصنع ـ بكسر النون ـ بسبب عدم السيولة الناتجة عن تأخر الدين، وترتب على ذلك دفع البنك مبلغاً للمستصنع، أو غرم بغرامة مالية، فإن البنك الدائن له الحق في الرجوع على المدين.
وقد نص بعض العلماء القدامى على ما سبق، قال المرادي: «ما غرم رب دين بسببه أي بسبب مطل دين أحوج رب الدين إلى شكواه فعلى مماطل لتسببه في غرمه، أشبه ما لو تعدى على مال لحمله أجرة، وحمله لبلد آخر، وغاب، ثم غرم مالكه أجرة حمله لعوده إلى محله الأول فإنه يرجع به على من تعدى بنقله» وعلى مثل هذا فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم.
حلول الأقساط كلها إذا تأخر المدين عن دفع قسط منها:
فقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي «قرار رقم 64/2/7» ينص على أنه: «يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً».
ويستند ذلك على آراء جمهور الفقهاء الذين يرون أن آجال الديون من حق المدين ولمصلحته، فإذا تنازل عنه، أو اتفق الطرفان على إسقاطه في حالة التأخير عن قسط، أو قسطين فهذا جائز، قال ابن عابدين: «فلو قال: أبطلت الأجل، أو تركته صار الدين حالاً …» بل جاء في خلاصة الفتاوى: «ولو قال: كلما دخل نجم ولو تؤد، فالمال حال صح ويصير المال حالاً».
الخلاصة والبدائل:
لقد توصل البحث إلى ما يأتي:
1 ـ إن مطل الغني ظلم وحرام يستوجب عقوبات حددها الفقهاء العظام.
2 ـ غرامة التأخير عقوبة يكون ناتجها لخزينة الدولة، وبالتالي تستبعد عن الحل والبديل إلاّ من باب دفع المدين إلى دفع دينه.
3 ـ أن الشرط الجزائي في الديون غير جائز، وأنه يؤدي إلى ربا النسيئة المحرم شرعاً.
4 ـ أن اشتراط التعويض المالي عن التأخير في سداد الدين غير جائز سواء كان التعويض حدد بنسبة من الدين، أو بمبلغ محدد أو لم يحدد وإنما أحيل تحديده إلى القضاء أو التحكيم، أو إلى معيار يحدد نسبة من الربح الذي يتحقق لبنك من خلال فترة التأخير عن السداد.
5 ـ أن حصول البنك الدائن على مبلغ من المال بسبب تأخير المدين عن أداء دينه غير جائز حتى ولو كان صادراً من المحكمة، أو التحكيم.
6 ـ لا يجوز للبنك الدائن الاستفادة من غرامة التأخير، أو الشرط الجزائي، وإنما يجب صرفها في وجوه الخير.
7 ـ أن حصول البنك الدائن على جميع مصاريفه الفعلية وما تكبده من غرامات بسبب تأخير الدين يجوز تحميل المدين لها.
8 ـ يجوز تضمين المدين ما نقص من قيمة العملة بسبب التضخم.
9 ـ أن حلول الأقساط بسبب التأخير عن سداد قسط أو قسطين جائز كما صدر قرار المجمع الفقهي الدولي رقم 64 (2/7).
البدائل المشروعة هي ما يأتي:
1 ـ تعاون البنوك الإسلامية فيما بينها في المعلومات المتوافرة عن المستثمرين، والاتفاق على جعل المدين المماطل في القائمة السوداء.
2 ـ إشهار اسم المماطل في وسائل الإعلام.
3 ـ الأخذ بالوسائل الفنية للجدوى الاقتصادية للمشروعات الممولة.
4 ـ أخذ ضمانات كافية من الكفالة والرهن ونحوهما ومنها ربط الدين بكل ما لدى المدين من حقوق في البنك.
5 ـ الدخول مع المدين في شركة الملك عن طريق جعل الدين ثمناً لنسبة من عقار، أو مصنع يملكه المدين.
6 ـ شراء عقار، أو مصنع أو نحوهما من المدين بدينه، وهذا جائز فهو بيع الدين للمدين بعين.
7 ـ الاستفادة من بعض صور بيع الدين الجائزة.
8 ـ الاستفادة من التأمين على الدين سواء كان في البداية، أو في وقت آخر عن طريق شركات التأمين الإسلامي، حيث إن ذلك جائز وتحمى للبنوك الإسلامية في حالات كثيرة.
9 ـ إيجاد صندوق مشترك بين البنوك الإسلامية المتعاونة يكون خاصاً للديون المتعثرة، أو المشكوك فيها.
10 ـ شراء العقار أو المصنع أو نحوهما من المدين بالدين، ثم تأخيره تأخيراً منتهياً بالتمليك.
11 ـ الدخول في مرابحات جديدة أو عقود آجلة أخرى مثل الاستصناع ونحوه، وبالتالي يلاحظ البنك الإسلامي الدائن في نسبة مربحة، أو مرابحته ما فاته من أرباح في الدين السابق دون الربط بينهما.
12 ـ الاستفادة من القروض المتبادلة، حيث يشترط البنك أن يقوم المدين بإيداع مبلغ مناسب في الجاري بحسب الزمن المطلوب، وقد صدرت فتاوى من ندوة البركة الثامنة للاقتصاد الإسلامي بجواز القروض المتبادلة (الفتوى رقم 8/10).
13 ـ زيادة نسبة الربح بالنسبة لمن يشك في مماطلته، ثم إذا وفى بدينه يلزم برد ما دفعه من باب التنازل استئناساً بمسألة «ضع وتعجل».
14 ـ الخروج عن عالم المرابحات، والأوراق إلى الدخول في عالم التجارة والاستثمار والأسواق.
وأخيراً فإذا التزم البنك بالقواعد الفنية والإجرائية والوقائية فن التعرض لمخاطر التأجيل والمماطلة تكون قليلة ومعقولاً ومقبولاً لا يؤثر في الأرباح ولا يشكل نسبة خطيرة مع علمنا بأن التجارة لا تخلو من مخاطر كما أن لها أرباحاً. (فالغرم بالغنم).