لم يكن هذا المصطلح شائعاً في معناه الحالي إلى أن أصدرت الحكومة السويسرية الفدرالية القانون المتعلق بغسيل الأموال ، ثم بدأ الاهتمام به من قبل الدول والشركات والاعلام ، حيث يضطر المحرمون الذين حصلوا على أموال بطرق غير مشروعة إلى استعمالها في الحسابات والتمويلات بطرق مقبولة قانوناً ، وهنا يوجدون طرقاً لتحقيق هدفهم ، فكأن هذه الطرق بمثابة تنظيف قانوني لأموالهم[1] .


ومن هنا نستطيع القول بأن غسيل الأموال ، أو بالأحرى ” الجريمة البيضاء ” هو اضفاء المشروعية على الأموال المجرمة قانوناً من خلال طرق ملتوية لتسجل في حسابات البنوك وتظهر أنها مشروعة .


 


والأموال التي يراد غسلها أو تبييضها هي الناتجة في الغالب عن الاتجار في السلع والخدمات غير المشروعة قانونياً وشرعاً مثل المخدرات بجميع أنواعها ، والبغاء أو الدعارة ، وشبكات التجارة بالرقيق الأبيض ، ونحوهما ، ومن تزييف النقود والشيكات ، والرشوة والفساد الاداري والسياسي ، والاختلاس والسرقات ، وعمولات السلاح ، والنصب والاحتيال والتهريب ، وعن الغش التجاري ، أو الاتجار في السلع الفاسدة ، وتقليد الماركات ، وتزوير الكتب والمصنفات الفنية ، ونحو ذلك من الأنشطة المحرمة .


 


الآثار السلبية :


 


لسغيل الأموال آثار سلبية كثيرة ، وخطيرة على مستوى الأفراد والشركات والدول ، وعلى الدخل القومي ، والادخار ، والتضخم ، فهو أخطر جرائم الاقتصاد ، والتحدي الحقيقي أمام التنمية والنهضة ، فهو الجيب الخلفي لهذه الجرائم المالية الخطيرة التي تعود أموالهم المحرمة القذرة الخبيثة لتدخل في حسابات وهمية ، للوصول إلى حسابات هؤلاء المجرمين بصورة قانونية ، أو تعود إليهم عن طريق الوسطاء[2] .


 


إن العالم الثالث اليوم يذهب معظم دخله ، وثرواته إلى جيوب هؤلاء المفسدين المجرمين ، فقدت حدث ديمتروس كلاسيس ، عضو لجنة الجريمة بالأمم المتحدة في المؤتمر العالمي الذي عقد في القاهرة في إبريل / مايو 1995 عن فضيحة بنك الاعتماد الدولي الذي بلغت خسائره 220 مليار دولار كانت تستخدم في غسيل الأموال ( تجارة المخدرات ) وفي عمليات الفساد وفي بعض الدول حتى أفلس[3] ، وقد أعلن رالف لايندير ـ وهو خبير عالمي ـ أن تهريب المخدرات يساهم في حدوث عمليات غسيل الأموال قيمتها 125 مليار دولار على مستوى العالم تمثل 25% نت قيمة إجمالي عمليات غسيل الأموال المرتبطة بالمخدرات فقط البالغة نحو 500 مليار دولار سنوياً ، وقال أيضاً : ان نيويورك تعتبر أكبر مركز عالمي لغسيل الأموال القذرة ، وتنافسها في ذلك لندن[4] ، وأشار تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي 1992 إلى أن حجم عمليات غسيل الأموال بلغ مائة مليار دولار سنوياً ، يتم تحويلها إلى أموال مشروعة[5] .


 


وتقدر بعض المصادر حجم تجارة الرقيق الأبيض ( تهريب النساء للدعارة ) بـ 3.5 مليار دولار في عام 1994[6] وأن حجم غسيل الأموال الناتجة عن الفساد السياسي الخاص بالرئيس الفلبيني السابق ( ماركوس ) وزوجته (ايميلدا ) بعشرة مليارات من الدولارات ، وبلغت قيمة الأموال المهربة في عهد شاه ايران لصالحه وصالح حاشيته إلى عشرين مليار دولار ، وجاء في تقرير لوكالة الأنباء الألمانية أن الفساد ينتشر في نيجيريا بدرجة كبيرة ، حيث تتشرب مليارات الدولارات إلى الخراج ، حتى قدره البعض بـ 20% من الثروة القومية حيث يلتهمها الفساد[7] ، وقد ذكر د. حمدي عبدالعظيم نماذج كثيرة عن الفساد ، وتهريب المال والمخدرات في معظم الدول في العالم ، ولكنه ركز على مصر فأوضح أن تقدير حجم الاقتصاد غير المشروع في مصر إلى 12.5% من الناتج المحلي الاجمالي خلال الفترة 1971-1988 ، مضيفاً : أنه في حقيقته يتراوح بين 15.5% و30% من الناتج الاجمالي بمصر ، وأن حجم عمليات غسيل الأموال فيها في حدود 60% خلال افترة 1984-1998[8] كما ذكر أن عدد المدنين في عام 1995 يزيد على مليون مدمن ومتعاط ، وأن قيمة المخدرات المتداولة في السوق السرية المعربة تقدر بثلاثة مليارات جنيه سنوياً [9] ، وأن عدد المهتمين بقضايا المخدرات قد بلغ في عام 1998 إلى 23000 شخص بنسبة زيادة 35.2% [10].


 


وقد كشف الدكتور محمد عبدالعزيز ، الممثل الاقليمي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والمخدرات ان حجم الأموال المهربة من الدول النامية إلى الخارج يصل إلى ترليون و600مليار دولار ، وان مصر تأتي على رأس الدول النامية في تهريب الأموال للخارج[11] ، وأن عدد قضايا الفساد فيها عام 2000 قد بلغ 63.369 قضية تمكنت الأجهزة الحكومية من ضبطها ، وهناك آلاف لم تضبط بعد ، كما أن نسبة كبيرة من المباني مخالفة للقوانين بسبب هذا الفساد[12] .


 


وقد نشر البنك الدولي في تقريره السنوي عن التنمية في العالم يعطي صورة سوداوية سيئة لأحوال العالم الثالث ، فذكرها في جدول يضم 26 دولة يقارن فيه بين حجم الأموال الهاربة مع نسبة المديونية الخارجية ، وصافي التدفق الرأسمالي ، فنذكره لأهميته :


 


( حجم الأموال الهاربة من بعض الدول خلال الفترة 1980-1992 بالمليون دولار)


 



































































ت


اسم الدولة


الزيادة في حجم المديونية الخارجية (1)


صافي التدفق الرأسمالي (2)


حجم الأموال الهاربة (3) = (1) –(2)


3/1%


1


بنجلاديش


9136


479


8657


94.8


2


الهند


56401


3393


53008


94.0


3


نيجيريا


22025


1375


20650


93.7


4


الصين


64817


10028


54789


84.5


5


اندونيسيا


63441


5523


57918


91.3


6


كوت ديفوار


10552


344


10208


96.7


7


الفلبين


15081


2444


12637


83.8


8


بيرو


10907


198


10709

LinkedInPin