إذا نظرنا إلى الواقع والتجارب المريرة لعالمنا نرى أن ظاهرة الفساد منتشرة وتشمل مجموعة كبيرة من الجرائم التي يغطى عليها تحت أسماء مختلفة ، أو تمحى تحت منطق القوة والسلطان ، فهي تشمل الرشوة ، والمتاجرة بالنفوذ ، والتعسف في استعمال الحق ، وسوء استخدام السلطة ، والتلاعب بالأموال العامة باختلاسها ، أو تبديدها  ، أو التبذير فيها وصرفها في غير وجهها ، أو صرفها في المحسنات والكماليات في حين أن الأمة لا زالت في بداية الضروريات ، إضافة إلى الجرائم المالية الأخرى من التزوير ، والجرائم المحاسبية وغسْل الأموال ، وتزييف العملة ، والغش التجاري ، والتعدي على حقوق الآخرين ، وبخاصة الحقوق المعنوية ونحوها .


 


  فهذه الجرائم تندرج في الفساد الاداري ، والمالي والسياسي ، بل إنني أعتقد أنها حزمة واحدة مرتبط بعضها ببعض ، فالفساد السياسي يترتب عليه الفساد المالي ، والاداري ، والفساد الاداري يترتب عليه الفساد المالي والسياسي ، فليس أمام العالم الاسلامي إذا أراد النهوض والنهضة والحضارة والتقدم إلاّ القضاء أولاً على هذا الفساد الذي ينخر في جسم الأمة فأنهكه ، بل أهلكه ، ونحن هنا وإن كنا نركز على الفساد الاداري لكنه يشمل حسب النتائج : الفساد السياسي والمالي أيضاً .


 


  وقد ثار جدل كبير لدى علماء الادارة في تفسير الفساد الاداري ، وتعريفه بسبب اختلاف المعايير التي اعتمدوا عليها :


 


1- فمنهم من اعتمد على المعيار الكلاسيكي القائم على المصلحة فعرف الفساد الاداري بأنه : إساءة استخدام الوظيفة العامة ، أو السلطات ، أو الموارد العامة لتحقيق مصالح شخصية[1] .


  فهذا التعريف يشمل جوانب متعددة ، فأي استخدام سيء للوظيفة العامة سواء كانت كبيرة أم صغيرة لصالح المصلحة الشخصية يدخل في الفساد الاداري ، وأي استخدام للموارد العامة لصالح الشخص الموظف يدخل في الفساد الاداري ، كما يشمل كذلك أخذ المقابل في مقابل أداء عمل غير مشروع ، أو مشروع ، ولأن المطلوب أن لا يأخذ شيئاً سوى مرتبه من الآخر في مقابل عمله[2] ، فهذا التعريف يتمتع بشمولية جيدة لكنه انتقد بسبب أنه لم يحدد الأسس في تحديد معنى سوء الاستخدام ومرجعيته ، كما أنه غير جامع للفساد الاداري الذي يحدث في المؤسسات الخاصة[3] .


 


2- ومنهم من اعتمد في تعريفه على المعيار الأخلاقي ، فعرفه بأنه : أزمة أخلاقية في السلوك تعكس خللاً في القيم ، وانحرافاً في الاتجاهات عن مستوى الضوابط والمعايير التي استقرت عزماً أو تشريعاً في حياة الجماعة ، وشكلت البناء القيمي في كيان الوظيفة العامة[4] .


  وهذا التعريف منتقد بأنه عام وعائم ، وغير محدد بمعيار يمكن الرجوع إليه ، كما أنه جعل مرجعية المعايير الأخلاقية إلى الجماعة ، وحينئذ يمكن أن يكون الفساد الاداري ناتجاً عن سلوك غير صحيح ولكنه مستقر لديهم[5] .


 


3- ومنهم من اعتمد على المعيار القانوني فعرفه بما يدل على أنه خرق للقوانين والأنظمة التي يجب مراعاتها في عالم الوظيفة[6] .


  ومع أن هذا التعريف يقوم على معيار منضبط وهو القانون والنظام الخاص بالوظائف ، ولكن الاشكالية تأتي في ان القانون قد يصدر لاضفاء شرعية على تصرف بعض الحكام ، مثل ما حدث لماركوس رئيس الفلبين الأسبق الذي أصدر قوانين وأكدها البرلمان لصالح نهب الثروة[7] .


 


4- ومنهم من عرفه معتمداً على معيار الجمهور ، أو الرأي العام[8] ، بحيث ما يراه الجمهور من تصرفات الاداريين أنه من الفساد الأسود ، فتجب إدانته ومعاقبة مرتكبه ، وما يراه أنه من الفساد الأبيض ـ وهو السلوك الذي يتغاضى عنه الجمهور ، فلا تجب إدانته ، وما يراه من الفساد الرمادي ـ وهو المتوسط بين النوعين ، الذي تردد فيه الجمهور بين الادانة ، وعدمها ) فيبقى متردداً [9] .


  وهذا التعريف في حقيقته أكثر غموضاً من التعريفات السابقة ، بل اعتمد على معيار يصعب تحديده ، فمن هؤلاء الأشخاص الذي يمثلون الرأي العام ، هل كل أفراد المجتمع ؟ هل المسجلون الناخبون ؟ وبالتالي فكيف نعرف رأيهم ، فهل نعمل استفتاء بينهم ، أم أنهم عينة معينة ؟ بالتالي كيف نعبر عن الرأي العام ؟ ثم ان تصنيف الأنواع الثلاثة ليس له معيار منضبط وبالأخص فيما يخص النوع الثالث ، وكيف يحكم فيه ؟ .


  ومن جانب آخر فإن وسائل الاعلام لها دورها في إثارة الجماهير في قضية صغيرة فتجعل من الحبة قبة ، ومن الذرة مجرة ، في حين لو لم تصل إلى الاعلام لما عرفت بها الجماهير .


  وانتقده البعض بأن هذا المعيار يفتقر إلى القدرة على التعامل مع الصور المستحدثة للفساد ، فلو فرضنا ظهور شكل جديد من أشكال الفساد الاداري الذي لا معرفة لجمهور الناس به فإن هذا يعني أنه سيبقى مشروعاً إلى أن يتم تشكيل رأي عام حوله ، ومن ثم تصنيفه ضمن الأنواع الثلاثة ….[10] .


 


التعريف المختار للفساد الاداري :


 


  نحن ننطلق لتعريف الفساد الاداري عن المعنى الشمولي للفساد في اللغة ، والقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، حيث يشمل كل خلل وضرر مقصود أو بعبارة أخرى : فهو يشمل ما سماه الفقهاء بالتعدي والتقصير ، ثم إذا وصفنا الفساد بالإداري يخرج ما عدا الفساد الاداري من أنواع الفساد .


واما لفظ ” الاداري ” في اللغة فهو نسبة إلى الادارة التي هي مصدر : أدار يدير إدارة .


والاداري في عرف الفقهاء يشمل كل من له سلطة في رعاية ، إو إدارة عمل يشترك معه آخر ، وهو مرادف ، أو قريب من لفظ ” الراعي ” الذي فصلته السنة النبوية المشرفة حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعتيه ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع وسمؤول عن رعيته )[11] .


  فعلى ضوء ذلك فالاداري أو المدير هو كل من جعله الله تعالى تحت يده وإشرافه أعمالاً أو أشخاصاً ، وعلى ضوء ذلك فالفساد الاداري يشمل الاخلال بكل ما استؤمن فيه إنساناً أو عملاً أو تصرفاً سواء كان ذلك صغيراًَ أم كبيراً ، وبالتالي فكل من ضيّع أمانة أو قصر فيها فهو فساد إداري ، ولذلك لا تنحصر دائرة ” الفساد الاداري ” في الرشوة ، بل تشمل كل ما هو تعدّ على هذا الحق ، أو تقصير فيه .


 


  فعلى ضوء ذلك فالفساد الاداري ـ في نظري ـ هو : التعدي أو التقصير في ولاية شرعية ـ خاصة ، أو عامة ـ بما يترتب عليه إخلال بمقصادها .


 


  فهذا التعريف قد أخذته من مصطلحات فقهائنا العظام عندما تحدثوا عن الشركات والمضاربة والوكالة ، ورعاية أموال اليتامى ، ونظارة الأوقاف ، ونحوها ، وهو تعريف جامع مختصر مفيد .


  فلفظ ” التعدي ” يشمل كل إخلال مقصود متعمد ، وأما لفظ ” أو التقصير ” فهو يعني الاهمال لأي سبب كان بحيث يترتب عليه ضرر ، والولاية الشرعية : هي سلسطة شرعية لشخص في إدارة شأن من شؤون ، وتنفيذ إرادته فيه على الغير من فرد أو جماعة )[12] .


  فعلى ضوء ذلك يدخل في ” التعدي ” كل فعل يترتب عليه فساد وضرر ، فيشمل الغش ، والخيانة ، والتزوير ، والاختلاس ، واستغلال السلطة ، والتعسف في استعمال الحق ، وتجاوز الحدود الموضوعة للسلطات الادارية ، وللحدود والصلاحيات التي حددها الشرع ، أوولي الأمر ، أو من خلال الشروط والقيود المشروعة ، ويدخل فيه كذلك استعمال السلطة بما يتنافى مع مقاصد الشريعة ، واقعاً أو مآلاً ، فكل ما سبق يعتبر تعدياً في نظر الشرع .


 


  ويدخل في ” التقصير ” الاهمال الجسيم ، أو الاهمال بمقتضيات الولاية الادارية ، ومتطلبات السلكة الادارية من الرعاية والعناية التامة .


  قولنا ” بما يترتب عليه الاخلال بمقاصدها ” يراد به : ان الفساد الاداري إنما يتحقق إذا ترتب على التعدي أو التقصير ضرر بالشيء المؤتمن عليه ، أو بصاحبه أو بالمجتمع ، أو بالبيئة ، لأن العبرة في تحقق الفساد الاداري بتحقيق آثاره السلبية ، ومن جانب آخر فإن لكل وظيفة إدارية كبيرة أو صغيرة ، مقاصدها وأهدافها وغاياتها ، فإذا تعدى الموظف أو المسؤول ، أو قصر بحيث أدى إلى الاخلال بهذه المقاصد فقد أخل بأمانته ، وتجاوز صلاحياته ، وتعدّ الحدود الموضوعة للسلطة الادارية .


  


معيار الفساد الاداري :


يتكون معيار الفساد الاداري من عنصرين أساسين ، وهما :


 


1)  القصد السيء سواء وصل هذا القصد السيء إلى مرحلة التعدي المباشر ، أم توقف عند الاهمال الجسيم الذي ترتب عله الاضرار بمقاصد الوظيفة .


ويتبين لنا من خلال هذا العنصر التمييز بين الفساد الاداري وبين الخطأ الاداري الذي لا يصحبه سوء النية ، وحينئذ لا تترتب عليه العقوبة ، بل قد تترتب عليه المسؤولية المدنية ، في حين أن جزاء الفساد الاداري من شأنه أن تترتب عليه العقوبات والمسؤولية الجنائية .


 


2)  تحقق الضرر ، أو الاخلال بمقاصد الولاية ، بحيث يترتب على ذلك ضرر بالشيء المؤتمن عليه أو بصاحبه ، أو بالبيئة إما ضرراً واقعاً فعلاً ، أو مآلاً .


 


  وبذلك أصبح التعريف جامعاً لكل أنواع الفساد ، وليس خاصاً بحالات الرشوة ، والمحسوبية والمنسوبية ، واستغلال السلطة للاثراء على حساب الغير فحسب ، بل يشملها كما يشمل الاهمال في مقتضيات الادارة ، حيث يسمى : الاهمال الجسيم ، ولذلك فإن مفهوم الفساد الاداري يشمل الأنواع الثلاثة الآتية :


 


أولاً ـ الرشوة ( خطورتها وعلاجها ) :


الرشوة ـ مثلثة الراء ـ لغة هي ما يعطى لقضاء مصلحة ، أو ما يعطى لابطال حق ، أو احقاق باطل ، وجمعها : رشا ـ بكسر الراء وضمها ، فيقال : رشا فلاناً ، أي أعطاه رشوة ، وراشاه أي جاباه ، وارتشى  : أي أخذ رشوة ، واسترشى ، أي طلب الرشوة ، ولها معان أخرى[13] ، وتسمى الرشوة : البرطيل ، قال المرتضى الزبيدي : ( واختلفوا في البرطيل بمعنى الرشوة ، هل هو عربي أو لا ؟ وفي المثل : البراطيل تنصر الأباطيل )[14] .


  وفي الاصطلاح الفقهي لا يخرج معناها عن المعنى اللغوي حيث عرفها القاضي  ابن العربي بقوله : الرشوة كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عوناً على ما لا يحل ، والمرتشى قابضه ، والراشي معطيه ، والرائش : الواسطة )[15] .


 


  وقد سمى الصحابة ، والتابعين الرشوة : سحتاً ، وقالوا في تفسير قوله تعالى في وصف اليهود : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )[16] وقوله تعالى : (وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )[17] وقوله تعالى : (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)[18] فالسحت : الرشوة ، وهذا مروى عن ابن مسعود ، وعلي ، وعمر ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأنس ، ومشروع ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، وابراهيم ، والضحاك ، والسدي ، وابن زيد ، وغيرهم[19] ، حتى جاء عن بعضهم القول بالحصر مثل ابن مسعود الذي قال : ( ما لنا نرى السحت إلاّ الرشوة في الحكم…)[20] .


 


  قال الطبري : ( وأصل السحت : كلب الجوع ، يقال منه ، فلا مسحوت المعدة : إذا كان أكولاً لا يلقى أبداً إلاّ جائعاً ، وإنما قيل للرشوة السحت تشبيهاً بذلك ، كأن المسترشي من الشره إلى أخذ ما يعطاه من ذلك ، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشره إلى الطعام )[21] .


  والخلاصة أن المقصود بالرشوة في الاصطلاح هي : ما يعطى من له سلطة لقضاء مصلحة للراشي بوجه غير مشروع ، فالمعيار في الرشوة يتحقق بثلاثة عناصر :


العنصر الأول : أخذ شيء مادي أو معنوي ، وهذا بالنسبة للمرتشي ، أو إعطاؤه بالنسبة للراشي ، فالجريمة تتحقق بالنسبة للراشي بمجرد الاعطاء ، ولكنها  لا تتحقق بالنسبة للمرتشى إلاّ إذا أخذ .


العنصر الثاني : القصد الجنائي ، أو النية السيئة ، حيث تظهر أهمية هذه النية وتتحقق بكون العمل غير مشروع .


العنصر الثالث : العمل الذي يراد فعله بوجه غير مشروع شرعاً ، مثلا إعطاء ما لا يستحقه حسب اللوائح والنصوص في الظاهر أو أن يكون الفعل مشروعاً ، ولكن الطريقة غير مشروعة ، بحيث لا تسمح مقتضيات الوظيفة بفعل ذلك .


 


  وقد تختلط الرشوة بالهدية ، والهبة إذا قصد تحت اسم الهدية ، أو الهبة : الوصول إلى تحقيق مصلحة للواهب أو المهدى بوجه غير مشروع ، فليست العبرة بظاهر اللفظ وإنما العبرة هنا بالغاية والمقصد والنتيجة[22] ، ويدل على ذلك بوضوح قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( هدايا العمال غلول )[23] ـ كما سيأتي تفصيله ـ .


 


أركانها في الفقه الاسلامي :


1-    الراشي : هو من يعطي الذي يعينه على الباطل .


2-    المرتشي : هو الذي يأخذ


3-    الرشوة هي ما يأخذه المرتشي سواء كان مادياً كالنقود والعقارات ، أم معنوياً مثل الجاه .


4-    مقابل الرشوة : وهو ما يسعى إلى تحقيقه الراشي سواء كان مالاً ، أم جاهاً ، أو ترخيصاً وموافقة ، أم نحو ذلك .


وقد يدخل بينهما الوسيط فيسمى الرائش ، وهو أيضاً ملعون لأنه يتعاون على الاثم والعدوان .


 


حكم الرشوة :


  لا خلاف بين الفقهاء في حرمة الرشوة وذلك للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والاجماع والمعقول .


  أما الكتاب فمنه قوله تعالى : (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )[24] وقوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)[25] وروى شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن مسروق قال : سألت عبدالله بن مسعود عن السحت ، فقال : الرشا[26] .


  ومن السنة النبوية ما وراه عبدالله بن عمر قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي )[27] وفي رواية عن أبي هريرة بزيادة ” في الحكم “[28] وفي رواية ثوبان بزيادة ” والرائش “[29] .


وأجمع العلماء على حرمة طلب الرشوة ، وبذلها ، وقبولها ، والوساطة فيها[30] .


 


الرشوة لدفع الضرر أو كسب الحق :


 في حكم دفع الرشوة بالنسبة للراشي ، للحصول على حق ، أو لدفع ظلم ، أو ضرر فالجمهور على عدم جوازه ، وبعضهم أجاز ذلك للدافع فقط إذا كان لدفع ضرر محقق ، أو لدفع مظلمة واقعة عليه ، أما لكسب الحق فلا يجوز وفي جميع الأحوال فإن الآخذ المرتشي آثم ملعون[31] .


  والراجح الذي تؤيده الأدلة المعتبرة هو حرمة الرشوة مطلقاً ، ووجوب الصبر ، وعدم الرضوخ للابتزاز ، بل الصدع بالحق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والرجوع إلى القضاء وديوان المظالم  ـ إن وجد ـ وإلى المسؤولين الكبار لكشف الأمر ، وإلاّ فلو وجد كل واحد لنفسه مبرراً لدفع الرشوة لازداد الفساد وعمت الفوضى وخربت البلاد والديار ، فالساكت على الحق شيطان أخرس فما بالك بمن يشارك في الجريمة نفسها ، ويتعاون على الاثم والعدوان بدفع المال ، وقد قال تعالى : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[32] .


 


أقسام الرشوة :


قسم بعض الفقهاء الرشوة إلى أربعة أقسام وهي :


1-      الرشوة على تقليد القضاء والامارة ، فهي حرام على الآخذ والمعطي .


2-   دفع الرشوة للقاضي ليحكم ، أي أن القاضي كان يمكن أن يتأخر في إصدار الحكم فيعطى له رشوة ، أو هدية حتى يستعجل ، فهذا أيضاً حرام على الطرفين حتى ولو حكم بالحق ، لأن سرعة الحكم والقضاء واجب بالشرع فلا يجوز أخذ الأجر عليه .


3-      أخذ المال لتسوية أمره عند السلطان دفعاً للضرر ، أو جلباً للنفع ، وهذا حرام أيضاً .


4-      إعطاء إنسان عبر موظف عند القاضي ، أو السلطان مالاً لتحصيل حقه ، وهذا محل خلاف[33] .


  


عقوبة الرشوة :


  اتفق الفقهاء ـ كما سبق ـ على أن الرشوة حرام ، وبما أن عقوبتها لم تحددها الشريعة ، فتكون عقوبة تعزيرية تعود إلى اجتهاد الإمام ، أو من ينوب عنه ، وهي ترتبط شدة أو خفة أو تغليظاً أو تخفيفاً بحجم الرشوة ، وآثارها ، وظروفها وملابساتها المحيطة بها[34] .


  ولا مانع شرعاً من إصدار تقنين خاص بالرشوة تحدد فيها العقوبات وحدها الأدنى والأقصى ، معتمدة على آراء أهل الشرع والقانون والخبرة .


LinkedInPin