ية الفتاوى الخاصة بأسهم الشركات ، حيث يقول بعضهم : إن هذه الفتاوى متضاربة ، وان لها تأثيراً في اضطراب السوق ، وخسارة البعض ، كما أن العلماء لم يسلموا من لمز وغمز دون وجه حق .
ومع الأسف الشديد حاول أحد الكتاب أن يستعمل الإرهاب الفكري لتخويف العلماء وإسكاتهم ببعض التلميحات التي لا تليق بأهل العلم الذي أوجب الإسلام احترامهم ، وطاعتهم مع طاعة أولياء الأمور فقال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) هم الحكام في الجانب السياسي والعلماء في جانب الفتاوى ، ووردت آيات وأحاديث كثيرة في بيان فضلهم ووجوب إعزازهم وإكرامهم منها قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير المغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط) رواه أبو داود ، وفي رواية لأحمد (ثلاثة من إعزاز الله ، منها إعزاز أهل العلم…) .
لذلك أود أن أوضح بعض الحقايق الآتية :
أن الفتاوى هي بيان لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي أوجبها الله تعالى على العلماء بان يبينوها للناس ولا يكتمونها ، وان لا يخافوا في الله لومة لائم فقال تعالى (الذي يبلغون رسالات ربهم ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاّ الله) .
فبيان الحكم الشرعي واجب على أهل العلم ولا يجوز السكوت عنه .
وأعتقد أنه لو لم يكن البيان واجباً لما أفتى أي مفت متق خوفاً من الله تعالى ، ومن عواقب الفتوى ، وذلك لأن الفتوى ـ كما يقول ابن القيم ـ توقيع من ربّ العالمين ، وهي إثم مبين وإفتراء عظيم إذا لم يكن صاحبها عالماً وتوافرت فيه شروط الفتوى) ، فإذا كان الموظف يخاف إذا وقع شيئاً عن رئيسه ، فما بالك بالمفتي الذي يوقع عن ربّ العالمين ، ويتحدث عن الحلال والحرام ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) ، سنن الدارمي (1/53) .
وبالأخص إن المفتي (غير الرسمي) ليس له أي مصلحة مادية ، أو رسمية من إصدار الفتاوى سوى أداء ما وجب عليه من أداء واجب البيان لأحكام الله تعالى .
وقد تطرق علماؤنا الكرام وسلفنا الصالح إلى خطورة الفتاوى ، والخوف منها ، يقول عبدالرحمن بن أبي ليلى : (لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار ، وما منهم من أحد يحدث بحديث إلاّ ودّ أن أخاه كفاه الحديث ، ولا يسأل عن فتيا إلاّ ودّ أن أخاه كفاه لافتيا) سنن الدارمي (1/49) .
وأود أن أوضح هنا أن الفتاوى ليس لها علاقة باضطراب السوق ، وذلك لأن الذين يلتزمون بالفتاوى الشرعية أساساً لا يدخلون في السوق إلاّ بعد ما علموا أن أعمالها حلال ، ولا يشترون أسهم أي شركة إلاّ بعد السؤال عنها ، فبعض الكتاب لا يعلمون ـ مع الأسف الشديد ـ كثرة الأسئلة والإلحاح على أهل العلم حتى يفتوا في أمور الأسهم ، وليكن على علمهم بأن هؤلاء الناس الملتزمين لم يشتروا أسهم هذه الشركات إلاّ بعد أخذ الفتوى على الرغم من الأرباح الكثيرة ، لأن هؤلاء يعلمون ان المال الحرام مهما كان كثيراً فلا يبارك الله تعالى فيه ، لا في البدن والصحة ، ولا في غيره ، ناهيك عن الآثار الوخيمة للمال الحرام على عدم قبول الطاعات ، في الدنيا ، وعذاب النار الآخرة حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أي لحم نبت من حرام فالنار أولى به) .
فالبورصة أو السوق مفتحة الأبواب للجميع لماذا تمنع هذه الفئة الملتزمة من معرفة الحكم الشرعي للأسهم علماً بأن الالتزام بالفتاوى هو التزام شخصي ، وليس فيها إكراه أو إلزام للآخرين من المفتين ، فإذا كان بعض الناس يخافون من نقص أموالهم فإن هؤلاء الملتزمين يخافون آثار المال الحرام ، ولذلك يبحثون ، ويسألون عن المال الحلال .
وأخيراً أطالب الجهات المسؤولة في دولة قطر بإنشاء دار للفتوى تكون مرجعاً للفتوى في الدولة ، ويختار لها أهل العلم والاختصاص والخبرة والإخلاص والتقوى حتى يكون لفتواهم القوة والثقة بين الناس ، وفي ذلك خير كثير ونفع عظيم ، وراحة للجميع ، وكم نتمنى أن يغنينا عن الفتوى غيرنا ، والله يشهد أنني أتمنى أن يصدر الجوب على لسان غيري .