بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد

فقد وردنا سؤال من بعض أهل العلم
والفضل في العراق ممن يوثق بهم  يشرح الأوضاع المؤلمة التي يعيشها أهلنا هناك
والتي تشرح الظروف الاستثنائية التي يعيشها الناس والضرورات الملحة للمواطنين وذلك
من خلال رسالة مطولة موجهة إلينا حول القروض الربوية للإسكان والمصانع ، وقد ساقت
الرسالة مجموعة من المبررات والأحوال والظروف الاستثنائية بالاضافة إلى زيارة عدد
منهم لنا أكدوا الحاجة الماسة لأهل المنطقة للبناء ، ونحوه .

وبناء على الحيثيات التي ذكروها، فقد
أفتينا بما يلى:

إن مما لا شك فيه أن الربا محرم
بالكتاب والسنة والإجماع ، وأن القروض بالفائدة عن طريق البنوك الربوية محرمة،
وتدخل في ربا النسيئة حسب قرارات المجامع الفقهية، بدءاً بمجمع البحوث الاسلامية
التابعة للازهر الشريف، ومجمع الفقه الاسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الاسلامي،
والمجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي .. الخ .

   ولذلك فان القرض بفائدة
لا تجيزه الحاجة؛ وإنما الذي يجيزه هو الضرورة الشرعية المعتبرة ،غير أن الضرورة
في نظر المحققين من العلماء سلفا وخلفا تتسع دائرتها للضروريات الجماعية كما تتسع
للضرورات الفردية ، وأن الحاجيات العامة تنزل منزلة الضرورات الفردية ، وقد صرح
بذلك جمع من العلماء المحققين ، منهم إمام الحرمين حيث ذكر أن الحاجة العامة تنزل
منزلة الضرورة الخاصة ، حيث قال نصاً : ( والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة فتغلب
فيها الضرورة الحقيقية ) ، ومثله قاله الزركشي في المنثور (2/24-26 ) ونقله عن
إمام الحرمين ، والسيوطي في الاشباه ص88 وابن نجيم في الاشباه مع شرحها غمز عيون
البصائر (1/293) .

 

وبناء على ذلك فإننا نرى أن الحفاظ
على الهوية ضرورة تتعلق بكلية الدين وبكلية النفس وربما ببقية الكليات.

  ومن المعلوم أن أهم أسباب
مشروعية الجهاد هو دفع الفتنة، كما قال تعالى ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ
فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) سورة البقرة / الآية 193 ، وبين القران
الكريم ان ( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) سورة البقرة / الآية 217 ، والمراد
بالفتنة هو الابتلاء بسبب الدين ويدخل فيها ما يسمى القتل على الهوية.

  وبناء على ما سبق فإننا
نقول : يجوز لهؤلاء أن يأخذوا هذه القروض من الدولة لبناء مساكنهم بالشروط الآتية:

1.    
أن لا يكون لدى المقترض مال كاف لبناء أرضه وتعمير مسكنه.

2.     أن لا يكون هناك بديل شرعي آخر، مثل
توافر البنوك الإسلامية القادرة على هذه التمويلات .

3.     إن هذه الفتوى قائمة على أن الربا
حرام وأن سبب السماح مبني على أساس الضرورة الجماعية أو الحاجة العامة ، وبالتالي
فما دامت الفتنة قائمة وحالة التربص بالآخر حاضرة، فالفتوى قائمة وعند زوال
الضرورة أو الحاجة العامة تزول الفتوى ،
 ومن المعلوم أن
هذه الفتوى تدخل ضمن قاعدة (ما جاز لعذر بطل بزواله) فلا بد من ملاحظة الظرف الذي
يعيشه الان أهل المنطقة ومراعاة ملابساته ؛ فإذا تغير بطل العذر . 

 

أما الحالات الفردية فحكمها كالآتي :

 

1.    
لأهل المختطف المهدد بالقتل إذا لم يجدوا محيصا ولا ملجأ لتحيصل أموال
الفدية بطريقة مشروعة يجوز لهم الاقتراض بفائدة لاجل الحفاظ على كلية النفس .

2.    
 المريض والجريح
إن كانا مهددين بالموت أو التلف أو نحوهما ولا يجدون مالا مشروعا فيجوز لهما أيضا
الاقتراض بفائدة لأن ذلك داخل في حال الضرورة للحفاظ على كلية النفس .

 

  ومن المعلوم أن تقدير
الضرورة الفردية ، والحاجة العامة المعتبرة

  يخضع إلى  أهل العلم والفتوى .

هذا والله أعلم
بالصواب وهو الهادي إلى الصواب
.

 

 

أ.د. علي محيى الدين القره داغي                                       أ.د. يوسف القرضاوي