فتوى مفصلة حول الأحكام المتعلقة بغسل وتيمم المتوفى بفايروس كورونا المستجد (كوفيد-19)

وصلتني مجموعة من الأسئلة حتى من الأطباء حول:

هل يجوز ترك غسل الميت وتيممه لخوف من عدوى كورونا، حيث يؤكد الأطباء إمكانية انتقال فيروس كورونا إلى الغاسل حتى مع الأخذ بالاحتياطات، بل إن بعضهم قال: إن الأطباء على الرغم من احتياطاتهم الهائلة قد أصيب عدد كبير منهم بهذا الفيروس، وبعضهم ماتوا؟

وحتى التيمم يرد عليه ما يرد حول الغسل، وبالتالي فهل يمكن أن نصلي فقط على هؤلاء الموتى بسبب فيروس كورونا؟

الجواب:

الحمد لله تعالى فإن في شريعتنا سعة، وأن طبيعتها التيسير ورفع الحرج في جميع أحكامها، وبناء على ذلك نقول:

أولاً: إن حكم غسل الميت فرض كفائي عند جمهور الفقهاء[1]؛ بناء على فعل الرسول r ، وصحابته الكرام، وأمْره r لمن غسل ابنته (زينب) رضي الله عنها:" اغْسِلْنَهَا وِتْرًا"[2]، وكان فيه" اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا"[3]، وقوله r أيضاً في حق المحرم الذي وقصته دابته فقتلته:" اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ"[4].

وذهب الحنفية في قول ضعيف[5]، والمالكية كذلك في قول حكاه ابن أبي زيد وابن يونس، وابن الجلاب، وشهره ابن بزيزة إلى أنه سنة مؤكدة، قال ابن رشد: سنة على الكفاية، والقولان كلاهما في المذهب، والسبب في ذلك أنه نقل بالعمل، لا بالقول، والعمل ليس له صيغة تُفهِم الوجوب، أولا تفهمه[6].

وأجاب أصحاب القول بسنية الغسل عن هذه الأحاديث بأنها محمولة على الاستحباب والسنة، لأن الأمر ليس نصاً في الإيجاب، بل الراجح هو دلالته على ما هو المطلوب الذي يشمل الإيجاب والندب، وليس نصاً في الإيجاب على الراجح من أقوال الأصوليين.

وأجابوا أيضاً بأنّ هذه الأحاديث خرّجت مخرج تعليم لصفة الغسل، لا مخرج الأمر به[7].

ونحن نرجح القول الأول بوجوب الغُسل، لكنه في مثل هذه الظروف الحالية في ظل تفشي عدوى كورونا، والمخاطر المحدقة بالغاسلين، حتى قال الأطباء: إن خطر وصوله إليهم شبه محقق حتى مع الأخذ بالاحتياطات، ويدل على ذلك أن حوالي 550 طبيباً وممرضاً قد أصابهم كورونا مع الاحتياطات في كل فترة قصيرة عدة مرات.

وكذلك أصبح تميم هؤلاء الموتى بكورونا خطراً حسب رأي الأطباء، لذلك يُفتى بعدم ضرورة الغسل والتيمم لهؤلاء الذين ماتوا بسبب هذا الوباء(كورونا) ونسأل الله تعالى لهم العفو والمغفرة، ويستأنس لما قلناه أن الرسول r سمى الميت بالطاعون شهيداً، حيث قال r:" فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ"[8]، وفي رواية لأحمد بإسناد صحيح بلفظ" بيته"[9].

حالا عدم إمكان الغسل

أما إذا لم يمكن غسل الميت فهنا ذكر الفقهاء عدة حالات، منها:

  1. إذا كان عدم الغسل يعود إلى عدم وجود الماء فييمم بالاتفاق[10].
  2. إذا كان عدم الغسل بسبب تعذر مسِّه فإنه يصبّ عليه الماء صباً، وذلك بسبب قروح في جسده، أو حروق، أو جرب، أو جدري، بحيث لو غُسِّل بالماء أدى إلى تزلعه، وتفسخه، فإنه يصب عليه الماء صباً بالقدر الذي يحفظه من التفسخ والتزلع، فإن تعذر صب الماء عليه يُمّم[11].
  3. ويقاس عليه الميت الذي يخاف الغاسل من غسله أن يصيبه شيء، حيث إما أن يصب عليه الماء أو ييمم، هذا هو الذي يُفهم من كلام الفقهاء[12].

أما إذا تأكد تضرر الغاسل بغسله أو تيممه من خلال شهادة طبيبين أو أكثر، أو عمّ الخبر في ذلك فإن الذي يدل عليه الدليل هو أنه لا يغسل ولا يمم لما ذكرنا من الأدلة السابقة ـــ كما سبق ـــ.

 وهل يصلى عليه إن لم يغسل ولم ييمم؟

إذا تعذر غسل الميت وتيممه لأي سبب كان، فهل يصلى عليه صلاة الجنازة؟

الجواب:

الراجح هو الصلاة عليه؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، ولأنه لا وجه لترك الصلاة عليه، فقد قال r:" وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"[13]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[14]، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[15]، ولأن الصلاة على الميت حق على المسلمين، ومن فروض الكفايات، ولأنها دعاء للميت، وهو لا يسقط بعدم الغسل والتيمم.

ولذلك جزم الدارمي وغيره بوجوب الصلاة عليه، فقال:" وإلا لزم أن من أحرق فصار رماداً، أو أكله سبع لم يصل عليه، ولا أعلم أحداً من أصحابنا قال بذلك"[16].

كيفية الصلاة في حالة تفشي الوباء

يصلى على الميت عن بعد في حالة الخوف المحقق بالظن الغالب من وصول العدوى إلى المصلين، إذا كانوا قريبين من الجنازة، ومن المعلوم أن الصلاة على الغائب، وعن بعد جائزة بالأدلة الصحيحة الثابتة.

هذا والله أعلم

 

                                                                                        كتبه الفقير إلى الله تعالى

                                                                                            أ.د. علي محيي الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 


[1] – البحر الرائق (1 / 68) والمحيط البرهاني (3 / 42) وشرح الهداية (2 / 464) والدسوقي على الشرح الكبير (4 / 94) وحاشية العدوي على كفاية الطالب (7 / 425) وتحفة المحتاج (3 / 184) والمبدع (2 / 240)

[2] – رواه البخاري برقم (1254) ومسلم برقم (939) وأبو داود (3143) والترمذي برقم (990) والنسائي برقم (1885) وابن ماجه برقم (1458) وأحمد برقم (20829)

[3] – رواه البخاري برقم (1850،1850،1849،1839) ومسلم برقم (1206)

[4] – البحر الرائق (1 / 68) وشرح الهداية (2 / 464)، والحديث راه البخاري برقم (1742) والنسائي برقم (2856) وأبو داود برقم (3241)

[5] – بداية المجتهد، ط. مكتبة ابن تيمية، ومكتبة العلم بجدة، عام 1415هــ (2 / 9ـ 10)

[6] – بداية المجتهد، ط. مكتبة ابن تيمية، ومكتبة العلم بجدة، عام 1415هــ (2 / 9ـ 10)

[7] – المصدر السابق

[8] – رواه البخاري برقم (5734)

[9] – رواه أحمد برقم (26139)

[10] – شرح العناية (16 / 261) ومراقي الفلاح (224) والمدونة (1 / 472) والشرح الكبير (4 / 410) والمجموع (5 / 178) وتحفة المحتاج ( 3 / 184) وإعانة الطالبين (2 / 127) والمبدع (2 / 240)

[11] – مراقي الفلاح (224) والمدونة (1 /472)

[12] – المدونة (1 / 472) والشرح الكبير (4 / 410) والمجموع (5 /178) وبقية المصادر السابقة.

[13] – رواه البخاري برقم (6858) ومسلم برقم (2362)

[14] – سورة التغابن (16)

[15] – سورة البقرة (286)

[16] – مغني المحتاج (2 / 49)