هديل صابر
جريدة الشرق- الدوحة
لم يعد العقل العربي محترماً!، والسبب في ذلك هو ما تنتجه الفضائيات العربية التي تبث من دول عربية وإسلامية، معرية الفكر العربي، ومتجهة به إلى مسارين لا ثالث لهما، المسار الأول بث برامج ومسلسلات تناست العقل والفكر، في ظل الأزمات والصراعات التي يعيشها المواطن العربي، وفي المسار الثاني عمدت شركات الإنتاج لشن حملة ضمنية على الدين الإسلامي وعلى رمزية الدين الإسلامي التي تتجلى في صورة رجل الدين صاحب اللحية الذي يرتدي ثوبا قصيراً، ليجسد شخصية المسخ في العمل الدرامي إما شحاذاً، أو متطرفاً، أو ذاك الزوج زير النساء الذي يتطاول على زوجته ويعنفها داخل المنزل، وخارجه هو ذاك الرجل الذي يعكس صورة عكس صورته في المنزل، ولم تقف شركات الإنتاج ومحطات التلفزيون عند هذا الحد، بل وصل فيها التطاول إلى أن تلصق بهذه الشخصية. شخصية الإرهابي الذي يحمل بيده سلاحا أبيض أو رشاشاً، مهمته إراقة الدماء، واغتصاب النساء تحت شعار “الدولة الإسلامية”، هذا المسمى الذي رفضته البرلمانات الأوروبية بكل شراسة، لإيمانها بأنَّ كل ما أتت به الجماعات الإرهابية هو مسيَّس، والغرض منه تشويه صورة الإسلام، بل وتحذير الأجيال من الإسلام ودعوتهم دعوة غير مباشرة إلى العلمانية والانحلال.
ولحساسية الموضوع، طرح “ملحق الصائم” الموضوع على فقهاء أفاضل فكانت البداية مع الدكتور علي محيي الدين القره داغي- الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- الذي أعرب عن أسفه الشديد حول ما تبثه بعض الفضائيات العربية من برامج ومسلسلات غايتها الوحيدة تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتشويه رمزية المسلمين، مؤكدا سماحته أن هذه الحملة ليست بالجديدة إلا أنها باتت مكثفة، والسبب يعود إلى ضعف المسلمين وانشغالهم بقضاياهم الداخلية في سوريا، العراق، مصر، ليبيا وتونس علاوة على قضيتنا الأولى قضية القدس، لافتا إلى أن هذا الانشغال الكبير للأمة ووجود المتطرفين أسهم في تكثيف الحملة التي تشوه الإسلام، مشيرا في تصريحاته إلى أنه لو كان الغرض هو كشف المتطرفين أو التركيز على قضية المتطرفين، فالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو من أوائل الجهات الرسمية التي نددت وشجبت الإرهاب، الذي توارى خلف عباءة الدين الإسلامي للترويج لمعتقداته، ولممارساته التي استهدفت المسلمين في المقام الأول، بل نالت من الإسلام نفسه، ومن عقيدة الإسلام، ومشاعر المسلمين.
ودعا فضيلة الدكتور القره داغي عبر منبر “دوحة الصائم” الأمة الإسلامية لتكثيف جهودها، من خلال كافة الوسائل المتاحة كوسائل الإعلام، والوسائل الدبلوماسية لكبح جماح الحملة، ولبيان حقيقة وعظمة الإسلام، وبيان حقد الإرهابيين الذين باتوا يسيئون للإسلام نفسه، وكشف المؤامرة السنوية التي تستهدف الدين الإسلامي، وتستهدف جيلا من الأطفال المسلم حتى تتزعزع عقائده، وقيمه ونظرته عن الدين الإسلامي.
ورأى الدكتور القره داغي أن هذه الحملة ذات أبعاد ثلاث تستوجب بيان عظمة الإسلام، والرد على المغرضين والمشككين ردا حكيما، والتأكيد أنَّ ما يحدث الإسلام بريء منه، وهذا ما تؤكده سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنَّ ما تصوره البرامج والمسلسلات لا تمثل واحدا بالمليون من المسلمين، فليس من العدل أن يلفق للإسلام والمسلمين هذه الأخلاقيات والممارسات الذميمة بل غير المقبولة في كافة الديانات.
مؤامرة مدعومة
وأكدَّ الدكتور القره داغي أنَّ كل ما تروج له المحطات عبر الشاشة الصغيرة هو مؤامرة حقيقية تدعمها المخابرات الدولية، والمخابرات الإقليمية لعدد من الدول، التي استغلت هشاشة العالم العربي والإسلامي بسبب انشغالاته بقضاياه وأزماته من لجوء وجوع وتشريد، كما عززت عبر وسائلها قضايا الكراهية والعنصرية المذهبية والطائفية، في ظل ظروف حرجة يمر بها العالم الإسلامي، مؤكدا أن هذه مشكلة أخرى، مطالبا جمهور المسلمين ألا ينساقوا وراء ما تبثه بعض الفضائيات من بث روح الكراهية والعنصرية المقيته، بل لابد أن يكونوا واعين وأن ينظروا للأمر نظرة عظيمة حكيمة بعيدة عن الطائفية البغيضة، حتى يستطيع العالم الإسلامي أن يقف على قدميه ثانية، لأنه إن ظل في هذا التفرق والتمزق سيكون صيدا سهلاً ولقمة سائغة للمتربصين للدين من أعدائه، وستستغل نقاط الضعف هذه ضد العالم الإسلامي والمسلمين.
وشدد الدكتور القره داغي على ضرورة اللجوء إلى بيان ونصح هذه الفئة التي ضلت الطريق، داعيا إلى ميثاق شرف بين الإعلاميين الغيورين على الدين الإسلامي، كاشفا عن نية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يصدر بياناً يعنى بالرد على الهجمات التي يراد منها تشويه الدين الإسلامي برمزياته.
إسفاف وإهانة
وحول هذه القضية تحدث أيضا الداعية الإسلامي طايس الجميلي، الذي أكد أن على القنوات الهادفة أن ترد على الإسفاف والإهانة التي تروجها بعض الفضائيات المدعومة من قلة ضالة خارجة عن الدين الإسلامي، متسائلاً عن الأسباب تجعل مثل هؤلاء أن يصروا على الترويج لمسمى الدولة الإسلامية! كما أن بعض الإعلام العربي الذي يردد هذا المسمى بالرغم من رفضه واستنكاره من قبل برلمانات أوروبية، والغرض هو تشويه صورة الإسلام، وترهيب الأجيال من الدين الإسلامي وأنه دين قتل وإراقة دماء واغتصاب نساء.
وأسف الداعية الجميلي على الحال التي وصلت إليها الأمة العربية والإسلامية، مؤكدا أن الأمر لا يعالج بمقال بل يحتاج إلى معالجة جذرية تتناول تغيير الثقافة والفكر المتداول حول الدين الإسلامي، مطالبا بضرورة تصحيح المسار حتى يتغلب الحق على الباطل، ولابد من التصدي للحملة بحملة مضادة، مستنكرا فضيلته كيف يكون الدين الإسلامي دين كراهية وقتل ودمار، وتطاول، وهو دين محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان خير الخلق مع أهله.
وأكد الداعية الجميلي أن وراء هذا طابورا خامسا منتفعا، يريد أن يبث رسائل ضد الإسلام، واعتباره خطرا لابد من التصدي له، لذا لابد أن تسخر كل المنابر لمواجهة الإسفاف والانحراف، لاسيما في الإعلام المرئي الذي يعتبر المصيبة الكبرى.