كلما جاء وقت الصيف أصاب العائلة نوع من الاضطراب، و البحث عن كيفية الاستفادة من هذه الفترة، أو -لا سامح الله – التفكير في كيفية تضييع هذا الوقت العزيز الذي هو محسوب علينا دائما، ونحن مسؤولون عنه يوم القيامة، ولذلك فإن العائلة الموفقة و الرشيدة، و الإنسان الموفق الرشيد  هو الذي يبحث في كيفية تشييد نفسه، و ملء فراغه في هذه الفترة بل في كل الفترات، حتى يكون موفقا، وحتى يكون نافعا، وسعيدا في الدنيا و الآخرة – بإذن الله تعالى – فالوقت من أعظم نعم الله سبحانه و تعالى علينا، و الوقت هو العمر ، و الوقت هو الحياة ، والوقت نحن نسأل عنه و عن كل دقيقة و ثانية، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:« لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ »    

هذه الأسئلة الأربع هي الأسئلة الأساسية التي يسأل عنها الإنسان أمام الله سبحانه و تعالى يوم القيامة، و يقال أيضا إن هذه الأسئلة هي التي يُسأل عنها العبد بعد السؤال عن الله سبحانه و تعالى، وعن إسلامه، وغير ذلك في القبر تأتي هذه الأسئلة الأربعة، فمن وفقه الله سبحانه و تعالى للإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة الأربعة فقد فاز فوزا عظيما.

يجب علينا قبل أن نصل إلى هذه المرحلة؛ لأننا إذا متنا ليس هناك عودة للدنيا، و إذا دخلنا في هذه المرحلة سوف تستمر معنا المرحلة بعد القبر، و الحياة البرزخية إلى يوم الحشر و المثول، و إلى يوم الحساب و حينئذ يكون هناك فريق في الجنة، و فريق في السعير – و العياذ بالله تعالى -، ومن هنا فواجب الإنسان المسلم الرشيد العاقل الحكيم، أن يحقق السعادة لنفسه و لأولاده و لأسرته، و ذلك من خلال التخطيط لملء الفراغ ، و الفراغ نعمة يقول الرسول صلى الله عليه و سلم – في حديث صحيح -:«  نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ »، لماذا مغبون فيهما ؟ ولماذا هو خاسر و متضرر؟ حينما لا يستعمل صحته فيما ينفعه في الدنيا و الآخرة، فأصبح عبئا على نفسه و على الآخرين، و الفراغ أيضا فحينما يجد الإنسان فراغا من الوقت، و لا يملؤه بما فيه الخير في دينه و دنياه، فنحن أيها الإخوة الأحبة – و الحمد لله – في الإسلام ليس عندنا فرق و تمييز جوهري بين الدين والدنيا، أنت تعمل في الدنيا ما دمت تعمل الأعمال الصالحة يكتب لك الأجر في الآخرة، أنت تخدم الناس و الله  -سبحانه و تعالى – يعطيك الأجر عليه، إنك تنفع الناس و الله – سبحانه و تعالى – يعطيك الأجر العظيم " وخير الناس من ينفع الناس "، لذلك أيها الإخوة الأحبة هذه النعمة العظيمة التي صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه مغبون فيهما – نعمة الفراغ و نعمة الصحة – كثير من الناس، فيجب أن نستفيد  من هذه النعمة العظمى، و النعمة العظمى يجب عليها الشكر، وشكر كل نعمة  – أيها الإخوة الأحبة -، استعمالها فيما خلقت له، وليس مجرد الحمد لله  بالقول فقط، نعم هذا شيء طيب و مطلوب لكن ما يريده الله – سبحانه و تعالى – من هذه النعمة استعمالها فيما خُلقت له، وهي استعمالها – بالنسبة للفراغ و الصحة – فيما ينفعك، و ينفع عائلتك، و مجتمعك، و لذلك يجب على الإنسان المسلم أن يحقق هذه النعمة بشكرها و استعمالها، وقد بين الله  -سبحانه و تعالى- ذلك في سورة الانشراح، انشراح صدر الرسول صلى الله عليه و سلم، و خطاب الرسول صلى الله عليه و سلم خطاب لأمته، من أهم أسباب الانشراح ، هو أنك تستعمل فراغك من خلال تخطيط مرحليٍّ و استراتيجيٍّ،  بنص القرآن الكريم قال تعالى:﴿  فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ الانشراح:7-8 ، أي أنك حين تبدأ بالعمل لابد أن تفرغ منه بإتقان؛ لأن كلمة إذا في اللغة العربية للتحقيق؛ أي لابد أن تحقق الفراغ، و لا يكون مثلك كمثل من يأخذ عملا فلا ينتهي منه و ينتقل إلى عمل آخر، فيصبح أمامه مجموعة من الأعمال لم يفرغ من واحد منها، هنا يكون شقيا، وحتى من جانب علم النفس حينما تتكاثر الأعمال و هي ناقصة يحس الإنسان بالكآبة و الملل، فالله – سبحانه و تعالى – أرشدنا أننا نكمل أعمالنا، و إذا كانت الأعمال كبيرة أو ضخمة تقسمها إلى أقسام بحيث تفرغ من كل جزء في كل يوم، و حينما تعود إلى البيت تحس بالسعادة، و أنك أنجزت عملا ، و الأفضل أنك تقسمه إلى سويعات، فإذا لم تستطع فعلى الأقل إلى كل يوم يقول ابن مسعود – رضي الله عنه – هذا الصحابي الجليل الذي وصفه الرسول صلى الله عليه و سلم أن  قدمه تعدل الدنيا و ما فيها، حينما أراد بعض الكفار أن يلمزه و يسخر منه ، هذا الصحابي الجليل يقول : " والله ما ندمت على شيء ندمي على يوم نقص فيه أجلي و لم يزدد فيه عملي " الله أكبر ، ماذا نقول نحن ؟! فنحن نقول دائما رمضان ينتهي ، فنحن الذين ننتهي فالشهور باقية و كل الأوقات باقية إلى ما شاء الله تعالى، الأزمان باقية و الساعات باقية نحن الذين تنتهي أعمالنا و تنتقص أعمارنا، فلذلك هذا الكلام الذي يكتب بماء الذهب " والله ما ندمت على شيء ندمي على يوم نقص فيه أجلي و لم يزدد فيه عملي " سبحان الله !! فماذا نقول نحن حينما نضيع الوقت اليوم ، والشهر، والأسبوع، … يسجل علينا أن الأجل قد ذهب منه يوم، يومين ، ….إلخ، ثم بعد ذلك نشغل هذه الأوقات بدون عمل أو – لا سامح الله تعالى – في المعاصي و الشهوات، فالله أكبر!! كيف يكون حال هؤلاء إذا وصلوا إلى هذه المرحلة فلذلك – إخوتي الكرام – الله  تعالى يقول :﴿ فإذا فرغت ﴾، فأنت مسلم  جادٌّ لا تعرف الهزل إلا فيما يحقق في بعض الأحيان أنك ترتاح، إنك جادٌّ أصلا كما قال الشاعر:

                      [ الجد شيمته و فيه الفكاهة   طورا فلا جد لمن لا يلعبِ ]       

فإذا فرغت ماذا تفعل؟ حسب المنهج القرآني، وحسب ما انتهجه الله – سبحانه و تعالى – لرسوله صلى الله عليه وسلم، بحث تتحقق السعادة و انشراح الصدر، لابد أن يكون لك تفكير و تخطيط ماذا تفعل بعد هذا العمل، و لا تكون مثل ما يفعله كثير من الناس – مع الأسف الشديد – حينما يفرغ من عمل يحك رأسه و يفكر ماذا سأفعل ؟، فهذا ليس رجلا جاد، وليس رجلا سعيدا، و ليس رجلا رشيدا، و ليس رجلا موفقا، الرشيد الموفق هو الذي وضع برنامجا في دفتره أو هاتفه؛ هذا العمل بعد هذا العمل الثاني وهكذا، وقوله تعالى:﴿فانصب﴾، يقتضي التكرار و التشديد، على هذه الاستراتيجية على أقل تقدير لمدة سنة، و المطلوب هو خطة عامة على أقل تقدير خمسة أو عشر سنوات، ثم تجزؤها إلى عدة مراحل، ﴿فانصب﴾ أي كن مستعدا للبدء في العمل الثاني و الثالث و الرابع …إلخ، هذا ما يريده الله – سبحانه و تعالى – لنا، و الرسول صلى الله عليه و سلم طبقه، و يجب علينا نحن أيضا أن نطبقه إخوتي الكرام ، مع الأسف الشديد كثير من المفسرين يحصر دائرة هذه السورة، و هذه الآية في قضايا بسيطة جدا، و الحقيقة أنها قضية استراتيجية، توجيه للرسول صلى الله عليه و سلم لقيادة الأمة، وقيادة الأمة لا يمكن أن تتحقق بالفوضى، و إنما تتحقق بالعلم، و العمل، و التفكير، و التخطيط   الله -سبحانه و تعالى – علمنا أن نفكر في آخرتنا في يوم القيامة، فكيف نحن ندع دنيانا و هي مزرعة الآخرة، فلذلك هذا الفراغ الذي هو نعمة يجب أن يملئ بهذا التخطيط الاستراتيجي ثم بعد ذلك أيها الإخوة الأحبة فترة الصيف كما قلنا و أشرنا إليه، من أخطر الفترات ، و هذا  الأمر معروف عند مراكز الشرطة، و النيابة، و كل وسائل التوجيه، أن هذه الفترة تقع فيها معظم الأحداث و المشاكل، و معظم الأطفال، أو المراهقين، أو الشباب يقعون في الجرائم و يتعلمون المخدرات و التدخين، و الخمور، و الفساد، و الفواحش، في فترة الصيف :

    [ إن الشباب و الفراغ و الجدة            مفسدة للمرء أي مفسدة]         

و الجدة أي الغنى، إذا ما قمنا بواجبنا  نحن أولياء الأمور الآباء و الأمهات، و الإخوة الكبار  و الدولة أيضا كلنا مسؤولون، فلذلك هذا الوقت أيها الإخوة الأحبة يجب أن يملئ ببرنامج ، أنا لا أقول برنامج يكون كله جد أبدا ، كما قلت :

                       [ الجد شيمته و فيه الفكاهة   طورا فلا جد لمن لا يلعبِ ]

و الاستجمام مطلوب، و ليس ممنوعا شرعا بل مقبول و مطلوب، كما يدل على ذلك حديث صحيح يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم   قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه  قال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة ! قال: سبحان الله ما تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله   صلى الله عليه وسلم  يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم عافسنا الأزواج و الأولاد و الضيعات نسينا كثيرا، قال أبو بكر رضي الله عنه  فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله   صلى الله عليه و سلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «و ما ذاك؟ » قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة » ، فالإنسان لا شك أنه يجد في العبادة ، و ساعات أخرى للعمل، و ساعات أخرى للراحة و الاستجمام، و لكن يجب أن يكون كل ذلك بالتخطيط، كم أعمل و كم أرتاح …إلخ ، و لا تكون هذه الراحة فيما يغضب الله – سبحانه و تعالى – و نحن نستطيع أيها الإخوة الكرام أن نستفيد، و أن نستثمر فترة الصيف، من يبقى في البلد – ما شاء الله – هناك مراكز للعلم و الرياضة، و كذلك تعلم اللغات، و تعلم بعض الأمور التدبيرية البيتية للبنات، إخوتي الكرام بعض المشاكل، و قد تأتيني أخبار عنها – بالنسبة للزوج و الزوجة – و خاصة في الخليج و من يعيش هنا بعضهم يتعود على الكسل – للأسف الشديد – فتحتاج إلى الشغالة فلا تستطيع حتى ترتيب بيتها أو تقديم الأكل لزوجها،  و تحدث من جراء ذلك مشاكل ، فمعظم المشاكل التي تأتيني من عند أصحابها، و هم عدد لا يستهان به، معظمها مشاكل من هذا النوع، أي غير مهتمة ببيتها و نحو ذلك، و الزوجة أيضا تشتكي من زوجها و هكذا، فلماذا لا تتعلم المرأة أمور بيتها في وقت الفراغ ، و كذلك الرجل يستغل فراغه مع أهله و زوجته لتعليمهم ما ينفعهم جميعا، فالأصل أن المرأة هي التي تقوم بأمور بيتها على الأقل في وقت الضرورة عندما لا توجد شغالة، و أيضا فالإنسان لا يجد اللذة و السرور في طعام الشغالة مثل ما هو موجود عند زوجته أو أخته أو غير ذلك من أهله، أيها الإخوة الكرام عندنا فترة الصيف لابد أن نستفيد منها، فالأسرة مهمة جدا كيف نجعلها متماسكة، و هناك – حقيقة – قضايا كثيرة جدا حول فترة الصيف و الفراغ لا يسع المجال لذكرها، ولكن أوصيكم بوضع برنامج عملي لفراغكم، و لعملكم، و لصيفكم، و لأنفسكم، و لأهلكم ، و لتكن هذه الآية الكريمة شعاركم   ﴿  فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾، أي لابد أن أفرغ من العمل، و يكون أمامي أعمال جاهزة، فأكون على بصيرة و شفافية، جربوا هذا ستسعدون إنشاء الله في الدنيا و الآخرة.