ألقى أ. د. علي القره داغي – الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – اليوم الخميس الموافق 15 أكتوبر 2015م كلمة رئيسية في مؤتمر “فقه التجارة الإسلامية ومشاكلها الحديثة” الدولي الثاني ، والمنعقد في مدينة “قونيا” التركية في الفترة من 15 إلى 18 أكتوبر 2015م . وجاءت الكلمة على النحو التالي :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
اصحاب الفضيلة، والسماحة، والسعادة، الحضور الكرام.
أحييكم بتحية من عند الله مباركة طيبة، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
يشرفني أن أقف أمامكم لألقي كلمة الضيوف الكرام الذين جاؤوا من كل حدب وصوب لحضور هذا المؤتمر العظيم، وفي هذا البلد الروحاني المبارك، بلد الجلال والجمال، بلد الإمام الزاهد والشاعر جلال الدين الرومي (رحمه الله) الذي كان فيضا تحدر من فيض الأخلاق النبوية والحب الإلهي، إذ يقول:” قلت أريد وصل الله فقيل: ثمن الوصال ما هو إلا روحك، فهتف قلبي: ربح البيع إذن”.
وقونيا ايضاً بلد الجلال والعزة، إذ هو عاصمة السلاجقة الذين قدموا خدمات جليلة للإسلام والمسلمين.
ايها الإخوة الكرام:
لي في هذا المقام أربع رسائل معتصرة مختصرة:
أولاها رسالة الشكر والتقدير والثناء لتركيا، شعباً، ورئيساً، وحكومة، على مواقفهم المشرفة تجاه قضايا أمتهم، تجاه القضايا الإنسانية جمعاء في فلسطين، وسوريا والشام، ومصر والعراق، واليمن، والصومال وميانمار، وغيرها، فهذه المواقف المبدئية ندرت في عصرنا الحاضر، بل طغت عليها المبادئ الميكافيلية الضيقة، وكلها مواقف عظيمة تتفق عليها جميع الشرائع السماوية، والفطر السليمة.
كما لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقدم الشكر الجزيل باسمكم ايضا لمنظمي هذا المؤتمر، على جهودهم الطيبة، وحسن الوفادة والاستقبال، ولكل الباحثين، والمشاركين، فجزاهم الله خيراً.
رسالتي الثانية حول هذا المؤتمر الذي عقد مؤتمره الأول في هذا البلد الطيب عام 1996م، وشارك فيه نخبة من العلماء والسياسيين والمفكرين، فتوفي بعضهم، فنترحم عليهم، وندعو لمن بقي بالبركة في العمر.
والذي أود أن أعلق عليه – وأنا كنت ممن حضر – في الفرق بين المؤتمر الأول عام 1996م والمؤتمر الثاني 2015 م هو أن تركيا تغيرت نحو الأحسن في جميع المجالات، فمن محاربة مظاهر التدين إلى الحرية الكاملة، ومن اقتصاد ضعيف إلى اقتصاد قوي، تأتي تركيا اليوم في المرتبة الحادية عشرة من بين اقتصاديات العالم، ومن دولة مدينة إلى دولة دائنة، ومن دخل ضعيف إلى دخل طيب، ومن دولة معتمدة على الصناعات الأجنبية إلى دولة صانعة ومصدرة، ولها كفايتها الذاتية بل تصدر إلى العالم.
ولذلك تحارب تركيا اليوم من أجل هذه النجاحات، لأن أعداءنا لا يريدون دولة ناجحة، ولا مشروعاً ناجحاً، وإنما يريدون لنا التبعية في كل شئ (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) }البقرة 120{، ولم يقل: حتى تدخل دينهم، لأنهم يريدون التبعية لهم في ثقافتهم واقتصادهم وصناعتهم، ولذلك شيطنوا جميع من يخدم العباد والبلاد.
لذلك أوجه ندائي إلى المسلمين في العالم وفي تركيا أن ينتبهوا إلى هذه المؤامرة الكبرى الشاملة التي تطبق في بلاد الإسلام والمسلمين، فلا يجوز أن ننخدع فقد قال عمر رضي الله عنه (لست خبا ولا الخب يخدعني) .
الرسالة الثالثة إلى أمتنا الإسلامية حول عودتها إلى هويتها، حيث إن الهوية لن تتكامل في ظل عدم إلتزامها بقوانينها وأنظمتها المنبثقة من ديننا العظيم، وبخاصة قد اثبتت التجارب طوال قرنين من الزمن أن النظام الرأسمالي يعاني من أزمته الإقتصادية والمالية والتجارية التي بدأت منذ عام 2008م كما أن النظام الشيوعي الاقتصادي قد انهار تماماً مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م فلم يبقى إلا اللجوء إلى الاقتصادي الإسلامي الذي يجب علينا نحن المسلمين أن نقدمه إلى العالم أجمع كشفاء وحل شامل.
الرسالة الأخيرة إلى مؤسساتنا المالية الإسلامية وبخاصة البنوك الإسلامية حيث انتشرت في العالم واصبح لها قبول عالمي ولاسيما بعد الأزمة الأخيرة فنوجه إليها ما يلي:
النصيحة الأولى: أن سبب انتشارها هو مرجعيتها الإسلامية المعتمدة على الاقتصاد العيني والخدمي النافع ولذلك فإن مصداقية هذه المؤسسات مرتبطة بمدى إلتزامها الكامل بأحكام الشريعة، ومبادئها ومقاصدها، فأي انحراف من جادتها ستكون له آثار خطيرة وكارثة عليها.
النصيحة الثانية: إن من سنن الله تعالى سنة التقدم الدائم، هو عدم التوقف عند حد معين، فقال تعالى ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) ولم يقل رب العالمين (… أو يتوقف) لأن التوقف هو عين التأخر، وقال الله تعالى في بيان سنة امتحان أمتنا مع بقية الأمم بأنه يكون بأحسن الأعمال، وبالإبداع المستمر، والتقدم المطرد، فقال تعالى ( .. ليبلوكم ايكم أحسن عملاً)
ولذلك يجب أن يكون توجه المؤسسات المالية الإسلامية نحو الاقتصاد الحقيقي، والتطوير المستمر لما لديها من العقود، والحرص الشديد، على الابداع في المنتجات المالية، ومن الخروج من مرحلة البدائل عن المنتجات الربوية إلى المنتجات الإسلامية حقا، فلا يجوز ولا يليق بعد اربعين سنة من إنشاء البنك الإسلامي الأول أن ندور في دائرة البدائل فقط، ونلف حول حلقة مفرغة، بل يجب علينا أن ننوع كيفية الادخار والتمويل والاستثمار، والانتاج والتبادل.
وفي الختام أكرر شكري لكم جميعاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته