فضيلة الشيخ الدكتور علي القره داغي – الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس المؤتمر العالمي لميثاق الأسرة – يلقي كلمته أمام الحضور بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر .
كلمة رئيس المؤتمر جاءت كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على النبي رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أصحاب وصاحبات الفضيلة والسعادة
يشرفني أن أرحب بكم أجمل ترحيب، وأن أبلغكم تحيات الشيخ يوسف القرضاوي ونوابه، وأعضاء مجلس الأمناء، وأن أحييكم بتحية الإسلام، وتحية الله في الجنة، تحية مباركة طيبة، فسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته..
أصحاب الفضيلة:
أخوتي وأخواتي الكرام:
لي في هذا المقام وبهذه المناسبة المباركة كلمات أو رسائل موجزة:
أولها: هي رسالة الشكر والتقدير والثناء والدعاء لكل من ساهم في إعداد مشروع الميثاق، بدءاً من الأخوات الفاضلات اللاتي عملن مع المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، إلى نخبة المرأة والأسرة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولجميع الباحثين والباحثات في هذا المؤتمر ولكل من تجسم عناء السفر.
وشكرنا وتقديرنا وثناؤنا موصول إلى إتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي ولرئيسه الحبيب الأستاذ علي كورت وفريق عمله المتميز، فهم شركاء حقيقيون معنا، والمشروع مشروعنا جميعاً، ولا ننسى جهود اللجنة المنظمة برئاسة أخي الحبيب أ.د عبد المجيد النجار، وإدارتنا التنفيذية في الدوحة.
ولا يمكن أن أنسى هذا البلد الحبيب تركيا، التي أصبجت قبلة للمظلومين، ومحضنا للمؤتمرات والندوات، وبخاصة إسطنبول، بلد الجمال والجلال.
نتقدم شكرنا باسمكم جميعاً إلى هذا الشعب الطيب، ورئاسته المتمثلة في الرئيس الموفق الأستاذ رجب طيب أردوغان حفظه الله، وحكومته الرشيدة المتمثلة في الأستاذ أحمد داود أوغلو، فندعو الله تعالى أن يحفظ هذا البلد آمناً، مستقراً، ويزداد إزدهاراً، وقوة، ومناعة.
والشكر موصول إلى وسائل الإعلام المرئية والمسوعة والمقروءة التي يشارك معنا، فنقول لكل هؤلاء شكراً جزيلاً، وجزاكم الله خيراً.
ثانياً: حول مشروع هذا الميثاق، فكما لا يخفى على حضراتكم أهمية الأسرة في الإسلام، حيث هي المكونة الأولى، واللبنة الأساسية، وأنها بمثابة القلب من جسد الأمة إذا صلحت، وتطورت، وتقدمت، وتحضرت، فقد صَلحت الأمة، وأن الشريان النابض لهذا القلب (أي الأسرة) هي المرأة، وبالتالي فإذا أردنا أن نصلح الأمة ونطورها فما علينا إلا البدء بتكوين الأسرة السليمة، القوية، العالمية، والواعية والهادية، والهادئة، الصادقة، وأن مفتاحها بيد المرأة، وإن كان للرجل درجة الإشراف العام.
ولهذه الأهمية أولى الإسلام كل هذه العناية المعروفة لدى حضراتكم بالأسرة، للسبب نفسه يحاول الأعداء والجهلة تحطم الأسرة وتفكيكها، أو إضعافها من خلال الاختلال بتوازنها، سواء أكان هذا الاختلال عن طريق دور المرأة، أو دور الرجل، فكلاهما شر، وإفراط، وتفريط.
ولا توجد قضية على مرّ التاريخ تعرضت للإفراط والتفريط مثل قضية المرأة، فلو قرأنا الحضارات السابقة لوجدنا فيها خللاً كبيراً في النظرة والتعامل مع المرأة إفراطاً وتفريطاً، فلا يخفى على حضراتكم مواقف الحضارات الرومانية والإغريقية، حتى الفلاسفة الإغريق، واليونان، والحضارة الساسانية، والهندية، والجاهليين العرب.
فجاء الإسلام في ظل هذا الكم الهائل من التراكمات الجاهلية، وترسبات الحضارات السابقة، والتي كان معظمها تفريطاً لحقوق المرأة، وهضماً لها، وتنقيصاً من كرامتها وأوصافاً خطيرة وضعوا لها المرأة.
لذلك إتجه القران الكريم بتصحيح هذه المفاهيم، وإذابة هذا الجليد السميك من خلال تصحيح المفاهيم، ومن خلال اثبات المرأة هي الشق الثاني للرجل (الزوج)، وأنها هي الأصل المكمل لأصل الرجل، فالجميع يرجع إلى آدم و حواء، وهما من جنس واحد.
إذن كيف يمكن ان يكون نصف جنس سيئاً، و نصف الاخر طيباً، وهذا الأسلوب غير المباشر تكرر في القران الكريم لإثبات هذا الأصل، ولتصحيح هذا الفهم المغلوط وكذلك تصحيح المفاهيم حول إتهام المرأة بأنها السبب في خروج آدم (عليه السلام) من الجنة، وأنها السبب في الخطيـئة الأولى، كما عبر عن ذلك العهد القديم والعهد الجديد، وإذ بالقرآن في عدد كبير من الآيات تثبت الخطيئة إليهما معاً، ثم تثبت الخطيئة أن آدم هو الذي عصى، فتثبت إليه الخطيـئة وحده فقال تعالى (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)
وهكذا القران يصحح المفاهيم أولاً بأول، ليصل إلى اثبات الحقوق المتكاملة، ولتحقيق المساواة العادلة، القائمة على التوازن، والتكامل الذي عليه جميع خلقه الموزون.
إن العقلاء الحكماء من المسلمين ومن غيرهم لو عادوا إلى فطرتهم السليمة لما أمكنهم إلا القبول بهذا التوازن العادل، القائم على المساواة العادلة، وليست المساواة المطلقة، لأنه من المعلوم عقلاً، وحساً، وفطرةً، أنه “ليس الذكر كالأنثى” وليست الأنثى كالذكر، وإنما هناك فضائل مشتركة وفي ضوء تكون الحقوق عادلة .
وفي عصرنا الحاضر إزدادت قضية المرأة إثارة، وإفراطاً، وتفريطاً، ففي عالمنا الإسلامي إختلطت التقاليد والأعراف بمبادئ الدين وأحكامه، والتبست الاجتهادات الفقهية المناسبة لعصرها مع مبادئ الشريعة ومقاصدها العامة، فوجد ظلم وحيف بحق المرأة في بعض الأحيان، ولذلك طلب الرسول صلى الله عليه وسلم التجديد لهذا الدين، وذلك بحذف ما أدخل في الدين مما ليس فيه، أو ليس من صميمها (إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) حيث لم يقل (دين الإسلام) وإنما قال (دينها) أي ما دانت له الأمة وأدخلته في الدين وليس منه قطعاً، كالبدع المحرمات، أو منه إجتهاداً قابلاً للتغيير، فلا يجوز حصر الدين فيه. وفي القرن حدثت انقلاب على الفكر الديني منذ الثورة الأوروبية ضد تدخل الكنيسة، وأطلقت الحرية، وعملت الصهاينة والعلمانية لتفكيك اوروبا، فوصلت إلى ما وصلت إليه من الانقلاب على الفطرة مثل الشذوذ الجنسي، وما سمى الله تعالى يتغيير خلق الذي فسرّه ابن عباس وغيره بتغيير الفطرة السليمة والدين الحنيف.
وأمام هذه الأوضاع تقع علينا المسؤولية الكبرى أمام أمتنا وديننا، بل أمام الإنسانية لإنقاذها من هذه المشكلة الكبرى ومن هذه التحديات المقصودة.
وكلمتى الثالثة حول الميثاق الذي هو منبثق من الجهود السابقة – كما أشرت عليها – ومن جهود إخواننا الباحثين والباحثات، وجهود هذا المؤتمر وكل أملنا أن نصل إلى مشروع ميثاق يجمع الأمة الإسلامية (بل الإنسانية) حول موضوع الأسرة ، والمرأة، ليكون موازياً لإتفاقية سيداو بحيث تعتمده الدول الإسلامية، بل الدول التي تريد الحفاظ على تماسك الأسرة وقوتها، ولذلك راعينا في مشروع الميثاق أن يكون عاماً محافظاً على التواريث الأساسية للأسرة في الإسلام مبتعداً عن التفاصيل الخلافية.
وأملنا بالله تعالى بعد موافقة المؤتمر على هذا الميثاق تُدخل فيه الملاحظات الجوهرية، ثم نطبعه، ثم نرسله إلى الجهات المسؤولة عن الشريعة والأسرة في البلاد الإسلامية، ثم نطبعه باللغات العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية، ثم نسلمه إلى فخامة الرئيس الأستاذ رجب طيب أردوغان باعتباره يكون رئيساً لقمة منظمة التعاون الإسلامي القادمة، وإن شاء الله سيكون إقرار هذا الميثاق في منظمة التعاون الإسلامي ثم وضعه في الأمم المتحدة من أهم أعماله.
كل هذه الخطوات سيتخذها بالتعاون مع جميع المنظمات المهتمة بالموضوع، وعلى رأسها اتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي.
وأولاً وأخيراً على الله تعالى نتوكل، وإليه نتضرع أن يكتب لنا جميعاً التوفيق والسداد والرشاد، ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا شردا) آمين