بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه 

لقد مرت على الأمة أزمات كبيرة، ومؤامرات كادت أن تزول قوتها وهولها الجبال، كما كانت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب التي وصفها الله تعالى بقول ( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا).

أما في العهود اللاحقة مثل الحروب الصليبية التي احتلت فيها فلسطين ومعظم الشام وتاونت معها الدولة العبيدية التي سمت نفسها بالدولة الفاطمية في مصر  والمغرب الإسلامي، والدولة البويهية الشيعية كانت مسيطرة على معظم أراضي العراق وإيران والباطنية التي تشبه داعش في الاغتيالات كانت في أقصى الشرق، ومع ذلك خرجت الأمة قوية من خلال جهود العلماء والمدارس النظامية والإصلاحية التي خرجت جيلاً من العلماء والمجاهدين أمثال القاضي الفاضل، والهكاري، وابن شداد الذين التفوا حول قادة علماء مجاهدين أمثال عماد الدين، ونورالدين الزنكي، وصلاح الدين الأيوبي فانطلقوا من توحيد البلاد إلى تحريرها، ومن العلم والمدارس والاجتهاد الى الدفاع والجهاد .

ثم جاءت الأزمة الكبرى المتمثلة بغزو المغول والتتار الذين عاثوا في الأرض فساداً ودمروا الحضارة الإسلامية، ولكنه بعد عامين فقط من غزو بغداد تصدى لهم جيش مصر  والشام بقيادة قطز  تحت شعار  "واإسلاماه" ثم عادت القوة إلى الإسلام من خلال ظهور العثمانيين الذين خدموا الإسلام وأقاموا الحضارة الإسلامية وحموها حوالي ستة قرون، ووصلوا إلى حصار "فيانّا" عاصمة النمسا، ليصلوا إلى الأندلس المفقود، ولكن خيانة الصفويين بإعلان الحرب ضدهم، واحتلال بغداد حالت دون إكمال مهمتهم، فعادوا إلى لشرق للدفاع عن هل السنة والجماعة، وانضم إليهم العراق والشام ومصر، ثم تونس وليبيا، وأصبحت للإسلام قوة عظمى.

ثم عادت الكرة مرة أخرى واشتدت المؤامرات الغربية وروسيا القيصرية ولكن تم تنفيذها بأيدي المسلمين، كما قال تعالى ( قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) فأسقطت الخلافة من خلال فتيل القومية والصراع بين ما سمي بالثورة العربية الكبرى التي كان وراءها الإنكليز  وفرنسا، والقومية الطورانية المتشددة التي كانت تغذيها الصهاينة.

وكان أعداء الإسلام يظنون أنهم بذلك قد قضوا على الإسلام الكامل الشمولي للحياة كلها، فاستعانوا ببعض من ينتمي إلى العلم والأزهر ليؤصل لهم تاصيلاً شرعياً أنه لا سياسة ولا حكم ولا جهاد في الإسلام، ليصبح الإسلام مثل الديانة المنسوبة الى سيدنا المسيح، وليعطوا له مكاناً أكبر من الفاتكان.

إذن فالصراع يعود إلى محاولة ضرب الإسلام في كماله وكونه منهج حياة الذي هو أكبر نعمة امتن الله بها فقال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

ولكن تصدى لهذه المؤامرة الكبرى علماء ربانيون ومفكرون مخلصون مجددون في معظم البلاد أمثال المودودي والندوي، وجامعات دار العلوم ونحوها في شبه القارة الهندية، كما تصدى لها في تركيا الشيخ سعيد النورسي، وسعيد بيراني وتصدى لها في مصر الأستاذ حسن البنا وغيرهم من العلماء الربانيين بمنهج متكامل، ركزوا على دحض مَكْمن المؤامرة وجعلوا شعارهم الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.

أصحاب الفضيلة والسماحة

كما هو مبين ومعلوم فإن أهداف الحرب لم تتغير منذ غزوة الأحزاب والصليبيين، والمغول والتتر، ثم الاحتلال الأخير، وهي القضاء على الإسلام الشامل الكامل، والتمكن من خيرات البلاد الإسلامية، فهي حرب شاملة؛ دينية واقتصادية واجتماعية، ولكن أدواتها تغيرت وتطورت، فاذا كانت الأداة الكبرى في إسقاط الخلافة العثمانية الأفكار القومة والعلمانية فإن الأدوات اليوم شاملة للعلمانية والباطنية وبعض الاحزاب والجماعات الإسلامية والمرجعيات الرسمية في بعض الدول، فاليوم يراد ضرب الإسلام الحقيقي بمن ينتسب إلى الإسلام سواء استُغل مباشرة أم لا، مثل داعش والقاعدة اللتين تسببتا في إيذاء شديد وتدمير كبير للمسلمين وتشويه كبير لصورة الإسلام الحقيقية في الغرب والشرق، وقد ازدادت مصيبتنا أكبر حين أنفقت بعض الدول العربية المليارات من أموال المسلمين وسخرت كل طاقاتها لضرب الإسلام وحركاته التجديدية الشاملة، ولإبعاد العنصرين المهمين عنه، وهما السياسة والجهاد اللذين بهما يكون الإسلام مؤثراً وفاعلاً في المجتمع ونظام حياة وحامياً ومدافعاً عن الأمة ومحققاً عزتها وكرامتها.

فعلماء الأمة الربانيون اليوم أمام واجبين عظيمين وفريضتين كبيرتين شرعيتين اللتين تعدان أيضاً من ضرورات بقائنا أمة واحدة قوية عزيزة فاعلة لا مفعولاً بها، وهما:

الواجب الأول: ترتيب البيت الإسلامي من الداخل، وذلك بجمع كل من يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة من جميع المسلمين الذين يؤمنون بالكتاب والسنة، ويجعلونهما مرجعية لهم مع احترام جميع الأئمة الثقات للتطوير والتجديد، ما عدا الفرق المنحرفة القائمة على العنف المسلح، والتكفير للمسلمين، أو على الخرافات والبدع في العقيدة والشعائر.

فواجبنا الأول أن نسعى بكل جهودنا لجمعهم على كلمة سواء، وهي كلمة الإسلام التي تجعلنا جميعاً ــــ حتى في حال القتال ـــــ إخوة{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }، فنجتمع على هذه الأخوة الإيمانية ومقتضياتها وحقوقها، بعيداً عن التجاذبات الحزبية والفئوية والتعصب المقيت، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بوضع وثيقة يتفق فيه العلماء على ثوابت الدين وكلياته العامة، ومقاصده الكبرى، وهذا ما يقدمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالاتفاق مع ممثلي الروابط والجمعيات الخاصة بالعلماء في مختلف أقطار الأرض.

وبفضل الله تعالى تم وضع هذه الوثيقة الحاسمة الشاملة للثوابت، وتمت مناقشتها، ثم إقرارها من قبل الحاضرين.

الواجب الثاني: واجب كشف سبل المفسدين وفضح طرق الملاحدة المجرمين وأعداء الإسلام والمسلمين، وتبيان وسائل المتطرفين والغالين في الدين، الذين أعطوا صورة سيئة ومشوهة للإسلام والمسلمين ما كان أعداء الإسلام ليصلوا إليها، حتى لو بذلوا في سبيل ذلك الغالي والثمين، و كذلك كشف زيف الذين يحاولون هدم الدين تحت التفسيرات التأريخية والعنصرية، أو باسم المصالح والمقاصد الزائفة، فيحرمون النصوص، بالإضافة إلى كل من ينال من الإسلام تحت الأسماء الجديدة، مثل: القرآنيين، ولكنهم يبعدون عن القرآن مُبينَه، وهو السنة، أو الذين يقفون عند ظاهر النصوص" الظاهرية الجدد" دون رعاية للمقاصد وفقه المآلات، والموازنات، وفقه الميزان والأدوات، وفقه التنزيل وتحقيق المناط.

أصحاب الفضيلة والسعادة والسماحة

لا يخفى على شريف علمكم مسؤوليتكم العظيمة التي ترتبت على حمل أمانة الإسلام وأمانة العلم الشرعي، فالعلماء ورثة الأنبياء، وهم ورثة لهم في كل شيء يتعلق بالدين وتبليغه، والدعوة إليه، والحفاظ على ثوابته ونصوصه وحمايتها من التحريف، فقال صلى الله عليه وسلم: " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال الحافظ السفاريني في القول العلي( 227): حديث صحيح، وقال الألباني في تخريج مشكاة المصابيح( 239) : مرسل، لكن روي من طريق جماعة من الصحابة،و صحح بعض طرقه الحافظ العلائي.

كما أن واجب العلماء هو القدوة في النصح الخالص لله تعالى البعيد عن الحزبية والجهوية، والقدوة أيضاً في التضحية والفداء، فالعلماء هم أمناء على هذا الدين، وشهداء مع الله تعالى ومع الملائكة بالتوحيد الخالص والعدل المطلق، كما أنهم شهداء على أمتهم، فقال تعالى:{   شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}.

أصحاب الفضيلة

نحن جميعاً نعلم بأن الله تعالى هو الذي تكفل بحفظ هذا الدين، فهو محفوظ لن يستطيع أحد أن ينال منه، فقال تعالى:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، كما أن الله تعالى وعد بتمكينه في الأرض كلها، فقال تعالى:{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وقال تعالى:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا  يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا  وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

نَعْم الدين محفوظ ، والطغاة وأعداء الإسلام زائلون{  إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }، ولكن، فليكن لنا نحن العلماء، بل جميع المسلمين شرف المشاركة في الدفاع عن الإسلام ونشره، كما قال العالم الرباني مستشار السلطان ألب أرسلانلما تردد في مواجهة رومانوس الذي جاء بجيش كبير :" إن قافلة الدعوة والجهاد تسير بك وبغيرك، فليكن لك شرف المشاركة فيها، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح".

فنحن جميعاً نرجو أن يكون الله قد كتب لهذا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي هو لجميع المسلمين، وليس لفئة أو دولة أو حزب ـــ كتب الله له ولنا جميعاً هذا الشرف العظيم.

بالإضافة إلى بيان الدين والدفاع عنه فإن واجب العلماء أن يقفوا بكل ما لديهم مع قضايا الأمة التي على رأسها قضية فلسطين والقدس الشريف والأقصى، بأن نبذل الغالي والنفيس في سبيل تحريرها، وكذلك أن نقف مع قضايا المظلومين والمسجونين في سجون الاحتلال والطغاة والظلمة، ولا سيما هؤلاء العلماء من أعضاء الاتحاد، والمفكرون والصحفيون والدعاة الذين سجنوا ظلماً وعدواناً، وأن نقف مع الإصلاح والمصالحة الشاملة، ومع شعوبنا المضطهدة في فلسطين، ووريا، ومصر، والعراق، واليمن، وبنغلادش، وليبيا، ومينامار، وغيرها.

فتلك مسؤوليتنا أمام الله تعالى، ثم أمام أمتنا، وذلك واجبنا الذي يتحقق فيه شعارنا {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ  وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا}.