المسلمون ليس لهم مقعد واحد بالأمم المتحدة

جاكرتا-الدوحة-الشرق:

استعرض فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي أحوال الأمة الإسلامية ومشاكلها، مشيرا الى الحلول التي يحملها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين للأمة الاسلامية، وأكد فضيلته في الكلمة التي ألقاها أمس في افتتاح مؤتمر الندوة العالمية للشباب الاسلامي التي بدأت فعالياته أمس على ان الاتحاد الذي سوف تكون الدوحة مقرا لامانته العامة يحمل مشروع الأمة الاسلامية للأمة كلها..
وقال فضيلته: يسعدني صدقا ويشرفني حقا أن نلتقي جميعا على هذه الأرض المباركة أرض أندونيسيا الاسلامية أرض القيم والهدوء والفكر الهادف، جزر الخير والأخلاق التي دخلت في الاسلام واعية وحبا للتوحيد وسعادة الدنيا والآخرة..وانه لمبعث الفخر والاعتزاز أن أنقل اليكم تحيات سماحة العلامة شيخنا يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واخوانه في مجلس الأمناء وأعضائه الذين يزيدون على 900 عضو وعشرات الجمعيات والروابط الخاصة بالعلماء التي يقدر عدد علمائها بعشرات الآلاف، والى الشعب الأندونيسي وحكومته أنقل اليكم تحيات هؤلاء العلماء الكرام ودعائهم الخالص بنجاح مؤتمركم العالمي مؤتمر ندوة الشباب الاسلامي العالمي التي نذرت نفسها منذ عدة عقود لخدمة الشباب الاسلامي في كل أنحاء العالم.

ليس للمسلمين مقعد بالأمم المتحدة

وفي عرضه لقضايا الأمة قال القره داغي: لا يخفى على حضراتكم أحوال أمتنا الاسلامية في حالتها السياسية في الداخل والخارج فهي ممزقة في الداخل، مفرقة جهودها، وليس لها مكانة تذكر بين الأمم في الخارج على الرغم من عددها البالغ اليوم مليارا و700 مليون نسمة وامكانياتها الكبيرة من حيث المعادن والبترول والغاز واليورانيوم، ومكانتها الجغرافية الخطيرة الواقعة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وتمكنها من المضائق والممرات المائية والبوابات الاستراتيجية ومع ذلك ليس لنا مقعد واحد دائم في الأمم المتحدة مع أننا اذا قسمنا العالم دينيا فالمسيحية لها أربعة مقاعد، والأديان الشرقية الأرضية لها مقعد واحد وإذا قسمنا من حيث الجغرافيا فإن أوروبا لها ثلاثة مقاعد، وأمريكا لها مقعد والصين لها مقعد في حين أن أفريقيا وكل آسيا المسلمة ليس لهما مقعد بل أكثر من ذلك يعود الينا الاستعمار والاحتلال مع مطلع الألفية الثالثة والقرن الواحد والعشرين في العراق وأفغانستان فكنا نتوقع أن ينصفنا العالم في فلسطين المحتلة من الصهاينة المغتصبين منذ 1948م بدعم وتنفيذ بريطانيا، ومواصلةالدعم العسكري والاقتصادي اللامحدود من أمريكا.

المجاعة تهدد الملايين

وتأسف فضيلته للحالة السياسية قائلا: ليس حال امتنا الاسلامية من الجانب الاجتماعي والاقتصادي أحسن من الحالة السياسية، فالفقر المدقع ينخر في عظام أكثر من 50 % من المسلمين والأمراض المتعددة قد فتكت بالكثيرين، والمجاعة تهدد الملايين مع كل هذه الثروات الهائلة لمجموع الأمة فهذه المصائب بلغت مرحلة أيقظت كل نائم، وأدمت القلوب، وأدمعت العيون من هول ما يصيب أمتنا في فلسطين كلها، والقدس الشريف، وغزة العزة مما يندى له جبين الانسانية، وما يراد لها من خلال الاستيطان والقضاء عليها، وتدمير الاقصى الشريف، وهنا ما حرّك الشباب بعضهم بوعي، والبعض الآخر دون وعي، وانما تحركهم العواطف التي هي ان تجردت عن العقل والحكمة فهي عواصف وقواصف للامة جمعاء، وارتكبت الأخطاء الشنيعة داخل العالم الاسلامي وخارجه، أعطت صورة سيئة لجمال الاسلام ورحمته وخيريته، واستغلها أعداء الاسلام من الصهاينة واليمين المسيحي المتعصب، فحركوا كل أجهزتهم لتشويه صورة الاسلام حتى وصل الأمر الى محاولات حرق القرآن جهارا ونهارا في الخارج، وهجوم أحد رموز الأقباط بمصر على القرآن الكريم، واعتبار جميع المسلمين المصريين ضيوفاً يمكن أن يرحلوا كما أتوا!!.

واجب الاتحاد

وقدم العلاج كمايراه: أمام هذه الأوضاع المزمنة والمصائب والنكبات والأمراض الخطيرة ليس أمامنا إلا العلاج، واعتقد أن العلاج لا يوجد الا لدى أهل العلم والفكر، فذلك هو المفتاح للتعمير والاستخلاف، وهو السبب الظاهري في أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم حينما نجح في امتحان العلم، ولذلك بدأت رسالة آخر الانبياء في أول آية لها بالأمر بالقراءة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” سورة العلق: الآية 1 — 5. وهنا يأتي دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليقوم بهذا الواجب، ولينهض بالأمة نهضتها المنشودة ويحقق لهم ما وعد الله تعالى من الرفعة “يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” سورة المجادلة / الآية 11، بل تصل بهم باذن الله تعالى الى التمكين الذي وعد الله تعالى به “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ* وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” سورة الأنبياء: الآية 105 — 107.

أمة لن تموت

وأكد قبل اختتام كلمته على أن أمتنا لن تموت: إن هذه الأمة لن تموت أبدا لانها صاحبة الرسالة الخالدة، وصاحبة الوعد الصادق الموعود بالتمكين من الأرض كلها — كما سبق — وأنها كلما مرضت كان علاجها لدى أطباء القلوب وهم العلماء الربانيون، وإذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد شبّه المسلمين بالجسد الواحد فإن العلماء والمفكرين بمثابة القلب النابض بالدماء الزكية إلى جميع البدن، وهو الرابط بين الرأس وبقية الأعضاء، وأن أولياء الأمور والحركات السياسية هي بمثابة الرأس في نظري، وأن بقية الأجهزة والأعضاء هم بقية الأمة، فالجسد الواحد النشيط هو الذي يكون قلبه دفاقا سليما ورأسه نشيطا بصيراً متفاعلا مع جميع الأجهزة والأعضاء، وأن بقية الأعضاء تتحرك وفق القلب والرأس.. وأن تاريخنا الاسلامي شاهد على ذلك فعند الاحتلال الصليبي للشام والقدس الشريف في القرن الخامس الهجري تحرك العلماء بدءا من الإمام الغزالي إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني من خلال اصلاح العلم والعلماء والتركيز على التزكية مع الجهاد، فتكونت المدارس الاصلاحية التي أنجبت نورالدين الزنكي ثم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس والشام كلها، وانطلق هو فعلا من العلم والاجتهاد الى الجهاد، ومن توحيد الأمة بضم مصر والمغرب الاسلامي إلى الشرق الاسلامي الى التحرير.

الاتحاد والندوة

وقال فضيلته: إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يحمل مشروع الأمة للأمة وهكذا كانت المشاريع الناجحة في تاريخنا، لأن هذه الأمة أخرجت لخدمة الناس جميعاً، لهدايتهم وتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة فقال تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ….” سورة آل عمران: من الآية 110، إن الفرد في هذه الأمة يعمل ويكد ويجتهد حتى يسعد الآخرين بماله وصدقاته وزكاته “وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ” سورة المؤمنون: 4 ، ومادام الاتحاد يحمل مشروع الأمة فإنه بحاجة ماسة الى جهود كل العلماء وجهود مؤسسات المجتمع المدني أمثال ندوة الشباب لتتكاتف الجهود كلها للنهوض بهذه الأمة، لذلك أدعو جميع العلماء ومؤسسات المجتمع المدني للعمل معا للوصول الى تحقيق أهدافنا المنشودة التي عبر عنها النظام الاساسي للاتحاد حيث نص في مواده 23 الى 28 على أن من أهدافه الحفاظ على الهوية الاسلامية لنبني أمة وسطا شهيدة على الناس، وعلى تقوية الروح الاسلامية للأمة للقيام بدورها لتحقيق العبودية لله تعالى، ورسالتها في تعمير الأرض، وأداء واجبات الاستخلاف والشهود الحضاري على البشرية، وعلى توحيد قوى الأمة بمختلف مذاهبها واتجاهاتها وتوحيد جهود العلماء، ومواقفهم الفكرية والعلمية وتوجيهها لخدمة قضايا الأمة الكبرى لتوجيه تحديات الداخل والخارج وتحديات التيارات الهدامة، والاستلاب الفكري والحضاري مع مواجهة الغلو في الدين والانحراف في تأويل نصوصه من قبل الضالين والمنحرفين.

وفي الختام ان كل ذلك منوط بما أناط الله تعالى به سلبا وإيجابا، نعمة وحرمانا، سعادة وشقاء، نصرا أو هزيمة، وهو التغيير الشامل ليس للنفس الامارة بالسوء كما يظن البعض وإنما للمنظومة النفسية الداخلية الشاملة للقلب ومشاعره، والعقل وتفكيره وتصوراته ومنهجيته، والروح بسموها أو هبوطها قال تعالى “إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” سورة الرعد: من الآية 11، وقال: “ذَلِكَ بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” سورة الأنفال: من الآية 53 ، فالأنفس هنا المنظومة الداخلية، بل تطلق على الذات نفسها في القرآن، وكل هذه المعاني مطلوبة هنا.