نستطيع القول من خلال النصوص الشرعية ( الكتاب والسنة ) أن معالم إصلاح البيئة ، وسبل علاجها تكمن بإيجاز فيما يأتي :


 


أولاً ـ المنطلق العقدي والأخلاقي :


  إن المسلم يعتقد اعتقاداً جازماً بأن البيئة مخلوقة لله تعالى ـ كما هو مخلوق أيضاً له ـ لذلك ينظر إليها نظرة احترام ومسؤولية ، ومن جانب آخر فإنه يعلم أن الفساد في الأرض محرم وبالتالي يحترم إرادة الله تعالى في ذلك ، ولا يرتكب محظوراً شرعياً.


ومن طرف آخر فإنه يؤمن بالآخرة التي هي يوم الجزاء والثواب وأن الإنسان يحاسب على أعماله الصغيرة والكبيرة ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ  وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )   وبالتالي فهو حريص أشد الحرص على أن لا يرى منه في ذلك اليوم إلاّ الخير ، فهذه العقيدة دافعة قوية للاصلاح بدل الإفساد وللنفع بدل الإضرار ، لأنه إن نجا من الدنيا فلا ينجو من العذاب يوم القيامة .


  ومن جانب آخر فإن هذه العقيدة تساعد الإنسان على عدم الطمع والجشع والحرص والتكاثر والتفاخر في الدنيا ، والتسابق في جمع الأموال حلالاً أو حراماً ، فيكون الدافع الأخلاقي دافعاً قوياً لتحقيق الالتزام ، والإسلام في هذا الجانب منهج متوازن بين الرهبانية ، والمادية ، لا يسع المجال للخوض في تفاصيله .


 ومن أهم القيم الأخلاقية التي يركز عليها القرآن الكريم في التعامل مع البيئة وغيرها ، مبدأ العدل الذي قامت عليه السموات والأرض ، ومبدأ الاعتدال والتوسط دون إسراف ولا تبذير ، فقال تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)  فقد منه الله الإسراف حتى في الأكل والشرب ، وكذلك في الاستعمال والاستهلاك والإنتاج وغيره ، بل وردت أحاديث صحيحة منعت الإسراف في الماء حتى لو كان الإنسان على البحر ، فقد شدد الله تعالى على المبذرين حتى وصفهم بإخوان الشياطين فقال تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)  ووردت أحاديث صحيحة مفصلة في حرمة الإسراف والتبذير وإضاعة المال .


  ومن هذه القيم الأخلاقية الدافعة للخير ، والمانعة من الضرر قيم الرفق والشفقة والرحمة في التعامل مع كل شيء حتى مع الجماد ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )  وفي رواية أخرى : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلاّ زانه ، ولا ينزع من شيء إلاّ شانه )  وهناك آيات كثيرة وأحاديث حول الرحمة بكل شيء وأن الله تعالى عذب امرأة بالنار بسبب هرة حبستها ، وأدخل الله شخصاً آخر الجنة بسبب مساعدته لكلب حينما سقاه وهو عطشان ، وأن الله يعذب قاتل العصافير والحيوانات بدون هدف ، وأن من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار  .


  بل إن مجموع القيم الأخلاقية كلها تساعد تماماً على الحفاظ على البيئة ، وعدم الإفساد فيها .


 


ثانياً ـ المنطلق الفكري والإنساني والعلمي :


  إن القرآن الكريم ركز كثيراً على أن الإنسان خلق ـ أساساً ـ من تراب ، فطين ، وبالتالي فإن الأرض هي أمنا بعد حواء ، وأصلنا ومرجعنا معادنا فقال تعالى : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )  .


 فإذا كان البر والإحسان واجباً نحو الأم ، فإن هذا الإحسان يجب أن ينال الأم الأصل ( الأرض ) أيضاً بما يناسبها ، وكذلك الحال بالنسبة للمعاد والمرجع بعد الموت حيث يعود الجميع إلى الأرض .


  فهذا المنطلق يؤثر نفسياً وفكرياً في الإنسان بالقرب من الأرض ، وحبها والعناية بها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .


 ومن جانب آخر فإن هذه المعرفة المفصلة المحققة من خلال النصوص الشرعية تؤدي إلى سلوك بيئي سوي ، ( وقد كان لهذا الارشاد القرآني أثره العملي البين في مجمل الحضارة الإسلامية التي كان لقيمة الجمال في تصورها الثقافي للبيئة دور كبير في سلوكها الرقيق بمشاهد البيئة )  ويدل على ذلك قوله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)  .


 


ثالثاً ـ  النظرة الايجابية للبيئة :


  إن البيئة في نظر الإسلام خير في ذاتها ، ومنافع للإنسان في حقيقتها ومصالح له في مآلاتها ، حيث تدل الآيات الكثيرة على أن الله تعالى خلقها لصالح البشر فقال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا  )  وبالتالي فإن على الإنسان أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة ، ويحافظ عليها بالاصلاح بعيداً عن الاضرار والإفساد .


 وأن ما في هذه البيئة من خيرات وبركات يكفي للبشرية ، بل يكفي لاسعادها ، وتحقيق الرفاهية لها إذا أحسن استعمالها واستثمارها وتوزيعها ، وهذا ما تدل عليه آيات كثيرة منها قوله تعالى : (…… وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ )  وبالتالي فليس هناك في نظر الإسلام ندرة الموارد وإنما هناك سوء الاستغلال والاستعمال والاستهلاك ، والظلم في التوزيع وإعادة التوزيع  .


 


رابعاً ـ البعد القانوني وقاعدة الثواب والعقاب :


  إن الإسلام في علاجه لمشاكل البيئة لا يكتفي بالأبعاد المعنوية السابقة ، وإنما يعتمد كذلك على قاعدتي الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ، وعلى القوانين المنظمة المناسبة من حيث العقوبات مع جرائم البيئة .


 ومن المعلوم أن الإسلام شرع أكبر العقوبات وأشدها لجريمة الفساد في الأرض فقال تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)   .


  ومن المعلوم أن الفساد في الأرض يشمل في بعض حالاته وأنواعه بعض الجرائم الواردة على البيئة ، بل إن الله تعالى نص على بعضها فقال تعالى في وصف المفسدين في الأرض : ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)  .


  ومن جانب آخر فإن المبدأ العام في الشريعة الإسلامية هو أن كل مخالفة للشريعة إذا كانت يترتب عليها ضرر وفساد فإن الله تعالى شرع لدرئها ، وردع الناس عليها بعقوبات مقدرة أو ترك أمرها للسلطة العادلة لتقرر عليها التعزير المناسب  .


 


خامساً ـ البعد المنفعي والمصلحي ( المصالح المشتركة أو الحقوق المتقابلة ) :


  


 لا يكتفي الإسلام في علاجه لمشاكل البيئة ومخاطرها بالأبعاد السابقة على الرغم من أهميتها ، وإنما أكد على بعد آخر ، وهو بعد المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين الإنسان والبيئة على ضوء ما يأتي :


   ان الإنسان ـ وهو جزء من البيئة ـ خلقه الله تعالى لتعمير الأرض ( البيئة ) ـ كما سبق ـ وبالتالي فلا يستطيع تحقيق هذا الهدف إلاّ أن تكون البيئة سليمة ، وبعبارة أخرى لا يستطيع أن ينتفع بها إلاّ إذا كانت صالحة ، إذن فهو المستفيد منها .


 ولقد جاء القرآن الكريم بتوجيهات جديدة في عالم الأديان وهو أنه كما أمر الله تعالى فيه بالصلاة والذكر أمره كذلك بتعمير الأرض والانتفاع منها والاستفادة من خيراتها فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)  .


  فقد جاء الأمر من الله بالانتشار في الأرض لتعميرها والاستفادة من خيراتها وأرباحها وثمارها بنفس المستوى الذي جاء الأمر فيه بذكر الله تعالى والامتناع عن البيع وقت الصلاة ، وقد تأكد ذلك في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)  حيث أمر الله تعالى بالمشي في مناكب الأرض وطرقها ومسالكها لطلب الرزق والسعة .


  فهذه الآيات وغيرها تدل دلالة واضحة على الأمر بالمباشرة الاستنفاعية للبيئة كجرء من سلوك بيئي وجه إليه الإنسان ليقوم به على سبيل الوجوب في نطاق قيامه بدوره العام المطلوب منه في الحياة ، وقد كان لهذا التوجيه القرآني أثر واقعي في مسيرة الحضارة الإسلامية من خلال قراءتها الجمالية ، تمثلت في مئات بل آلاف من دواوين الشعر والأدب التي تغنت بجمال الطبيعة وعشقها ، وفيما وشيت به العمائر والبسط والأدوات المختلفة من رسوم وزخارف فنية تحاكي مشاهد الطبيعة من الجمال والابداع والروعة والابداع  .


  والإنسان بما أنه ينتفع من البيئة من الجانب العلمي والثقافي ، والروحي ، ومن الجانب المادي والجمالي ، فعليه أن يتذكر هذه النعم ويشكر الله تعالى عيها ، ويحترمها أيضاً ، ولا يتسبب في إزالتها ، ومن هنا نرى الربط بين نعم الله الكثيرة ، وبين عدم الفساد في الأرض فقال تعالى : ( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)  .


 


رسالة الرحمة بالعالمين :


 


  فكان لهذا المنهج الإسلامي أثره البين في السلوك العملي القائم على الرفق والرحمة بالعالمين التي جعلها الله تعالى هدفاً وغاية للرسالة المحمدية ، حيث قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)  والعالم يشمل عالم الجماد كما يشمل عالم النبات والإنسان والحيوان .


 وحتى لا ينسى المسلم هذه الرحمة أمر الله تعالى أن تكون جميع أعماله وأنشطته وحركاته وسكناته ، وقراءته وتعلمه ، وتعليمه ، وإبداعاته كلها باسم الله الرحمن الرحيم ، حيث يقول في بدء كل شيء ” بسم الله الرحمن الرحيم ” اقتداءً بدستور الإسلام ( القرآن الكريم ) الذي يبدأ في جميع سوره ( ما عدا سورة واحدة ) بهذه الآية الكريمة ، وتنفيذاً لأمره تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)  لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي جعل كل شيء لا يبدأ بـ ” بسم الله الرحمن الرحيم ” مقطوع البركة  .


  وإذا كان الفكر الإسلامي يعطي هذه القيمة العظمى لعالم المادة والبيئة من حيث الانتفاع ، ومن حيث كونها مصدراً للإبداع والتفكير ودليلاً على الله  تعالى وصفاته الكمالية فإن الثقافة اليونانية ـ وهي أحد الجذور الأساسية للثقافية الغربية ـ تعطي الأهمية العظمى للتعقل المجرد ، وان العالم المادي في نظرها ليس بذي غنى في معرفة الحقيقة ، بل ظهر ذلك جلياً في الفلسفة الأفلاطونية ، وامتداداتها حيث لم تكن ترى في عالم المادة الاّ ضرباً من الظلال للحقائق الموجودة في عالم المثال  ، بل إن بعضها تنكر ثبوت حقائق الأشياء المادية  .


 


مبدأ الحقوق المتقابلة :


  إن استعمال المبادئ الإسلامية الرائعة في هذا المجال يقابله مبدأ ” الحقوق المتقابلة ” أي أن لكل حق لأي شخص يقابله حق عليه ، أو واجب ، وقد بين ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى فيما بين الله تعالى وبين عبده تفصيلاً في حديث حينما سأله : ( هل تدري حق الله على عباده ، وما حق العباد على الله ؟ قلت : ( الله ورسوله أعلم ) قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً )  فهذا الحديث وضع أهم قاعدة في التعامل تقوم على الحقوق المتقابلة ، أو على الحق والواجب ، فليس هناك أحد له حقوق ، ولكن ليس عليه حق ، فكل حق يقابله واجب ، وهذا هو العدل والتوازن ، وهو مبدأ عام في الشريعة الإسلامية حتى ذكره الرسول صلى الله عليه في العلاقة بين العبد وبين الله تعالى تفضيلاً منه ، وأكده صلى الله عليه وسلم حتى بين الإنسان وأعضائه فقال : ( … فإن لجسدك عليك حقاً ، وإن لعينيك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً ، وإن لزَوْرك عليك حقاً )  وفي رواية صحيحة أخرى أن سلمان الفارسي قال لأبي الدرداء : ( إن لربك عليك حقاً ، وإن لنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه ) فأتى أبو الدرداء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك كله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صدق سلمان )  .


  وهذا المبدأ يرسخ في نفس المؤمن ، وفكره وتصوره أهمية أن يقابل هذه الخيرات والبركات من الأرض والسماء ( البيئة الشاملة ) بالشكر لله تعالى وبالعمل الصالح النافع بعيداً عن الإضرار والفساد .


 


سادساً ـ استعمال كل شيء فيما خلق له :


     ومما أكد عليه الإسلام أنه لا يجوز للمسلم أن يكذب على الحيوان وغيره وأن الغش والتدليس والكذب على الحيوان يأخذ حكم مثله مع الإنسان.


  ومن هنا يأتي دور إعطاء الحيوانات ما تعودت عليه من الأعلاف الطبيعية ، وعدم التصرف في الطبيعة والبيئة بما يضرها ، حيث يدخل كل ما فيه ضرر في دائرة المحظورات شرعاً اعتماداً على الحديث الثابت القائل : ( لا ضرر ولا ضرار ) الذي أصبح هو الآخر قاعدة عامة ، ومبدءاً عاماً من المبادئ الكلية في الإسلام .


  ولذلك ينظر الإسلام إلى كل ما يخرج عن الطبيعة بسبب الهندسة الوراثية نظرة ريب وشك وتحفظ إلى أن يثبت أنه ليس في ذلك ضرر وفساد بالبيئة ، وهذا ما صدر به قرار من المجمع الفقهي الإسلامي الدولي قرار رقم (100/2/د10) حيث اشترط لاستعمالها أخذ ( كل الاحتياطات لمنع حدوث أي ضرر ـ ولو على المدى البعيد ـ بالإنسان ، أو الحيوان ، أو البيئة )  .


 ومما لا يخفى أن عواقب وخيمة وآثاراً خطيرة تترتب على التلاعب بالجينات ، والصفات الوراثية ، وطبيعة الأعلاف ، وقد ظهرت بعض المشاكل مثل جنون البقر ، ونحوه من أمراض الحيوانات ، ومما حدث في طبقات غاز الأوزون .


  ومن هنا نرى دقة وعمق النظرة الإسلامية حول ضرورة كافة الاحتياطات في أي تغيير في الطبيعة ، بل إن الإسلام شدد في تغيير خلق الله فحظره ، بل جعله من أعمال الشيطان ، فقد حكى الله تعالى قول الشيطان : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً)  وقد فسر المحققون من علماء السلف ذلك : بأنه تغيير للفطرة السليمة ، والخلقة والهيئة الطبيعية  .


 


سابعاً ـ الحفاظ على البيئة من التلف والفساد :


  فقد أولى الإسلام عناية قصوى بالحفاظ على البيئة من التلف بدون فائدة ، حتى وصف ذلك بالفساد في الأرض الذي يستحق العقوبات الشديدة فقال تعالى في وصف الطغاة المفسدين : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)  وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم قتلوا الحيوانات ، وأحرقوا زرعاً  ، وقد ذكر العلامة القرضاوي مجموعة من الأحاديث الصحيحة والثابتة في حرمة إتلاف أي شيء دون فائدة ، منها قول النبي صلى الله عليه : ( من قتل عصفوراً عبثاً ، عجّ إلى الله يوم القيامة يقول : يا رب ، إن فلاناً قتلني عبثاً ، ولم يقتلني منفعة ) رواه أبو داود ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلاّ يسأله الله عزوجل عنها ) رواه أحمد والنسائي ، والحاكم وصححه ، فعلق عليهما العلامة القرضاوي قائلاً : (ماذا نأخذ من هذين الحديثين :


إن الفقيه يأخذ منهما تحريم قتل الحيوان لغير الأكل ، وهكذا أدخل الإمام المنذري الحديثين في كتابه ( الترغيب والترهيب ) في باب الترهيب من المثلة بالحيوان ، ومن قتله لغير الأكل …


وجماعة الرفق بالحيوان تأخذ منهما :  وجوب احترام هذه المخلوقات الحية ، والحرص على حياتها ، وعدم المساس بها إلاّ لحاجة .


وعلماء البيئة يرون في الحديثين ضرورة المحافظة على مكونات البيئة ، ومنع العبث بها ، وتعريضها للفناء ، والانقراض من غير ضرورة ولا حاجة موجبة . )  .


  وإذا كان الإسلام يحافظ على الثروة الحيوانية بهذا الشكل فإنه كذلك يحافظ على الأجناس الحية من الانقراض ، ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل الكلاب  ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار )  وكذلك يحافظ على الثروة الزراعية ويحث على التشجير ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرساً إلاّ كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، ولا يرزؤه أحد كان له صدقة إلى يوم القيامة ) رواه مسلم ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر الإنسان بالتشجير والغرس إلى آخر لحظة من حياة الإنسان ، أو حياة الكون فقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى يوم