تمهيد :

 

 كان من نتائج هذه الصحوة المباركة عودة الناس إلى دينهم،
واهتمامهم بالحلال  والحرام، وعنايتهم بعقودهم وتصرفاتهم: هل هي مشروعة أم لا؟
وهل هي صحيحة أم باطلة وفاسدة؟ وهل يؤدون عبادتهم بصورة صحيحة تجزئ وتبرئ الذمة؟ أم
أنها ناقصة أو غير كافية أو باطلة؟ وهل ما يؤدونه من الزكاة يسقط الواجب الشرعي
والمسؤولية؟ وهل أموالهم حلال أم حرام، أم فيه شبهة؟ ….


  وقد كثرت الأسئلة بصورة خاصة حول القضايا الاقتصادية
والمالية والشركات، والأسهم والودائع الاستثمارية، والحساب الجاري، وحول المصانع،
والمشاريع، وغير ذلك سواء كان من حيث الحل والحرمة، أم من حيث الآليات والأدوات، أم
من حيث ما يجب فيه الزكاة، تنقية وتطهير؟


  لذلك وجدنا من المناسب أن نعطي زكاة ما آتانا الله تعالى
من علم متواضع بالبيان والنشر، كما يقول الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه
الله، حيث يقول: إن لكل شيئ زكاته، فزكاة العلم نشره وبيانه للناس، وزكاة الجاه
صرفه في قضاء حوائج الناس، والسعي لتحقيق ذلك، وهكذا.


 

المنهجية :


يكون الاعتماد في تفسيرنا وترجيحنا واختيارنا:


أولاً: على الكتاب والسنة الصحيحة والاجماع الصحيح، مع مراعاة
ما قاله سلفنا الصالح، وفقهاؤنا العظام من حيث الشرح والتوضيح ومن حيث سبب النزول،
أو الورود، وغير ذلك مما قاله علماء التفسير، والحديث، والأصول.


والمنهجية المعتمدة لدينا في فهم النصوص هو منهج الجمع لكل
النصوص الواردة في موضوع معين، ثم الاعتماد على الفهم الثنائي والشفعي حتى يظهر
الحق من كل جوانبه، وذلك لأن الخطأ  الذي يقع به البعض هو الاعتماد على نص
واحد ، فيأخذ منه بعض الحق، ولكنه يظنه كل الحق،


في حين أن النص الآخر (أو مجموعة
من النصوص) هو الذي يكمل الحق ويظهره، فمثلاً لو اعتمدنا على قوله تعالى: (وَمَا
تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
)[1] 
وقوله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[2]
لتوصلنا إلى حالة الجبر، وأن الإنسان مُسَيّر دون إرادة،


وهذا بعض حق، ظنه الجبرية
أنه كل الحق، فقالوا: إن الإنسان مُسَيّر غير مُخَيّر، في حين أن هناك نصوصاً أخرى
اعتمد عليها القدرية في إثبات أن الإنسان مخيّر تماماً مثل قوله تعالى: (فَمَن شَاء
فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)[3]
وهذا النص أيضاً يحمل الجزء الثاني من الحق، فالحق هو الجمع بين هذين النوعين من
النصوص لبيان الحق بالكامل، وهو أن إرادة الله تعالى فوق إرادة الإنسان وكل
المخلوقات،

فلوا أراد شيئاً لما استطاع أحد أن يقف أمام إرادته: (إِنَّمَا أَمْرُهُ
إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[4] ،
ولكن الله تعالى جرت سنته بالعدل المطلق، وأن الجزاء على الاختيار والإرادة، لذلك
أعطى بفضله الإرادة والاختيار والقدرة للإنسان والجن، حتى يكون الحساب والجزاء
والثواب على أساسها، وليس على أساس الاجبار والإكراه ( جزاء بما كنتم تعملون )،
وهكذا. .

 

ثانياً : الاعتماد على الاجتهاد المنضبط بالضوابط الأصولي، مع
التركيز على مقاصد الشريعة، وفقه المآلات وسد الذرائع الفاسدة، وفتح الذرائع
الصالحة، وعلى فقه التنزيل.




([1]
سورة التكوير / الآية 29


([2]
سورة الأنفال / الآية 17


([3]
سورة الكهف / الآية 29


([4])
سورة يس / الآية 82