لا ينبغي الحكم على شيء إلاّ بعد تصوره ومعناه المراد ، لذلك فلا يمكن أن يذكر حكم الإرهاب في الإسلام إلاّ بعد تحديد مراده .


 لذلك نقول : عن كان المقصود بالإرهاب : تخويف الأعداء من خلال إعداد القوة لمواجهتهم واسترداد الحقوق والدفاع عن الحق والتحرير فهذا عمل مشروع في كل الشرائع والقوانين الدولية ، وهو داخل في الجهاد الإسلامي الذي هو ماض إلى يوم القيامة ، وهو من الكفاح المشروع لاسترداد الحقوق السليبه كما هو الحال في فلسطين ونحوها .


  وأما إذا كان المراد به هو تخويف الآمنين الأبرياء أو قتلهم فهذا غير جائز شرعاً ، وذلك للأدلة التالية :


1ـ الإسلام دين الرحمة للناس كافة ، بل للعالم أجمعين ، فإذا كان الإرهاب بمعنى تخويف الآخرين قد ورد في القرآن الكريم مرة واحدة ، فإن لفظ ( الرحمة ) ومشتقاتها قد تكررت في القرآن الكريم مئات المرات حيث أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالرحمة والعدالة والمعاني الإنسانية حتى لا نرى مثلها في أي نظام ، أو دين آخر ، ويكفي أن نرى القرآن الكريم يكرر لفظة ( رحم ) ومشتقاتها أكثر من ( 340 ) مرة إضافة إلى تكرار ( الرحمن الرحيم ) في بسم الله الرحمن الرحيم في بداية السور مائة وثلاث عشرة مرة ، تحدث فيها عن عظمة الرحمة ، وكونها صفة لربّ العالمين ، بل إنها الكلمة الوحيدة التي اشتقت منها صفتان لله تعالى يذكرهما المسلم في صلاته ، وعند بدئه بأي عمل فيقول : بسم اله الرحمن الرحيم ، بل جعل الله تعالى الغاية من إنـزال هذه الرسالة المحمدية هو نشر الرحمة للعالم أجمع وليست للمسلمين وحدهم فقال تعالى : ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين )[1] ، وجعل الله تعالى ( رؤوف رحيم ) من أسماء الرسول حيث قال : ( بالمؤمنين رؤوف رحيم)[2] ، ويقول : ( ورحمتي وسعت كل شيء )[3] ، وجاءت السنة النبوية لتوضيح هذه المعاني السامية من خلال السنة القولية ، والسنة العملية ، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه ( نبي الرحمة )[4] كما وضع صلى الله عليه وسلم قاعدة في غاية من الأهمية تقضي بأنه ( من لا يَرْحَم لا يُرْحَم )[5]  وأن الله لا يرحم من لا يرحم المخلوقات إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يمكن حصرها هنا ، إضافة إلى أن سيرته صلى الله عليه وسلم كانت تطبيقاً لهذه الرحمة حيث كان يؤذى من قبل قومه بشتى أنواع الأذى والإهانة ،ومع ذلك يمتنع عن أن يدعو عليهم ، أو يطلب من الله تعالى أن يهلكهم بصاعقة في الدنيا ، بل كان يدعو لهم ، ويرجو أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبد الله [6] ، وينتصر في فتح مكة ويرى كل أعدائه الذين آذوه فيقول لهم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )[7] .


 ومع كل ذلك لم ينج الإسلام من هجمات الأعداء ، فوصفوه بالقسوة في تشريعاته ولا سيما في الحدود ، وبالعنف في استعماله القوة ، وأنه انتشر بالسيف ، فدين تحتل الرحمة فيه هذه المكانة لا يمكن أن يجيز لأتباعه بإرهاب الآمنين الأبرياء .


2ـ الإسلام دين الأمن للإنسان ، والسلام لهذا الكون كله وأحد أسماء الله تعالى السلام ، وليلة نـزول القرآن هي ليلة السلام بنص القرآن الكريم ( سلام هي حتى مطلع الفجر )[8] ، بل الإسلام مشتق من لفظ ( السلم ) وأن تحية المسلمين في الدنيا هي ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ، وتحيتهم في الجنة أيضاً السلام فقال تعالى : ( وتحيتهم يوم يلقونه سلام )[9] .   


 وقد أمر الإسلام بالجنوح إلى السلم حتى مع الأعداء المحاربين ما داموا قد جنحوا إليها حتى ولو أرادوا الخداع ، ـ كما سبق ـ   .


 ودلت أحاديث كثيرة على حرمة ترويع المسلم وكذلك من يعيش على أرض الإسلام بأمان حتى ولو على سبيل المزاح والهذار فقد عقد المنذري في كتابه الترغيب والترهيب باباً مستقلاً للترهيب من ترويع المسلم ، ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جادّاً أو مازحاً [10]، ذكر فيه أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه )[11] ، ومنها ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود بسندهم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : ( حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه ، فأخذه ففزع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لمسلم أن يرّوع مسلماً )[12] ، وفي حديث آخر رواه الطبراني بسند رواته ثقات عن النعمان بن البشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 لا يحل لرجل أن يرّوع مسلماً)[13] ، وفي حديث آخر رواه البزار والطبراني عن عامر بن ربيعة أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيّبها وهو يمزح ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تروّعوا المسلم ، فإن روعة المسلم ظلم عظيم )[14] ، ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أي مجال للتخويف حتى ولو بالنظر فقد روى الطبراني بسنده عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :     ( من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة )[15] .           


  وقد طبقت هذه التوجيهات في عصر الخلافة الراشدة حيث أرسل الخليفة عمر إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها ، فأنكر ذلك ، فقيل لها : إن عمر يدعوك قالت ويلها ، وما لها ولعمر ، فبينما في الطريق ضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها ، فصاح صيحتين ،ومات ، فاستشار عمر الصحابة فأشار إليه بعضهم وفي رواية هو عبدالرحمن بن عوف : أن ليس عليك شيء ، إنما أنت وال مؤدِّب ، فقال عمر : ما تقول يا علي ؟ فقال : (… أرى أن ديته عليك ، لأنك أفزعتها فألقت ولدها من سببك ، فأمر علياً أن يقيم عقله على قريش )[16] فهذا الأثر التطبيقي يدل بوضوح على أن الترويع حتى بالوسائل المعنوية يترتب عليه العقوبة في الدنيا أيضاً .


  وقد شدد الرسول صلى الله عليه وسلم في الحفاظ على جمال الإنسان وعدم تشويه صورته حتى في القتال ، لأن الله تعالى خلق آدم على صورته ، ولأنه أكرمه وخلقه في أحسن تقويم ، فقد عقد مسلم في صحيحه باباً للنهي عن ضرب الوجه ، حيث روى بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قاتل أحدكم أخاه فلجتنب الوجه ) وفي رواية أخرى عنه بلفظ ( إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمنّ الوجه ) وفي رواية أخرى عنه بلفظ ( إذا قاتل أحدكم أخاه فلجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته )[17] .


 ومن المعلوم بين أهل العلم أن هذه الأحكام تعم كل إنسان آمن برئ غير محارب للإسلام والمسلمين[18] ، حيث دلت آيات كثيرة وأحاديث صحيحة على حرمة الاعتداء على أي ذات روح ، بل على الجمادات والبيئة ، فالمسلم يجب أن يكون صالحاً مصلحاً نافعاً مفيداً غير مفسد .


  فقد حرم الإسلام ترويع الحيوانات وايذاءها فقد روى البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )[19] .


 ورويا أيضاً عن ابن عمر أنه مرَّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً يرمونه ، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا ، فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً )[20] . ورويا أيضاً عن أنس قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم )[21] .


وعقد مسلم باباً خاصاً للنهي عن ضرب الحيوان في وجهه ، ووسمه فيه حيث روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ عليه حمار قد وسم في وجهه ، فقال :     ( لعن الله الذي وسمه )[22] ، وبهذا حافظ الإسلام حتى على جمال الحيوانات وعدم إيذائها ولذلك ورد في رواية لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الضرب في الوجه ، وعن الوسم في الوجه[23] ، ولم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفجع بطير حيث روى أبو داود والحاكم ، وغيرهما عن ابن مسعود قال : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته ، فرأينا حمَّرة معها فرخان ، فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحّمَّرة فجعلت تعرش ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( من فجع هذه بولدها ؟ ردّوا ولدها إليها … )[24] .    


 فقد سدّ الإسلام باب التخويف والإرهاب والإيذاء سداً محكماً فحرّم كل أنواعه وأشكاله سواء كان بطريق الجدّ ، أو الهزل ، ولم يكتف بالتحريم ، واللعنة ، والبعد عن رحمة الله تعالى ، والعذاب بالنار لهؤلاء المعتدين والمؤذين والمخوفين المروعين ، وإنما شرع عقوبات كالقصاص والحدود لأجل حماية دين الإنسان ، ونفسه ، وعقله ، وعرضه ، ونسله ، وماله ، وأمنه النفسي والاجتماعي ، كما شرع عقوبات تعزيرية تكميلية تخضع لاجتهاد القاضي لحماية هذه المقدسات ولتحقيق الأمن والسلام للجميع حتى للحيوانات بكل الوسائل المتاحة


 


الترويع أو الإرهاب لم يكن من سمت المسلمين بل من صفات الغلاة :


  حينما ندرس التأريخ الإسلامي بدءاً من الخلافة الراشدة نجد بوضوح أن الترويع للآمنين الأبرياء لم يكن من صفات المؤمنين الصادقين ، بل كان سمتهم الرحمة ،وإذا كان هناك من يستحق عقوبة فإن ذلك يتم عن طريق الإجراءات القضائية بضوابطها .


 كما أن ميزان الحرب له خصوصيته ومع ذلك فقد فرض مجموعة من الضوابط الأخلاقية والإنسانية في حالة الحرب ( كما سيأتي ) .


 وإذا وجد نوع من الترويع في التأريخ الإسلامي فإنه يعود إلى بعض الجماعات المنحرفة الغالية ، أو المتطرفة ، فقد قال أحد العلماء الكبار في القرن الثالث الهجري : ( وقد انزعج كثيراً من أقوال بشار بن برد وأشعاره الإلحادية ) : ( أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه )[25] .


 وكان ديدن الغلاة أن اتخذوا الاغتيال سبيلاً للقضاء على مخالفيهم ، فظهرت فرق منهم الخناقون كالمغيرية ، والمتصورية في الكوفة أواخر الدولة الأموية [26]، يقول النَّوْبختي عن أبي منصور العجلي رئيس فرقة المنصورية : إنه ( كان يأمر أصحابة بخنق من خالفهم وقتلهم بالاغتيال ، ويقول من خالفكم فهو كافر مشرك فاقتلوه ، فإن هذا جهاد خفي )[27] .


 وذكر الجاحظ وسائل هؤلاء الخناقين وصورهم في القتل والتعذيب عن طريق الخنق والتشميم ، وعن طريق الحبال ، والكلاب ونحوها [28].


 وقد عاثت فرق الغلاة والباطنية فساداً في الأرض في القرنيين الخامس والسادس الهجريين ، فاغتالوا خيار الحكام والدعاة والعلماء ، بل استفحل أمرهم حتى دخلوا المسجد الحرام فسفكوا دماء الحجيج في وسط المسجد حول الكعبة المشرفة [29].


 كما أن رأس الباطنية في القرن السادس الهجري حسن الصباح قد أثار الرعب في العالم الإسلامي واتخذ لنفسه قلعة سميت بقلعة الموت وكوّن فرقاً لاغتيالات بعض كبار العلماء والوزراء لنظام الملك وغيره [30].


 


الإرهاب في العصر الحاضر :


  يشير كثير من المفكرين إلى أن مفهوم الإرهاب أخذ يتبلور بعد قيام الثورة الفرنسية ، حيث ارتكبت ممارسات قمعية لتصفية أعداء الثورة ، وإرهاب الآخرين للحيلولة دون التصدي لها ، وهكذا عرف حكم الإرهاب في فرنسا فيما بينهم 10/8/1792م و 27/2/1794م [31].


  وكانت أول حركة منظمة أطلق عليها اسم ( إرهابيين ) في التأريخ هي حركة اليعاقية الجدد اللذين كانوا من أنصار الدولة القمعية [32].


 


صور الإرهاب :


  والإرهاب قد يكون فردياً ، أو جماعياً ، وقد تكون دوافعه سياسية ، أو دينية ، أو اقتصادية أو اجتماعية ومعظم أشكاله اليوم تكمن في احتجاز الرهائن ، وخطف الطائرات ، وقتل الآمنين الأبرياء وبالأخص النساء والأطفال ، وزرع المتفجرات وجرائم القتل المنظمة ، والسرقات الكبيرة التي تستهدف مرافق الدولة الحيوية ، والمصارف ، وكذلك جرائم التخريب للمنشآت الحيوية كالماء والكهرباء والجرائم الاقتصادية المنظمة التي تستهدف تحطيم اقتصاد البلد وانهاك قواه .


  ومن الصور المعنوية للإرهاب إحداث الخوف والرعب في قلوب الناس لزعزعة عقيدتهم ، والتأثير على معنوياتهم وتحويل ولائهم وغسل أدمغتهم وتكوين منظمات سرية غير مشروعة لإثارة الرعب والفزع بين الناس عن طريق التهديد والوعيد[33] .


 وقد شهد القرن العشرين أعنف مظاهر العنف والإرهاب داخل العالم الإسلامي ، والعالم الغربي ، والشرقي بل العالم كله ، فهو أحد مظاهر القرن ومعالمه وحقائقه ، وأهم مظهر من مظاهر الجريمة السياسية .


 ونظراً لحضور الإرهاب الدولي واثاره على الأمن والسلام الدوليين انعقد اجماع المجتمع الدولي على محاربة الإرهاب الدولي وتحريمه ، ومع ذلك ازدادت جرائم الإرهاب الدولي في العقود الأخيرة ففي 3/12/1969اقتحمت مجموعة من أربعين صهيونياً مقر الوفد السوري في الأمم المتحدة وعاثوا فيه فساداً ، وفي عام 1970 وقعت عمليات اختطاف واغتيال للدبلوماسيين الأمريكيين في أمريكا الجنوبية ، وغيرها ، وكثر اختطاف الطائرات من قبل منظمات إرهابية ، وتفجير المتفجرات في المكاتب ، وفي 4/11/1979 قامت مجموعة من الطلبة الإيرانيين بالاستيلاء على مبنى السفارة الأمريكية واحتجزت كل من فيه رهائن ظلوا هكذا أكثر من عام .


 وفي 5/4/1988 اختطفت طائرة كويتية طالب مختطفوها بإطلاق سراح (17) سجيناً في الكويت ، ومع تعثر المفاوضات نفذوا تهديداتهم بقتل أحد الرهائن الكويتيين وإلقاء جثمانه على أرض المطار ، ثم قتلوا رهينة كويتية أخرى بصورة وحشية اشمأزت لها النفوس ، ثم بعد (16) يوماً سلموا أنفسهم إلى السلطات الجزائرية .


 وفي 21/12/1988 فجرت الطائرة التابع لشركة بان أمريكان فوق لوكربي باسكوتلندا مما أسفر عن مقتل (270) شخصاً [34].


 وفي عام 1998 فجرت السفارتان الأمريكيتان في نيروبي ، واستمرت سلسة الإرهاب والعنف التي كانت أقواها وأخطرها ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر الذي غيّر معالم العالم والتحالفات الدولية ، وبدأ عصر جديد من العلاقات الدولية سيطرت فيها أمريكا كقطب واحد على مقاليد الأمور ، وأعلنت الحرب العالمية الثالثة على ما يسمى بالإرهاب التي لا تـزال تداعياتها ماثلة للعين حتى الآن .


  


آثار الإرهاب :




  1. زعزعة الأمن والاستقرار وإراقة دماء الأبرياء والآمنين بدون تحقيق أي هدف ، أو فائدة .



  2. التكاليف الباهضة بسبب تكاليف الاحتياطات الأمنية والتامين ضد حوادث الإرهاب حيث تصاعدت إلى أرقام خيالية تقدر البلايين .



  3. ضعف الاقتصاد القومي ، وضرب مقدماته ، وبنيته ، وعرقلة التنمية والنمو الاقتصادي .



  4. انشغال الأمة بعضها ببعض وبالتالي استمرارية التخلف في الأمة الإسلامية وتفرقها وتمزقها .



  5. استغلال الدول القوية الطامعة الإرهاب وتصرفاته لاحتلال البلاد الإسلامية والهيمنة على ثرواتها وخيراتها ، كما نشاهد ذلك اليوم بوضوح في الاونة الأخيرة .


 


أسباب الإرهاب والعنف باسم الدين :


  لا شك أن هناك أنواعاً كثيرة من العنف والإرهاب تقوم بها العصابات الخاصة بالنهب ، والمافيا ، والمخدرات فالبحث عن هذا النوع خارج عن موضوعنا ، وإنما حديثنا منصَب حول الإرهاب والعنف باسم الدين .


 وعند التعمق والبحث والتحليل في الوقائع الإرهابية التي وقعت في الماضي والحاضر باسم الدين نجد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بينها وبين الحركات المتطرفة الغالية في كل الأديان السائدة .


 فللصهيونية العالمية دور كبير في العنف والعنف المضاد وبالأخص في فلسطين ، وللكنيسة حينما تطرفت وخرجت عن سمتها دور كبير في الإرهاب الفكري للعلماء الغربيين ، حيث أقامت لهم محاكم التفتيش وحكمت على الكثيرين منهم بالاعدام ، أو الحرق لمخالفتهم آراء الكنيسة ، ولا أحد يستطيع أن يحص جرائم الصليبيين في الاندلس ( اسبانيا وبرتغال ) في حق المسلمين واليهود ، وكذلك ارتبط العنف في المجتمع الإسلامي بالحركات المتطرفة الغالية كالخوارج ، والقرامطة والباطنية بجميع فرقها ، ثم إلى الحركات المتطرفة المعاصرة التي أباحت الدماء وسفكتها دون تحقيق أي هدف نافع .


 


أسباب التطرف الديني :


التحذير الشديد من الغلو ( مجاوزة الوسطية )


 فلا نجد ديناً أو نظاماً أولى عنايته بمحاربة التطرف والغلو والافراط والتفريط في كل شيء مثل الإسلام ، فقد شنّ عليه حرباً ، وحذر منه تحذيرات شديدة ، فقد نعى القرآن الكريم على أهل الكتاب الذين غلو في دينهم بغير حق ، وترهبوا أو ابتدعوا الرهبانية وترك الدنيا وطيـباتها فقال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق )[35] وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :  ( إياكم والغلو في الدين فإنما هلك مَنْ قبلكم بالغلو في الدين )[36] قال الإمام ابن تيمية : ( قوله      ” إياكم والغلو في الدين ” عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال ، والغلو : مجاوزة الحد …. والنصارى أكثر غلواً في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف )[37] .  


 وقد ذكر الرسول عاقبة وخيمة لأهل الغلو والتطرف وهي الهلاك في الدين والدنيا حيث قال : ( هلك المتنطعون )[38] ثلاث مرات قال الإمام النووي:أي المتعمقون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم ) .


 ولذلك دعا الإسلام إلى الوسطية ، وجعل هذه الأمة أمة وسطاً فقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )[39] ، ولذلك علمهم منهج الوسطية في العبادات والعقائد والعادات والملبس والمأكل والمشرب ـ كما سبق ـ ، وجعل شعارهم ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة )[40] ودعا إلى التمتع بالدنيا وملذاتها بالحلال ، وأنكر على من يقول بأن الزينة محرمة فقال ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي خالصة   )[41] وقال أيضاً : ( ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض )[42] .         


 وأوضح الرسول منهجه وطريقته في التعامل مع أمور الدنيا حينما سمع أن بعضهم يريد الابتعاد عن أكل اللحم ، وعن الزواج ، والنوم في الليل فقال : ( ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا …لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب سنتي فليس مني ) [43].


 


بين التطرف والتمسك :


  ومن الضرورة الإشارة إلى أن التمسك بالكتاب والسنة ، أو بالأحوط من آراء الفقهاء ليس تطرفاً ، وإنما التطرف هو التجاوز عن الحد الوسط مع التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه للآخرين بوجود ، وقد يؤدي ذلك إلى التكبر أو الاعتداد بالذات أكثر من لازم ، فقد سمعنا بعضهم ( وهم لا يزالون محتاجين إلى فهم النصوص الشرعية ) يقولون : ( هم ـ أي أبو حنيفة ومالك والشافعي ونحوهم ـ رجال ، ونحن رجال )


 ومن مظاهر التطرف أيضاً : التزام التشدد على النفس ، والتشديد على الغير في غير محله وإلزامهم بما لم يلزمهم الله به في حين أن الإسلام دين التيسير في الأحكام ، والتبشير في الدعوة فقال صلى الله عليه وسلم : يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) [44].   


 ومن مظاهره أيضاً الغلضة والخشونة في التعامل ، وهم يخطئون في الاستشهاد بآية نزلت في حالة الحرب مع الأعداء ( وليجدوا فيكم غلظة ) [45]. 


 ومن مظاهره أيضاً سوء الظن بالناس ، والتساهل في غيبتهم من باب الجرح والتعديل في حين أن من أخلاق الإسلام حسن الظن بهم والتماس الأعذار لهم .