الأسواق المالية (البورصة) في ميزان الفقه الإِسلامي

تـمـهـيـد:

أولى الإِسلام عناية منقطعة النظير بالحضارة والتقدم، والرقي، والتمدن، وترك البداوة[1]، وحثّ على النشاط المالي وتوفير الرفاهية والغنى للجميع، ولذلك منّ الله تعالى على قريش بأن سهل لهم الوصول إلى أهم الأسواق في عصرهم، ووفر لهم نعمة أمن الطريق، حيث يقول: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}[2].

فقد منّ الله عليهم بنعمة توفير الرحلات التجارية التي يترتب عليها الغنى، كما منّ عليهم بنعمة الأمن الذي هو الأساس لكل ازدهار اقتصادي، وبنعمة الأمن الغذائي الذي هو العنصر الأساسي في الاستقرار النفسي.

بل إن الإِسلام بذل مجهودًا كبيرًا لإِزالة الأوهام المستقرة في نفوس العرب حول الأسواق والأعمال التجارية، حيث كانوا يظنون أنها لا تتناسب مع هيبة الأنبياء والقادة والرؤساء، فنزلت الايات القرآنية لتدفع هذا الوهم، ولتبين بكل وضوح أن جميع الرسل كانوا يدخلون في الأسواق، فقال تعالى: {وَقَالُواْ مَا لِهَـذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً}[3].

فرد الله عليهم بقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً}[4].

فصحح النظرة إلى السوق بأنها لا تتنافى مع الهيبة، ولا تتعارض مع الرسالة والنبوة، والشرف والرفعة، والعزة والمكانة.

كما أن استعمال القرآن لـ: «السوق» بمعناها المعروف، وبمعنى ساق الشيء، وما يقوم عليه الشيء لمشعر بأهمية السوق للمجتمع، فكما أن الحيوان يقوم على ساقه، كذلك الاقتصاد يقوم على سوقه حيث يقول: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ}[5]، وقال: {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً …}[6].

فالأسواق المالية المنظمة المتطورة عنوان الحضارة والتقدم، وبقدر تطورها يكون تطور الحياة التجارية، والصناعية، والاقتصادية التي لا تستغني عنها المجتمعات المتقدمة؛ ولذلك أولى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم عنايته بالسوق، لكنه أراد أن يصوغها صياغة إسلامية قائمة على الأمانة والثقة والعفة والتقوى، وأن تكون عنوان «بيع المسلم من المسلم»[7]، أي: لا غش فيه ولا خداع…

كما أولى الخلفاء الراشدون عنايتهم ببناء الأمصار، وازدهار أسواقها، وبرعايتها وتعيين المحتسبين عليها، حتى أصبحت مراكز حضارية ووسائل للتنمية المالية في العالم الإِسلامي.

لذلك فإن العناية بأمر هذه الأسواق هي من تمام إقامة الواجب في حفظ المال، وتنميته باعتبار ذلك أحد مقاصد الشريعة، وباعتبار ما يستتبعه هذا من التعاون لسد الحاجات العامة، وأداء ما في المال من حقوق دينية أو دنيوية[8].

وفي عصرنا الحاضر تطورت الأسواق المالية، وازدهرت آلياتها ازدهارًا رائعًا، وأدخلت فيها أنظمة متقدمة جدًا من حيث الربط والاتصال، وربطت بالعالم أجمع من خلال (الكمبيوترات) فأصبحتْ حلقاتِ الوصلِ في التجارة الدولية والتصدير والاستيراد، فلم تعد تقتصر على (سوق الإِصدارات) بل تشمل الأسواق الثانوية، وتوفير السيولة، وتوظيف المال وغير ذلك من الأعمال والتجارة الدولية.

ولكن الأسواق المالية ــ بوضعها الحالي ــ ليست الأنموذج الذي تنشده الشريعة الإِسلامية لتحقيق الكسب الحلال، واستثمار المال، وتنمية المدخرات بشكل يحقق الحلال الطيب، لذلك يتطلب الأمر من أولي العلم الثقات أن يعنوا بدراستها دراسة جادة جيدة للوصول إلى صورة متكاملة لسوق مالية إسلامية تتوفر فيها الشروط والضوابط الشرعية، وتقوم على الأسس والقواعد الشرعية.

فعالمنا الإِسلامي بأمس الحاجة إلى أسواق مالية إسلامية نظرًا لسعة أطرافها، وما حباها الله تعالى بمواد خام، وثروات معدنية، وكثرة أفرادها حتى تكون منافعهم لهم، إضافة إلى حاجة المصارف الإِسلامية إليها حاجة ماسة.

فالأمل كبير بالله تعالى في أن يوفق مجمع الفقه الإِسلامي لإِيجاد حلول بناءة لهذه القضية، ويصل إلى فكرة متكاملة لسوق تبنى على شرع الله تعالى، وتجمع بين ثوابت الشرع ووسائل التقدم والتطور الذي يشهده عصرنا الحاضر.

ويشرفنا أن نشارك في إثراء هذا الموضوع المهم بجهد وإن كان متواضعًا، وأحاول أن يكون منهجي قائمًا على التأصيل الفقهي، والتقعيد، بحيث يكون رجوعي أولاً إلى الكتاب والسنة، ثم إلى أقوال الفقهاء لأجد للأمور المستحدثة دليلاً شرعيًّا، أو قياسًا فقهيًّا، أو اجتهادًا لأحد سلفنا الصالح، فإن وجدت ذلك فبها ونعمت، حيث يكون دوري الترجيح فقط، وإلا فأبحث عن مدى موافقة هذا العقد الجديد للقواعد العامة، وعدم مخالفته للنصوص الشرعية.

وقد بدأت في بحثي بالتعريف بالأسواق المالية، ونبذة تاريخية لها، والتكييف الشرعي للأسواق المالية، ثم أسهبت في أهم الأدوات المستخدمة في الأسواق المالية، وهي الأسهم والسندات، والخيارات والمستقبليات حيث فصلت فيها تفصيلاً في أنواع كل واحدة منها، وحكمها الشرعي، وقد بذلت أقصى طاقتي لإِيجاد البدائل الإِسلامية المشرعة، وذكرها.

والله أسأل أن يعصمني من الخطأ والزلل في القول والعمل، وأن يجعل أعمالي كلها خالصة لوجهه الكريم، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير.

 

 

التعريف بالأسواق المالية لغة واصطلاحًا :

  تطلق كلمة «السوق» في اللغة ويراد بها: موضع البياعات، قال ابن سيده: السوق التي يتعامل فيها، تذكر وتؤنث. ولها معانٍ أخرى[9]. وجاء بهذا المعنى قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا لِهَـذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً}[10]، وقوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً}[11]. والأسواق جمع السوق، وهي موضع البياعات والتعامل.

وورد لفظ «السوق» و «الأسواق» في السنة المشرفة كثيرًا حتى خصص بعض أصحاب الصحاح والسنن بابًا خاصًا بالسوق، بل ذكر البخاري أربعة أبواب لها، ترجم الأول: باب ما ذكر في الأسواق. وأورد فيه عدة آثار وأحاديث فذكر: قال عبد الرحمن بن عوف: لما قدمنا المدينة، قلت: هل من سوق فيه تجارة؟ فقال: سوق قينقاع… وقال عمر: ألهاني الصفق بالأسواق. ثم روى بسنده عن أنس بن مالك قال: «كان النبـي صلى الله عليه وسلّم في السوق فقال رجل: يا أبا القاسم…». وعن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعًا وعشرين درجة…»، وترجم الثاني: باب كراهية السخب في الأسواق ــ أي رفع الصوت بالخصام. وترجم بابًا ثالثًا: باب الأسواق التي كانت في الجاهلية، فتبايع بها الناس في الإِسلام، ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كانت عكاظ، ومَجَنَّة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإِسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ …}. قال ابن بطال: «فقه هذه الترجمة أن مواضع المعاصي وأفعال الجاهلية لا تمنع من فعـل الطاعة فيها…»[12]، وأورد بـابًا رابـعًا ترجم لـه: بـاب التجـارة أيـام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية، وأورد فيه حديث ابن عباس السابق بلفظ: «كان ذو المجاز، وعكاظ متجر الناس في الجاهلية…»[13].

والمال لغة هي كما يقول ابن الأثير: المال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وذكر الفيروز آبادي أن المال يطلق على كل ما ملكته من كل شيء وأصله من مال الرجل يمول، ويمال مولاً إذا صار ذا مال[14].

وقد ثار خلاف بين الفقهاء في تعريف المال، فعرفه الحنفية بأنه عين يجري التنافس والابتذال به، حيث خصصوا المال بالأعيان دون المنافع، كما أنهم عمموه للمال المباح، والمحرم، وأما عند الجمهور فهو عام للأعيان والمنافع لكنه لا يشمل المحرمات لعينها كالخمر والخنزير[15].

فالأسواق المالية أو (البورصات) هي الأماكن الخاصة التي تخص للنشاطات التجارية الخاصة بالصرف، والنقد، والأسهم، والسندات، والأوراق التجارية وشهادات الودائع، ونحوها، بالإِضافة إلى عقود السلع بين المنتجين والتجار[16].

والبورصة كلمة أجنبية تعني كيس النقود، أو هي اسم للرجل الذي كان يعقد في مجلسهِ صفقات النقود[17].

 

نبذة تاريخية :

بما أن المال في اللغة عام للنقود والعروض (الموجودات المالية) فإن أسواقه، أو الأسواق المالية في عصرنا الحاضر لا يختلف مفهومها عن مفهومها في السابق، لكنها تطورت من أسواق أَوَّلِيَّةٍ عادية للبضائع إلى أسواق ثانوية متطورة يغلب فيها العناية بالبيع والشراء والعملات، والأسهم والودائع والسندات.

كانت الأسواق موجودة منذ التاريخ السحيق، منذ أن تكونت المجتمعات المدنية واحتاجت إلى التداول والمقايضة والمبادلة؛ حيث كان الناس من خلالها يحصلون على حاجياتهم ويتبادلون فيها الأموال، لكنها تطورت في القرون الأخيرة؛ حيث ظهرت منذ القرن السادس عشر الميلادي كظاهرة حديثة يتم فيها بصورة عامة تبادل سندات التحويل، والسندات لامر، والسندات التجارية وغير ذلك.

وقد ازداد عدد الأسواق المالية في العالم وازداد نشاطها، ويصل عددها في أمريكا أربع عشرة بورصة، أهمها بورصة نيويورك التي تقدر قيمة الأسهم فيها بحوالي 1500 مليار دولار. وفي بريطانيا اندمجت كل الأسواق المالية منذ عام 1973 في جهاز واحد وهو بورصة لندن التي تقدر قيمة الأسهم فيها بمليار دولار. وفي اليابان تعمل ثماني بورصات، وأهما بورصة طوكيو حيث تستأثر بـ 75  من مجموع المضاربات في اليابان، والتي تقدر قيمة أسهمها بأكثر من مليارين من الدولارات. وفي ألمانيا توجد ثماني بورصات تقع بورصة فرانكفورت في مقدمتها حيث تحقق 44  من مجمل الأعمال. وفي فرنسا توجد سبع بورصات أهمها بورصة باريس. وفي سويسرا أيضًا سبع بورصات أهمها بورصات جنيف، وبال، وزيوريخ[18] وهكذا…

 

التكييف الشرعي للأسواق المالية :

إن فكرة الأسواق المالية ــ من حيث المبدأ ــ تدخل تحت قاعدة المصالح المرسلة، والتنظيمات التي تعتبر من صلاحيات أولي أمر المسلمين، وهي بلا شك تساعد على تطوير الأعمال التجارية والاقتصادية التي هي شريان الحياة لكل المجتمعات المتقدمة، ولذلك عبر الله عن المال بأنه قيام للمجتمع لا ينهض ولا يقوم إلا به: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً}[19].

وقد اشتهرت أمور المال والإِشراف عليه منذ الصدر الأول بالحسبة، جاء في السيرة الحلبية: «أن هذه الولاية تعرف بالحسبة، وموليها بالمحتسب»[20]. وفي التيسير لابن سعيد: «اعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية، فلعموم مصلحتها، وعظيم منفعتها تولى أمرها الخلفاء الراشدون، ولم يكلوا أمرها إلى غيرهم مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد، وتجهيز الجيوش…»[21].

وقد اعتبر حاجي خليفة هذه الولاية علمًا خاصًا فقال: «علم الاحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها من حيث إجراؤها على  القانون المعد حيث يتم التراضي بين المتعاملين وعلى سياسة العباد بنهي المنكر، وأمر بالمعروف بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد، بحيث ما رآه الخليفة من الزجر والمنع»، ثم قال: «ومبادؤه بعضها فقهي، وبعضها أمور استحسانية ناشئة من رأي الخليفة، والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور، وفائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم، وهذا أدق العلوم، ولا يدركه إلا من له فهم ثاقب وحدس صائب؛ إذ الأشخاص والأزمان والأحوال ليست على وتيرة واحدة، بل لا بد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور، فلذلك لا يليق بمنصبها إلا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى كعمر بن الخطاب…»[22].

وعلى ضوء ذلك فالأسواق المالية ــ من حيث المبدأ ــ من الأمور التي يسعى لتحقيقها الإِسلام لكنه يضع لها الشروط والضوابط حتى لا تتنافى مع مبادئه وقواعده العامة، فهي بلا شك من المصالح النافعة، والتنظيمات المفيدة التي أخذ بأمثالها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم.

وإذا كانت الأسواق المالية اليوم لا تحقق المقاصد التي يتوخاها الإِسلام فإن هذا لا يعني إغفالها، وتركها وشأنها، أو الحكم على ما فيها حكمًا مطلقًا بالتحريم، وإنما الأمانة تقتضي أن نبحث عن كل تفصيلاتها وجزئياتها، ونحكم من خلال تصور دقيق لكل جزئياتها، ونبذل كل ما في وسعنا، ونستفرغ كل جهدنا للوصول إلى بديل إسلامي يجمع بين الأصالة والتجديد والتطوير.

فالأسواق المالية تشمل عدة أمور، فلها أنظمتها الإِدارية والإِجرائية المتطورة، وهذا الجانب يدخل ضمن المصالح المرسلة، والسياسة الشرعية التي تعطي الحق لولي الأمر إلزام الناس بنوع من التنظيمات ما دامت لا تتعارض مع النصوص الشرعية الثابتة الخالية من معارض.

وبالإِضافة إلى هذا الجانب، فإن هناك مهامًّا وأعمالاً تجري في الأسواق المالية لأداء دور الوساطة، أو السمسرة، أو الخدمات الإِعلامية، والكتابية، أو الوكالة، أو القرض، أو الصرف فهذه التصرفات تطبق عليها الأحكام الشرعية الخاصة بكل تصرف أو عقد[23].

 

الأدوات المستخدمة في الأسواق المالية :

لكن أهم الأدوات المستخدمة في الأسواق المالية هي: الأسهم والسندات، والخيارات، والمستقبليات، إضافة إلى عمليات الصرف، والسلع، والصيغ الجارية للعقود.

وسنخصص هذا البحث لدراسة هذه الأمور حسب الخطة التي وضعها المجمع الفقهي الموقر، دون الخوض في أمور أخرى؛ لنصل إلى نتائج محددة بإذن الله تعالى.

 

الأسهم والسندات[24] والتعامل بها عن طريق الأسواق المالية (البورصة) :

  لا يجوز التعامل بالسندات المالية (التي هي قروض بفوائد)، لا عن طريق الأسواق المالية (البورصة) ولا عن طريق غيرها، كما سيأتي في بحث السندات وبدائلها.

وأما الأسهم التي لا تزاول شركاتها نشاطًا محرمًا، وليس لها امتياز مالي ــ كما سيأتي تفصيله في بحث الأسهم ــ فحكم التعامل بها وتداولها عن طريق البورصة على التفصيل الاتي، حيث نذكر أولاً أنواع العمليات، ثم نذكر كيفية البيع والشراء من حيث الدفع.

 

أولاً: أنواع العمليات في البورصة :

 1 ــ العمليات العاجلة: وهـي التـي تتـم فـي سـوق العـاجـل؛ وذلـك بـأن يـلتـزم كـل مـن العاقدين بتنفيذ عقودهما، ويسلم البائع الأوراق المالية، والمشتـري ثمنها حالاً، أو في مدة لا تتجاوز 48 ساعة، وحينئذ يحتفظ المشتري بها، ويستفيد مـن أرباحها، ويتحمل خسارتها كذلك، وتقوم السوق (البورصـة) بإتمام الصفقة بصفـة الوكيل عـن الطرفين ويرسل الأوراق للطرفين للتوقيـع عليها.

فـالتعـامل بالأسهـم بهـذه الطريقـة حلال ــ مـا دامت بقيـة الشـروط والضوابط التي يفرضها الشرع متوافرة[25]، ولكن المشتري الجديد لا يبيع أسهمه إلا بعد استقرار ملكه عليها من خلال القبض حتى ولو كـان حكميًّا[26] مـا دامت الأسهم تمثـل السلـع ــ أي غير النقود والديون والطعام.

والخلاصة إذا كان البيع حالاًّ وباتًا، ولم يكن قائمًا على الاختيارات ــ كما ستأتي ــ ولم يكن فيه محظور شرعي آخر فإن هذه المعاملة عن طريق البورصة أيضًا جائز، وكذلك التعامل في هذه الأسهم جائز بعد استقرار الملك فيها، ولكن دون أن يكون العقد الثاني على أساس ما تسميه البورصة بالمضاربة وهي تعنى بها: عملية بيع وشراء صوريين، حيث تباع العقود، وتنتقل من يد إلى يد، وغاية العاقدين الاستفادة من فروق الأسعار[27]، بينما المضاربة في الفقه الإِسلامي معروفة تعني العمل من جانب، والمال من جانب آخر.