السؤال:
أستاذنا الفاضل ما هي:
1 – أسباب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم الآن؟
2 – وبعيدا عن العواطف هل ترون الاقتصاد الإسلامي قادرا على حل مثل هذه الأزمات؟.
3 – وبما أن لكم باعا طويلا في الاقتصاد الإسلامي هل يسير الآن على خطى سليمة.
4 – وما العقبات التي تحول بين ضبطه على أرض الواقع.
 

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
الجواب عن السؤال الأول:
إن أسباب الأزمة الاقتصادية باختصار شديد تعود إلى ثلاثة أسباب أساسية وهي:
أ- أسباب جوهرية تتعلق بأيدلوجية الاقتصاد الرأسمالي التي تقوم على الحرية الفردية وحرية التملك والانتاج والاستهلاك والتوزيع وغير ذلك، وهذه الحرية لم تكن منضبطة، وبالتالي أدت إلى مجموعة الأزمات على مر تاريخ الاقتصاد الرأسمالي. ومن هذه الأسباب الجوهرية أيضا عدم التوازن بين مصالح الفرد والجماعة ومصالح الفقراء والأغنياء وبين متطلبات الروح والجسد وغير ذلك، فهذه الأسباب هي بمثابة بذور الفناء داخل جسد الاقتصاد الرأسمالي، ولذلك حينما طغت الرأسمالية ترتب عليها رد فعل عنيف متمثل في الاشتراكية الشيوعية.
ب- أسباب إئتمانية تعود إلى أن النظام المالي العالمي الربوي يقوم على الائتمان وخلق الائتمان وبعبارة أخرى التعامل بالديون بل وخلق الديون والنقود، وهذا ما حدث بالنسبة لأزمة الرهون العقارية، حيث كانت قيمة العقارات في عام 1987 في حدود تريليون وثمانمائة مليار، ثم جاءت عليها مضاربات فزادت قيمتها السوقية، بل القيمة التي تقوم على المضاربات فمنحت البنوك الربوية الأمريكية القروض عليها حتى وصلت إلى أكثر من عشرة تريليونات، ثم بعد ذلك عملت هذه البنوك مشتقات على هذه الديون أي سندات الدين فبيعت هذه السندات للخارج بعدة تريليونات حتى وصلت القروض المتعلقة بهذه العقارات إلى أكثر من تسعة عشر تريليونا، وهنا دخلت أمريكا في حرب عالمية ثالثة في عهد جورج بوش الابن وتراكمت الديون الخاصة بالحروب أيضاً حتى وصلت إلى خمسة تريليونات مما أدى إلى مطالبة الديون وحينئذ لم يجدوا إلا غثاء ومحقا وتبخرت كل هذه التريليونات وأدت إلى إفلاس أكبر الشركات والبنوك في أمريكا مثل ليمان براذرز وفني ماي وأيه. آي. جي وهكذا.
ثم اضطرت أمريكا ليس للتدخل فقط وإنما لتأمين هذه البنوك والشركات، لاسيما فيما يتعلق بسندات الخزانة، وبهذا التأمين انتهى النظام الرأسمالي من حيث الأيديولوجية وإن بقيت من حيث النظام المالي.
جـ- أسباب سياسية تعود إلى القرارات السياسية التي ارتكبت في عهد جورج بوش، التي أدت إلى إعلان الحرب واحتلال العراق وأفغانستان، وبذلك أصبح وضع أمريكا اليوم أشبه ما يكون بوضع الاتحاد السوفييتي في أواخر القرن السابق، حيث كان يحارب في أفغانستان والاقتصاد انهار فانهار الاتحاد السوفييتي.
الجواب عن السؤال الثاني: الاقتصاد الإسلامي من حيث المبادئ والخصائص والآليات والأدوات قادر على حل هذه الأزمات، ولكن الاقتصاد يحتاج إلى وضعه في صورة خطوات عملية ونماذج مدروسة من كل الجوانب وإلى قوة اقتصادية تقف وراءه ودول تدعمه، ومع الأسف الشديد لا نجد هذه الأمور، ولذلك طالبت منظمة المؤتمر الإسلامي بعقد مؤتمر عالمي حول هذه الأزمة ودراسة الاقتصاد الإسلامي ليكون البلسم الشافي لهذا الداء الخطير، علما أن الاقتصاد الإسلامي يتضمن من خلال نصوص صريحة وواضحة تحريم كل هذه الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة، حيث حرم الإسلام التعامل بالربا وأسماه محقا، أي محوا، كما حدث اليوم، وحرم الإسلام كذلك بيع الديون بالديون، كما حرم الإسلام بيع مالا يملك والمغامرة والغرر وغير ذلك مما تسبب في هذه الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى ذلك فإن الاقتصاد الإسلامي يقوم على أساس التوازن وعلى أساس القيم المؤثرة الضابطة للانتاج والاستهلاك والتبادل والتعاقد والتوزيع وإعادة التوزيع.
الجواب على السؤال الثالث: الاقتصاد الإسلامي يسير من حيث المبدأ على خطى سليمة ولكن الاقتصاد الإسلامي ليس هو البنوك الإسلامية فقط فالبنوك الإسلامية جزء من الاقتصاد الإسلامي، فالاقتصاد الإسلامي هو أشمل من ذلك بكثير فهوعلم ونظام ونظرية وسياسة مالية متوازنة وسياسة نقدية متزنة، فإذا تحققت هذه الأمور فقد سار الاقتصاد الإسلامي على المنهج الصحيح، ونحن نقف مع البنوك الإسلامية التي حماها الله سبحانه وتعالى من هذه الأزمة بسبب التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، ولكننا ننصح بشدة بالابتعاد عن بعض الحيل التي تحدث في بعض البنوك مثل المرابحة العكسية والتورق المنظم.
الجواب عن السؤال الرابع: أما العقبات في سبيل الاقتصاد الإسلامي وجعله اقتصادا عالميا فهي كثيرة، من أهمها أن العالم الإسلامي لم يتبن إلى الآن الاقتصاد الإسلامي إلا بعض الدول، والاقتصاد يحتاج دائما إلى الجانب العملي والتطبيقي ووقوف الدول معه، فلو قامت الدول الإسلامية اليوم بتبني الاقتصاد الإسلامي فحينئذ تظهر عظمة الاقتصاد الإسلامي وقدرته على التنمية وعلى الحل الجذري، ولا أقول هذا من باب الحدس والتخمين وإنما أقول من باب التطبيق والتجربة، إضافة إلى الجانب العلمي والعقدي وإيماننا بأن الله سبحانه وتعالى أنزل كتابه هذا حتى يكون شفاء لجميع الأمراض وهدى ورحمة للمؤمنين، بل ورحمة للعالمين، وقال تعالى: “يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين”، وقال تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، ومن المعلوم أن هناك فرقا بين الشفاء والحل أو العلاج، فالحل والعلاج قد يصلحان الشيء ولكن تترتب عليهما آثار جانبية، أما الشفاء فهو لا يترتب عليه آثار جانبية، بل يقضي على المرض كله.هذا والله أعلم.