هل
النقود الورقية مثل الدراهم والدنانير في كل الأحكام؟
هذا
هو السؤال الذي يفرض نفسه علينا، والجواب عنه بالسلب، أو بالإِيجاب، أو بالتفصيل،
يكون هو الأساس في أي حل يراد.
فقد
ذهب أكثر العلماء الذين عاصروا مولد النقود الورقية إلى أنها ليست مثل النقود
الذهبية والفضية على الإِطلاق، بل ذهب بعضهم إلى نفي نقديتها وماليتها، ورتبوا
عليها عدم وجوب الزكاة فيها، وعدم جريان الربا فيها. فقد جاء في فتح العلي لمالك:
«… ما قولكم في الكاغد، الذي فيه ختم السلطان، ويتعامل به كالدراهم والدنانير…
هل يزكى زكاة العين أو العرض أو لا زكاة فيه؟».
فأجبت
بما نصه: «… لا زكاة فيه، لانحصارها في النعم وأصناف مخصوصة من الحبوب والثمار،
والذهب والفضة، ومنهما قيمة عرض المدير وثمن عرض المحتكر، والمذكور ليس داخلاً في
شيء منها. ويقرب لك ذلك أن الفلوس النحاس المختومة بختم السلطان المتعامل بها لا
زكاة في عينها لخروجها عن ذلك[1].
يقول
الأستاذ الدكتور القرضاوي: «لم تُعرف النقود الورقية إلا في العصر الحاضر، فلا
نطمع أن يكون لعلماء السلف فيها حكم، وكل ما هنالك أن كثيرًا من علماء العصر
يحاولون أن يجعلوا فتواهم تخريجًا على أقوال السابقين، فمنهم من نظر إلى هذه
النقود نظرة فيها كثير من الحرفية والظاهرية، فلم ير هذه نقودًا، لأن النقود
الشرعية إنما هي الذهب والفضة، وإذن لا زكاة فيها… وبهذا أفتى الشيخ عليش وبعض
الشافعية…»[2].
وقد
أسند كتاب الفقه على المذاهب الأربعة إلى الحنابلة عدم وجوب الزكاة في الورق
النقدي، إلا إذا صرف ذهبًا، أو فضة، ووجدت فيه شروط الزكاة السابقـة[3]،
وهذا الإِسنـاد غيـر مقبـول، لأن النقـد الورقـي لم يكـن موجـودًا في زمـن أحمـد
ولا أصحابه، وحتـى لازم المذهب ليس بمذهب، فكيف تسنى له أن يسند إليهم هذا القول؟!
وكذلك
أفتى كثير من علماء الهند في القرن السابق، بعدم وجوب الزكاة فيها، وعدم أداء
الزكاة بها، وعدم جواز شراء الذهب والفضة بها[4].
وبعكس
هذا الاتجاه، ذهب علماء معاصرون كثيرون إلى وجوب الزكاة فيها، منهم: العلامة أحمد
الساعاتي صاحب ترتيب مسند أحمد وشرحه، حيث قال: «فالذي أراه حقًّا، وأدين الله
عليه، أن حكم الورق المالي كحكم النقدين في الزكاة سواء بسواء، لأنه يتعامل به
كالنقدين تمامًا»[5].
وأفتى بمثله العلامة الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي، حيث قال: «فتحصل أن الأوراق
المالية يصح أن تزكى باعتبارات أربعة»[6].
وكذلك
أفتى بمثله بعض علماء الهند مثل: مولانا الشيخ فتح محمد اللكنوي صاحب عطر الهداية.
وذكر المفتي سعيد أحمد اللكنوي في كتابه أن الإِمام عبد الحي اللكنوي كان يوافق
تلميذه الشيخ فتح محمد في هذه المسألة[7].
والراجـح
أن هـذا الخـلاف لفظي، وليـس خلافًا معنـويًّا، ولا خلافًا قائمًا على الحجة
والبرهان، وإنما هو خلاف عصر وأوان، فالأوائل بنوا أقوالهم في عدم وجوب الزكاة
فيها على أساس أنها كانت سندات لديون، والاخرون نظروا إليها باعتبارها أصبحت
أثمانًا بالعرف، وكلا الرأيين صحيح؛ فالأوراق النقدية كانت في بدايتها سندات، فقد
جاء في دائرة المعارف البريطانية: «إن البنكنوت كان ظهوره قبل الشيكات المصرفية،
ويمكن اعتباره كسند عند الدائن لدين له على البنك، وأن حقوق هذه الورقة تنتقل إلى
آخر عند تسلمها، فحينئذ يكون حاملها دائنًا للبنك بطريقة تلقائية…»[8].